بقلم: مصطفى قوبعة إنه «صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد» الذي توفقت الأغلبية في المجلس الوطني التأسيسي في فرض إضافة فصل في مشروع قانون المالية لسنة 2014 يقضي بإحداثه. وخلافا لما جاء في البيان التوضيحي لحركة «النهضة» الذي أكّد أن اعتمادات الصندوق سيوفرها بالكامل مجهود النسيج الجمعياتي دون أن تترتب عنه أعباء مالية جديدة على دافعي الضرائب خصوصا وعلى الموارد المالية للدولة عموما والذي اتهم المعارضة بتوظيف الموضوع لتأليب الرأي العام فإنه يتعين توضيح ما يلي: لا يمكن لبيان توضيحي لحزب سياسي أن يحلّ محل القانون في اتمام أو في تفسير ما غفل القانون عن تفسيره أو عن اتمامه. إن أوّل من فوجئ بمقترح إحداث صندوق الكرامة هو وزير المالية نفسه الذي يمثل حزب «التكتل» شريك حركة «النهضة» في الحكم والذي كان ردّه على المقترح أشد حدّة مقارنة بمواقف العديد من نواب المعارضة (باستثناء النائب إياد الدهماني) الذين كانوا شبه متغيبين في ذلك الهزيع الأخير من ليلة ختم مناقشة مشروع قانون المالية. من المعلوم أن الدولة تموّل نشاط الجمعيات بمختلف أصنافها، وأن هذه الجمعيات غير قادرة بمجهود ذاتي على توفير مبلغ 1100 مليون دينار وهي الاعتمادات المخصصة للصندوق دون أن يحدد قانون المالية مصدرها. إن الجمعيات هي غير المؤسسات الاقتصادية وغير الأشخاص الطبيعيين الذين كان النظام السابق يدفعهم للمساهمة عن طواعية أو تحت الضغط في تمويل بعض الحسابات الخاصة بالخزينة مثل صندوق 2626 أو صندوق التشغيل. إن القانون الأساسي لميزانية الدولة عرّف بمختلف الموارد المباشرة وغير المباشرة لميزانية الدولة ولم يضمّن النسيج الجمعياتي ضمن مصادر تمويلها، ممّا يجعل امكانية تمويل الجمعيات بالكامل لصندوق الكرامة في وضع مخالف لأحكام القانون الأساسي للميزانية ولأحكام التشريع المتعلق بالجمعيات الجاري به العمل. والنتيجة أن الدولة ستضطر في النهاية الى تحمّل عبء تمويل جزء من اعتمادات هذا الصندوق قد يكون الأهم بالنظر الى واقع النسيج الجمعياتي والى محدودية موارده الذاتية على أن يوفر هذا النسيج الجزء المتبقي وهو ما قد يوسع من مخاطر تبييض الأموال وتلويث المالية العمومية بمصادر تمويل مجهولة أو مشبوهة المصدر. وإذا كان صندوق الكرامة المحدث غير معلوم بالضبط ان كان صندوق خزينة مثلما هو معرف به في الفصل 19 من القانون الأساسي للميزانية أو حسابا خاصا مثلما عرّف بذلك في الفصل 22 من نفس القانون، فإن التصويت على إحداث الصندوق بالشكل الذي تم عليه مثّل خرقا واضحا لأحكام الفصل 30 من القانوني الأساسي للميزانية الذي نصّ على «أنه لا يمكن عرض أي فصل إضافي ولا أي تنقيح لمشروع قانون المالية إن لم يكن يرمي الى إلغاء مصروف من المصاريف أو الى احداث مورد من الموارد أو الزيادة فيه، وان الفصول الاضافية والتنقيحات المخالفة لهذه الأحكام تلغى وجوبا». لهذه الأسباب وُلد صندوق الكرامة ميّتا، هو خطيئة ثانية في مسار العدالة الانتقالية بعد خطيئة القانون المتعلق بالانتدابات الاستثنائية في القطاع العام بالشكل الذي تمّ تطبيقه لفائدة ضحايا النظام السابق والمحسوبين على ضحايا النظام السابق وهم أنفسهم المؤهلون للانتفاع بإكرامات صندوق الكرامة. انتدابات استثنائية في القطاع العام بشكل فوضوي، استرداد حقوق ادارية وإعادة ترتيب حياة مهنية، صندوق كرامة، وماذا بعد؟