تسبيق لقمة العيش على الديمقراطية محاولة للعودة الى الوراء شعبنا جرّب الاستبداد وفشل وعليه ان يجرّب الديمقراطية «التحالف الديمقراطي» مع فتح تحقيق مستقل في هروب «أبي عياض» من غير المعقول ان يصبح لنقابات الأمن دور سياسي حوار: أسماء وهاجر تحصّل فراس جبلون على الدكتوراه في الإعلامية والهندسة الكهربائية من جامعة ماكغيل McGill في مونتريال بكندا سنة 2004 ثم استقر ببريطانيا ليعمل في القطاع البنكي كمهندس مالية وإعلامية. خلال العشرين سنة التي قضاها في الخارج نشط في عدة جمعيات ومنظمات تدعم القضية الفلسطينية وانضمّ سنة 2005 للحزب الديمقراطي التقدمي الذي أصبح عضوا في لجنته المركزية بعد الثورة. وفي أفريل 2012 انسحب منه مع مجموعة التيار الإصلاحي ليساهم لاحقا في نوفمبر 2012 في تأسيس حزب «التحالف الديمقراطي»، الذي هو حاليا عضو في مكتبه السياسي. منذ سبتمبر 2013 عاد ليستقر نهائيا في تونس ..... «التونسية» التقته في حوار تطرق إلى حالة الاحباط التي بات يعيشها جانب هام من التونسيين ازاء اداء النخبة السياسية بالبلاد بعد ان اصبحوا يشعرون ان قضية اهل السياسة هي بالأساس قضية سلطة -رغم الدستور الذي ابهر العالم-الى جانب حنين البعض الى عهد بن علي وحقيقة ما يروج عن «التحالف» بانه حزب يبحث عن مكان بين «النهضة» و«النداء» وانه لا لون له ولا رائحة ولا طعم ... اضافة الى موقفه من الحملة المطالبة بحل النقابات الامنية ومن الفساد الذي استفحل بعد الثورة وغيرها من المواضيع الأخرى . يرى البعض أن الدستور في نظر الحكّام الحاليين والقادمين هو مجرّد أداة لإضفاء الشرعية على حكمهم، وليس أداة لتحقيق الأهداف التي تضمّنها، أو للاستجابة لتطلّعات الشعب و أن المواطن أصبح يشعر اليوم بأن القضيّة هي قضيةّ سلطة، وليست قضيّة شعب أو وطن، فما رأيك ؟ … إن أردنا أن نكون موضوعيين فتقنيا الدستور وجد فعلا ليضفي شرعية على الحكم. وإن أردنا أن نكون واقعيين، علينا أن نعي أنه في كل مكان في الأرض وفي كل زمان سيكون هناك صراع أو على الأقل تنافس على السلطة. هذا واقع وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ولا جدوى في إيهام شعبنا بغير ذلك بل يجب تذكيره أن هناك فعلا انتهازيين يسعون إلى السلطة لتحقيق مصالحهم وأطماعهم على حساب مصالح الشعب والوطن وأن عليه أن يبقى متيقظا ومتحفزا كي يحمي بلاده ويضعها على المسار الصحيح هذا من ناحية. من ناحية أخرى السلطة ليست شرا في حد ذاتها بل هي خير وغيابها يفضي إلى الفراغ والفوضى والدمار كما نرى في بعض البلدان الشقيقة. والأحزاب السياسية وجدت كي تسعى الى السلطة حتى تتبوأ الموقع الذي يمكنها من تنفيذ برامجها ورؤاها التي من خلالها تحقق مصلحة المواطن والوطن. أي حزب سياسي يدعي غير هذا ويعلن أنه يترفع عن السلطة ولا يسعى إليها هو إما ينافق أو لم يفهم الفرق بين الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني. مع الأسف هذه الصورة النمطية للسياسة والسياسيين أصبح يروج لها كثيرا والسياسيون يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية في هذا بسبب أدائهم الذي لم يرتق بعد إلى مستوى انتظارات الشعب لكن علينا أيضاً أن نعي أن فقدان الشعب ثقته في الطبقة السياسية برمتها هو خطير على مستقبل البلاد واستقلالها لأن البلدان يسوسها السياسيون فإن لم يكونوا من أبناء ذلك البلد كانوا من خارجها! هل تعتقد أن الشعب أسقط بن علي من أجل التنمية أم من أجل دستور صار «علكة كل السياسيين» بدعوى انه يبهر العالم؟ الشعب التونسي أسقط بن علي لعدة أسباب.... أسقطه بسبب غياب التنمية وبسبب البطالة وغلاء المعيشة. وأسقطه من أجل محاربة الفساد وأسقطه أيضاً من أجل الحرية والكرامة والعدل والديمقراطية,الشعب أسقط بن علي من أجل التنمية. وأسقطه أيضاً من أجل الدستور لا تناقض بين الإثنين ولا عيب في أن نفتخر بأن ذلك الدستور أبهر العالم لأن ذلك يعطي شحنات إيجابية تتصدى لشحنات الإحباط السلبية وتقوي الشعور بالإنتماء لهذا الوطن فيزيد العطاء ويتقدم البناء. هدف كل شعوب العالم الأساسي هو التنمية لتحقيق العيش الكريم والشعب التونسي لن يكون الاستثناء. لكن دور النخب والمثقفين والسياسيين أن يبرزوا لشعوبهم أن الدستور الذي يؤسس للديمقراطية والحرية والعدالة والدولة المدنية يعطينا أنجع الأدوات لتحقيق تلك التنمية وبناء الدولة العصرية التي يحلو فيها العيش. مع الأسف كثيرون أصبحوا يعتبرون الدستور ثانويا أمام المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت فيها حكومتا «الترويكا» لكن لا يجب أن ننسى أن ذلك الدستور هو الأساس الذي سنبني عليه الدولة الجديدة، دولة ديمقراطية تقطع مع أساليب الماضي. الشعب التونسي جرب الاستبداد وجنى الفشل. عليه اليوم أن يجرب الديمقراطية وأن ينظر حوله ليرى أن أغلب الشعوب الناجحة وخاصة تلك التي ليس لها موارد طبيعية، نجحت بفضل نظام ديمقراطي يحترم الإنسان ويعطيه كل حقوقه ويضمن له كرامته حتى يبدع ويجتهد ويتطور. التقليل من أهمية الدستور وإيهامنا أن الشعب التونسي ليس أهلا للديمقراطية والتأكيد أن لقمة العيش هي أولوية الأولويات ولو على حساب المبادئ كل هذا لا يبني مستقبلا أفضل بل هو محاولة لإرجاعنا إلى الماضي الذي ثرنا عليه في حين أن العقلية التي نحتