هل تُعقل المساواة بين أحزاب لها أغلبية ب «التأسيسي» وأخرى يمثّلها نائب أو اثنان؟ مشعلو الحرائق متنكّرون في ثياب رجال المطافئ علىالأطباء ألاّ يتذكّروا حقوقهم فقط بل واجباتهم أيضا الاتحاد حوّل الشغالين الى سيف مسلّط لابتزاز الحكام السياسيين بورقيبة أحد رموز الحركة الوطنية له ... وعليه راعي الحوار «ذئب» قاد انقلابا ناعما مهدي جمعة اختير في «سهرة خاصة جدا» تبجّح قائد السبسي بسجن 10 «دساترة» آلم والدي حاوره: محمّد بوغلاّب يبدو أنّ الدكتور نجيب القروي لا يمكنه العيش خارج «الحوض السياسي». فعلى الرغم من إبتعاده عن الشأن السياسي بشكل مباشر فإنّه من خلال نشاطه الجمعياتي «المكثف» يسجل في كل مرة مواقفه بعناية، وقد لفت الدكتور القروي في بداية الأسبوع الإنتباه بحضوره في كواليس المجلس الوطني التأسيسي وهو ما دعانا إلى محاورته عسانا نضيء جانبا من «تحركات» الرجل الذي غادر «النهضة» منذ زمن ولكن «حبل الصرّة» لم ينقطع بينه وبين الفكر الإسلامي، فيما يواصل الطبيب «القروي الإبن» إعلانه القطيعة السياسية مع خيارات «القروي الأب» الذي عاد إلى الواجهة زعيما للحركة الدستورية ... دكتور لاحظنا حضورك في المجلس التأسيسي عشية الثلاثاء، لأي سبب كنت هناك؟ ألا يخفى عليكم شيء ؟ (ابتسامة) لقد ذهبت بالفعل وللمرة الأولى إلى المجلس التأسيسي للإجتماع ببعض الأصدقاء في آخر مرحلة من تكوين جمعيتنا الجديدة وفي نفس الوقت لمتابعة النقاشات الأخيرة للدستور. وما هي هذه الجمعية الجديدة وما أهدافها؟ اسمها «لَبِنات» وتهدف إلى نشر وتكريس ثقافة التعددية والديمقراطية وإدارة الحوار وقبول الاختلاف والعيش المشترك والانتصار لقيم الديمقراطية والحقوق والحريات في كل مكان وتعزيز قيم التحضّر والسلوك الحضاري. يعتقد باعثوهذه الجمعية وأنا منهم أنّنا ضحية أزمة قيم حادّة ، وأن الديمقراطية التي طالما نادى بها الجميع في زمن الاستبداد باتت اليوم مهدّدة بخطر جسيم لهشاشة ثقافتها في شعبنا وسعي الكثيرين الى الحطّ من شأنها وتشويهها بشتّى الطرق والتشكيك في جدارتنا بها ووأدها تدريجيا ومحاربتها من حيث أنّها لم تخدم مصالحهم وتوجّهاتهم في أوّل اختبار جدّي لها في 23 أكتوبر 2011. يتردد كلام كثير عن أسلمة المجتمع المدني ليصبح مجتمعا أهليا وأن جمعيتكم «التعاون» جزء من هذه السياسة، هل توافق على هذا التشخيص؟ التكاثر السريع لظهور الجمعيات الخيرية ذات الصفة الإسلامية هو استجابة لحاجة كانت مكبوتة منذ عشرات السنين منذ أن قرّر بورقيبة منع العمل الخيري بخلفية اسلامية وتحويل نمط عيش التونسيين تدريجيا وإذابة هويتهم وكل ما يربطهم بها، بصفة قسرية وعنيفة . المجتمع المدني (أو الأهلي باصطلاح آخر لا أرى فرقا) هو مرآة تعكس تركيبة المجتمع وميولاته واهتماماته، وهو تعريفا تجمّع لأفراد من المجتمع نفسه تربطهم نفس الأهداف والشواغل للعمل تطوّعا على تحقيقها.. الحديث عن «أسلمة المجتمع المدني» لا يستقيم أصلا فهؤلاء الأفراد هم جزء أصيل من المجتمع لا هم مستوردون ولا هم يعملون تحت أي ضغط كان. لماذا هذا الانزعاج من تصالح التونسيين مع هويتهم وتاريخهم ؟ عبر هذه الجمعيات أو صندوق الزكاة أوغيره . هذا أمر عجيب خاصة لما يصدر عن جهات تدعي تبني قيم التسامح واحترام الآخر.. ولكن يبدو أنها تتبنى هذا التصوّر في اتجاه واحد ؟ كيف تقيّم ما تحقق بفضل الرباعي الراعي للحوار؟ أعتقد أولا أنه يجب علينا وضع معجم جديد للألفاظ في السياسة في تونس حيث أن العديد من الأشياء لم تعد تسمّى بمسمّياتها بل نصبغها بمسميات اخرى لجعلها مقبولة وتمريرها بأكثر «سلاسة» . فقد قلت وما زلت أعتقد أن ما سمّي راعيا هو في الحقيقة بمثابة الذئب المتخفّي في ثوب العجوز الحليمة في قصة «حمراء حمراء» ، وما سمي حوارا هو في الحقيقة ابتزاز وخلط للأوراق ومسار هدفه النهائي غير المعلن تغيير كلّي لقواعد اللعبة وسلب لإرادة الشعب من أصحابها وإلغاء لنتائج الإنتخابات الديمقراطية ... (مقاطعا) كيف ذلك؟ (مسترسلا وكأنه لم يستمع لسؤالي) كيف تفسّر أن تسوّى أحزاب لها نائب أونائبان في البرلمان مع أحزاب لها 10 و20 و80 نائبا ونقول «تأخذ القرارات بالتوافق»؟ ماذا تسمّي عملية تجعل من حمّة الهمّامي ذي الشعبية المحدودة والمحدودة جدّا جزءا محوريّا وذا«رأي» مفصلي في عملية المفاوضات؟ يشترط ويقرر ويعطل ويهدد بتكوين حكومة... أواصل إجابتي... وفي النهاية (وهذا ما نراه اليوم) تغيير مذهل لمركز السلطة من المجلس التأسيسي المنتخب إلى رباعي لا شرعية له إطلاقا في الموقع الذي تسلّل له واستقر فيه تحت غطاء «الحوار». الرباعي كان دوره تيسير الحوار بين الأحزاب السياسية ثم عليه ترك المكان بعد تحقيق التقارب بين الفرقاء ، فإذا به يزيحها ويستولي على السلطة ، كالذي ذهب ليخطب فتاة لصديقه فعاد قائلا « أنا وما رضاوبيّ كان بالسيف» . حتى يصبح يملي على رئيس الحكومة دوره ووزراءه... ويعود له رئيس الحكومة قبل رئيس الدولة أو المجلس التأسيسي . لقد حوّل الرباعي الحوار، وكما كان متوقّعا له، إلى انقلاب ناعم ، ومسؤولية «النهضة» هنا كبيرة في التفريط في الأمانة التي سلّمها إيّاها الشعب عبر الانتخابات . ولو تذرّعت بالوضع الذي آلت إليه البلاد والذي تتحمّل كذلك فيه مسؤوليتها إلى جانب مشعلي الحرائق المتنكّرين في ثوب رجال المطافئ . نحن المواطنون لم يعرض علينا ولم نختر لا العباسي ولا بوشماوي ولا العياري ولا غيرهم من الرباعي لإدارة شؤون حكمنا . فبعد تيسير الحوار شكر الله سعيهم ... هل نجح الحوار الوطني في تقديرك؟ نجح من وجهة نظر الذين نادوا إليه ولجؤوا إلى الإبتزاز لإجبار البعض على الإلتحاق به ومن وجهة نظر الذين تمكّنهم الشرعية الانتخابية والشعبية من الدخول من الباب فجعلوا منه منفذا للرجوع من الشباك. ولكنه على المدى الطويل هزيمة للممارسة الديمقراطية ولسيادة الشعب الذي أُبعد وعوّض قراره بحوارات وراء أبواب مغلقة بين أطراف لا تمثله حق التمثيل وبآليات تلغيه تماما. فهل تصبح تونس محكومة بما يسمى بالفرنسية «pompier pyromane» أي من يشعل الحرائق ثم يقدّم نفسه على أنّه الذي سيطفئها ويصبح بطلا يصول ويجول وتقدّم له شهادات الشكر والتقدير؟ أين رجالات هذا البلد الذين لا يهمسون ببنت شفة ؟ هل أعمتهم المصالح الآنية والعداوات الإيديولوجية عن النظرة البعيدة الاستراتيجية وتصوّر مستقبل البلاد ومسارها ؟ ماذا لو لم يتدخل الإتحاد؟ ألم تكن البلاد سائرة في المجهول بعد اغتيال محمد براهمي؟ وكيف ذلك ؟ أنا «شعرت» بعكس ذلك : أول قرار للاتحاد كان إضرابا عاما يوما بعد إغتيال «الحاج» محمد براهمي،، فى الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي نعلم . وأعضاء من المكتب التنفيذي يحرّضون ويؤججون الموقف (كما بعد اغتيال شكري بلعيد)، وكأنها فرصة جديدة لإرباك الدولة وخلق الفوضى.. كل هذا لا يصدر عمّن يبحث عن تفادي ادخال البلاد في المجهول على ما أعتقد. أو ربما خانتني الذاكرة وأدوات التحليل ؟ ولا نتناسى تقاسم الأدوار بين مكونات بعض القوى في داخل الاتحاد وخارجه. من إختار مهدي جمعة؟ هل هو الإتحاد أو«النهضة»؟ لست أدري بدقة ، لكن ما علمته من مصدر قريب أنه وقع الاتفاق عليه في «سهرة خاصة جدا» بين شخصين: عضومن المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعة والتجارة وعضو من المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، في المنعرج الأخير وتقريبا 24 ساعة قبل يوم الإعلان عليه. وكان مرشّح «النهضة» آنذاك السيد جلول عيّاد والذي كان يرفضه «نداء تونس» . ولكن ما وراء ذلك من المخططات من هذه الجهة أو الأخرى للوصول إلى هذه النتيجة فهو أمر لا يعلمه إلا قليل، حيث أصبحت أطراف الحوار متمرسة جدّا على المناورة. وهل تظن «النهضة» حملا وديعا لتقبل باتفاق بهذه الطريقة دبّر بالليل؟ لا أظن ذلك ، وقد يكون ما يروج صائبا بأن لها «مداخل عدّة» لإيصال «اقتراحاتها» لمراوغة المترصّدين بها المتعنّتين، والله أعلم. هل إبتلع الإتحاد طعم «النهضة»؟ لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال، حيث لا يبدو لي (ظاهريا على الأقل) أن السيد مهدي جمعة طعم «النهضة» ، وهو الذي على ما أعلم لم يكن يسايرها كثيرا في التسميات وهو في حكومتها. والله أعلم. هل سيكون جمعة رجل الوفاق؟ أنا لا أؤمن بالوفاق مصطلحا سياسيا جديدا على الحياة السياسية. أنت لا يمكنك أن تكون «متوافقا» باستمرار مع أهلك وأبنائك وزوجتك، فكيف يمكن هذا الوفاق بين أحزاب وتيارات متناقضة وفي أحيان كثيرة متنافرة؟ في اعتقادي إذا حرص رئيس الحكومة المقبلة على البحث بأي ثمن عن الوفاق وجعل منه أولوية فإنه سيضيع وقته وسيتّخذ قرارات خاطئة دون سياسة واضحة خاصة به يطبقها ويتحمل مسؤوليتها ولو كره البعض ورضي البعض الآخر. فلماذا وقع الاختيار عليه إذن ؟ أهو«موفّق إداري» بين الأحزاب وأضف إليها الرباعي؟ إنّه هو الذي سيحاسب على قراراته ونتائجها وليس الذين سيحاول إرضاءهم جميعا. فرضاء كل الناس غاية لا تدرك. الوفاق هورأي الجماعة وبالمصطلح الديني «يد الله مع الجماعة»؟ بالفعل ولكن الجماعة لا تتفق غالبا بالاجماع المطلق ولكن بالأغلبية. تلك الأغلبية التي حرص البعض على استبعادها بالتصريح. ما هي عوامل نجاحه وفشله؟ عوامل نجاحه في اعتقادي أن يأخذ الحكم بحزم وقوّة وبكل استقلالية وأن يضع نصب عينيه الأولويات الحقيقية للبلاد في هذه المرحلة وهي الأمن والإستقرار والإقتصاد الذي ينتج التشغيل ، وألّا يقع في فخ البعض الذين لا تعنيهم هذه الأولويات بقدر ما تعنيهم حسابات سياسية أو مصالح (أحيانا شخصية) آنية أو عداوات وأحقاد إيديولوجية وتصفية الحسابات والنظرة الضيقة التي لا تضع المصلحة العليا فوق بقية الإعتبارات. وسيفشل إذا بقي متذبذبا لا يستقر له رأي، ومع الأسف يبدوأن هذا ما نستشفّه عبر متابعة تصريحاته وما يقوم به سرّا وعلنا منذ أن ذُكر اسمه كرئيس حكومة مقبل. كيف ترى السيناريوهات الممكنة؟ نحتاج اليوم إلى ربّان ذي شخصية قوية يدرك وجهته ولا يخضع إلى الابتزاز أوالضغوط إلاّ في ما اقتنع به. السيد مهدي جمعة ليست له خبرة طويلة في السياسة ولا معرفة قديمة بالواقع التونسي وكوادره ، ما قد يجعله عرضة لاتخاذ قرارات غير صائبة واختيارات غير مناسبة بسبب تزكيات زائفة وغير بريئة أومفروضة تماما (مثلما سمعنا في الصحة أو النقل أو السياحة على سبيل المثال لا الحصر). وأخشى ما أخشاه أن يصبح رقما سهلا في أيدي البعض الذين لم يرشحهم أحد لحكم البلاد والذين هم مصرّون على حكمها بالوكالة ، حيث انه بدأت تظهر على السيد مهدي جمعة علامات ضعف أمام الضغوط والتهديدات وقلّة صمود أمام الابتزاز. ما تعليقك على التسريبات المتنوعة حول التركيبة الحكومية الجديدة؟ لقد سمعت عن البعض منها وعن طريقة الاستشارة التي يتّخذها السيد رئيس الحكومة المقبل وصراحة انزعجت شديد الانزعاج . حتّى أنني اعتقدت أن دولتنا وبعد أن ظننّا أنّها وصلت إلى القاع سوف «تبمبي»(مثل الكرة) وتعاود طريقها نحو المنحدر مجدّدا لو صدقت أخبار التسميات المرتقبة . من جهة أخرى أن تشترط أقلّية استبعاد أي وزير مستقل عمل في حكومة العريض وإن كان كفءا لا يستجيب للمصلحة والجدوى الاقتصادية وإنّما يسبّق الأحقاد الإيديولوجية ويهدف «سرّا» إلى التسوية في أذهان التونسيين بين أعضاء حكومة منبثقة عن انتخابات ديمقراطية وأعضاء حكومة دكتاتورية مسقطة على الشعب . فكيف نفسّر الاستغناء عن بعض الكفاءات التي أثبتت قدرتها في وزارات تقنية (التجهيز ، تكنولوجيا الاتصال ، السياحة كأمثلة فقط) لتعويضها بآخرين سيأخذون الفترة الانتقالية بأكملها لبداية الاستقرار و«الانتاج» . وهل تعلمون كم كلفة ذلك ؟ هل الشرط الأول اليوم هو الكفاءة التي طالما وقع لوم «النهضة» على افتقادها أم شيء آخر ؟ لا أفهم هنا مثلا نزول السيد رئيس الحكومة عند رغبة وتهديد «الجبهة الشعبية» بعد أن عبر عن عزمه ابقاء بعض الوزراء المستقلين الناجحين في وزاراتهم (وصرّح أن الحكومة ستكون حكومته واختياره...). هل التغيير غاية في حد ذاته فقط لإرضاء الضغائن والأحقاد الإيديولوجية أم أن الأولوية لاستقرار واستمرار القطاعات الحيوية للبلاد وفك الأزمة السياسية بإخراج الوزراء المنتمين لأحزاب سياسية؟ نكاد نفقد البوصلة ... هل ترى في تعيين مهدي جمعة ترضية ل «السواحلية»؟ لا أعتقد ذلك ولست أدري إن كان السيد مهدي جمعة ممثلا للسواحلية الذين يتبنون هذا الطرح. ولكني أنا شخصيا ضدّ التحليل الجهوي أساسا من أي جهة صدر . ألا ترى فيها ظاهرة صحية بعد أن كانت الحكومات حكرا على القصر والحاشية؟ تكون ظاهرة صحية لو رأينا في مناقشتها منطقا يرتكز على الكفاءة أولا والقدرة على القيادة ثانيا والخبرة ثالثا. ولكنها ليست ظاهرة صحية لو بقينا نعتقد أنه يكفي أن يكون الشخص صديق فلان أوأن يكون مقترحا من جهة الضغط الفولانية حتى يعين وزيرا وهذا ما أخشاه بعد الإطلاع على بعض الأسماء المرشحة. ولا يفوتني هنا أن أصحّح : لست موافقا على ما جاء في السؤال ، حيث أن بن علي كان يأتي بأحسن كفاءات البلاد (ما لم يكن معارضا عنيدا) ويستخدمها ويدخلها الى «التجمّع» إن لم تكن منخرطة فيه من قبل (عدا بعض الاستثناءات). وكان يطالبها بالنتائج ويتابعها عبر مستشاريه. لا أعتقد أنه كانت هناك «حاشية» محدودة ومقصورة عليها المناصب ، فقط كان مطلوبا «الانسجام والولاء» . هل يمكن للعباسي (أمين عام الإتحاد العام التونسي للشغل) ان يلعب دورا سياسيا؟ العباسي وقع انتخابه على رأس المنظمة الشغيلة وهو إذن بالتأكيد جدير بهذا الموقع ، ولكنه لم يقدم نفسه للشعب للقيام بدور سياسي أو قيادي للبلاد ، ولكلّ وظيفة شروطها ومقتضياتها المختلفة عن الأخرى. فعلى هذا المحك يمكن أن نجزم وليس على غيره. وأنا من وجهة نظري لا أعتبره قادرا وكفءا للعب مثل هذا الدور ولن أصوّت له لو تقدّم حيث لا أشاطره توجّهاته السياسية . ولكنه اليوم اقتحم هذا الميدان بالقوة ولم توصله إليه الإرادة الشعبية. وهذا عموما ما تقوم به قيادات اتحاد الشغل منذ يوم 14 جانفي 2011 ، مستغلّة حالة الضعف التي أصابت الدولة لتنقضّ عليها. ولا تعتمد هذه القيادات لتحقيق ذلك سوى على قدرتها على التعطيل والعنف وتهديد وتخريب الإقتصاد بالإضرابات وافتعال الاحتجاجات والاضطرابات. وهذا ما يكرّس من يوم لآخر في بلادنا سيادة منطق العنف للتأثير في شؤون السياسة عوض منطق العقل والبناء والحجّة والكفاءة. وهو مسار خطير جدّا على مجتمع يطمح لبناء ديمقراطية حقيقية ترتكز على الآليات المتعارف عليها وليس على استضعاف الدولة واستعمال الشغيلة في غير المحل الأصلي وتسليط سيف على رأس الاقتصاد الوطني والمراكز الحيوية يحرّك كلّما أريد ابتزاز الحكّام سياسيا . كيف هي علاقتك بمنار الاسكندراني الذي يلوح ببعث حزب إسلامي؟ تعرّفت على السيد منار الاسكندراني السنة الفارطة وتلاقيت معه في فرصتين. حدّثني عن مشروعه ولم أشعر أنه كان يتحدث عن حزب اسلامي. مع العلم أنني لم أعد أؤمن بأحزاب سياسية تعطي لنفسها صفة «الإسلامية» فيقع الخلط بينها وبين الإسلام أو ممارسة الشعائر الدينية وقد تتحوّل حتى إلى مذهب ويصبح الخروج عنه ردّة. إذا كان الحزب حزبا سياسيا بالأساس ، يمكن أن يضمّن برامجه ما يعتقده هو وحسب نظرته الخاصة خدمة للإسلام بطريقته واجتهاده البشري ، وعلى الشعب أن يحكم على البرامج بين عدة أحزاب ذات مرجعية اسلامية وأحزاب أخرى يسارية أو ليبرالية أو علمانية إلخ ما موقفك كطبيب من رفض زملائك العمل في المناطق الداخلية؟ كل تغيير يجابه بالرفض أوّلا ، وهذا في طبيعة البشر ، خاصة إذا كان يتضمّن إكراها ولم تسبقه حملة تفسير. أضف إلى ذلك أن عدد السنوات المقترحة في مشروع القانون (3) وهي كثيرة في رأيي وأضيف أخيرا الجو العام في البلاد الملائم للرفض والاحتجاج أوّلا . ولكن مع مرور الأيام سيّست القضية وخرجت تماما عن سياقها ولم تعد تستجيب للمنطق والعقل ، وتحوّل الرهان إلى معركة كسر عظام (خاصّة أنّ «منازلة النهضة» باتت رياضة وطنية) ولا علاقة مع مصلحة المواطن المريض وحقه في العلاج . وتجدر الإشارة الىأنه ليس كل الأطبّاء مساندين للموقف المتصلّب الذي يرفض أي رجوع للعمل قبل سحب المشروع من المجلس ، ولكن التيار اليوم في بلدنا في صف المزايدة والتصعيد والذي يصرخ ويزايد أكثر، ممّا يجعل أصحاب الآراء المخالفة لا يدلون بها لتجنّب المواجهة . ولكن يجدر كذلك التذكير بأن الخدمات الاستعجالية مؤمّنة ، ولكن الحمل ثقل على أطباء هذا القطاع وانخفض مستوى الخدمات الصحية في المستشفيات الجامعية عموما. أنا أعتقد أنه ينبغي الرجوع لبداية الطريق والاتفاق على المبادئ الأساسية : 1 - مواطنو المناطق الداخلية لهم الحق في علاج ذي جودة ولن نستورد لهم اطبّاء الاختصاص من الخارج . 2 - يجب أن يتذكّر كل التونسيين - ومن بينهم الأطباء - أن المواطن له حقوق على وطنه وأن المجموعة الوطنية التي صرفت الأموال على تكوينه لها حقوق عليه وأنّ عليه واجبات المواطنة والتضحية . 3 - على السّلطات واجب توفير الأمن لموظّفيها عند القيام بوظائفهم، ومن بينهم الأطبّاء 4 - هناك سلطة تشريعية تشرّع لوطن كامل ولمجموع المواطنين لا يجوز التصلّب معها في المواقف واللجوء إلى سياسة ليّ الذراع والاكراه والاذلال . الحوار والتفاوض الذي يعني الأخذ والرد والنظر للقضايا من جميع زواياها والبحث المشترك على الحلول الوسط وليس اصدار مواقف تعجيزية نهائية وشروط مسبّقة غير قابلة للنقاش. آمل أن يبرز الآن صوت العقل لصون حقوق المرضى وصورة الأطبّاء ورسالتهم النبيلة وأن يعي بالمناسبة شبابنا جميعهم (وليس الأطبّاء فقط) أن عليهم تجاه وطنهم واجبات ، وهو ما يبدو أن الغالبية نسيته في غمرة «الحرّية الوافدة فجأة» ولا يتذكّرون إلاّ الحقوق ، الآن وليس غدا ، وأنا قبل غيري، وإلاّ هشَّمت الملك المشترك. هل مازال التوتر مميزا لعلاقتك بزميلك الوزير عبد اللطيف المكي؟ السيد عبد اللطيف المكي زميلي ورفيق النضال سابقا في اتحاد الطلبة (المقصود الإتحاد العام التونسي للطلبة الجناح الطلابي لحركة «النهضة» )، وهو في موقع الحكم اليوم يحشر الاعتبارات الشخصية في قراراته . لقد قلت عنه منذ ما يقارب السنة والنصف أنه مشروع دكتاتور، وقد أثبتت الأحداث والأزمات للمتتبّعين أنه بالفعل كذلك. وعلى كل حال بعد بضعة أيام سيصبح السيد عبد اللطيف المكي طبيبا موظفا بوزارة الصحة العمومية من بين عشرات الآلاف وسيلتقي زملاءه والأساتذة وكل من استعلى عليهم وتلكّأ في مقابلتهم وتركهم ينتظرون ساعات أمام مكتبه. وربما يعي آنذاك أن السلطة لا تدوم لأحد ولا داعي للاغترار بها. وهو على كل حال في الأزمة الأخيرة يجني ما زرعه من تكبّر وغرور جعل القطاع يضيق به ذرعا ويرد له الصاع صاعين. هل تعتقد أنه سيباشر مهامه طبيبا في الصحة العمومية بعد أن كان وزيرا؟ حقيقة لست أدري في أي خطة انتدب نفسه في إطار قانون العفو العام (وهذا حقّه المشروع) . ولكن ربّما تكون فرصة له ليكون قدوة وينير الطريق بالذهاب للعمل في المناطق المحرومة (ولو أنه غير مختص) ولو لمدّة سنة حتى يتعرّف على واقع قطاع الصحة على الميدان وبالممارسة. ما هي الوصفة المناسبة لعلاج قطاع الصحة؟ ليست هناك وصفة سحرية لعلاج قطاع الصحة في تونس. نحن بلد امكانياته محدودة ينبغي أن نضع نصب أعيننا الأهداف على مستوى الوطن والنظر في واقعنا والتعرف على الإشكاليات ومن بينها الإغراءات المادية للأطباء وطموحاتهم والفوارق بين رواتب الأطباء في القطاع العام وفي القطاع الخاص وجاذبية هذا القطاع وما يمكن فعله للتقليل من نسبة «الإنحدار» التي سرّعت من فرار الأطباء إلى القطاع الخاص. ولكن يجب كذلك أن ننظر إلى وضعية التنمية الشاملة في المناطق الداخلية وكذلك العقليات والفساد المستشري في الميدان الصحي ومنسوب العنف في بعض المناطق ، التي هي عوامل بذاتها تسرع من فرار الأطباء من هناك . والعديد من العوامل الأخرى حتى تكون خلاصة الإصلاح واقعية وناجعة. إنها «حضيرة وطنية ضخمة». ألن تطالب بتعويضات صندوق الكرامة؟ (يضحك) هذه مزحة. أنا لم أكن ضحية للإستبداد ودوري أن أساهم بما أقدر في تمويل هذا الصندوق وليس للمطالبة بتعويضات منه. هل حضرت ذكرى 18 جانفي في سوسة بإشراف قائد السبسي؟ لا، لم أحضر هذه الذكرى حيث لا علاقة لي بها ولا بحزب الدستور ولا ب «نداء تونس». لماذا تغيبت الحركة الدستورية التي يتزعمها والدك (الدكتور حامد القروي) عن الحدث؟ لا علم لي بذلك ولم أتابع هذا الحدث. ألا تعني لك المناسبة شيئا؟ لا شيء. هي مرتبطة بشخص الزعيم بورقيبة وبكتابة تاريخ الحركة الوطنية من طرف المنتصر . وبالنسبة لي بورقيبة أحد رموز هذه الحركة له ما له وعليه ما عليه ، ولست من المعجبين به أوبفكره . مع الاعتراف بإنجازاته وصحّة جزء من توجّهاته وقت حكمه ، وعدم التغافل عن جرائمه ضد الكثير من معارضيه وبأخطائه في جزء من خياراته التي عادت علينا بنتائج سلبية نعاني منها إلى اليوم . وهكذا كل عمل بشري يؤخذ ويرد عليه (إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، لا نؤلّه ولا نشيطن. هل تغيب كمال مرجان عن تظاهرة 18 جانفي بتوصية من حامد القروي؟ أنا لا أواكب نشاط والدي ومواقفه السياسية ولكن لا أستبعد مثل هذا الموقف حيث أعلم استنكاره تبجّح السيد الباجي قائد السبسي بقوله «أنا وضعت عشرة من الدساترة في السجن وهم ماذا فعلوا؟» متحدّثا عن حزب «النهضة» في الحكم. وكذلك قوله أن «حزب الدستور مات ولن يعود»، حين كان في الحكم في المرحلة الانتقالية .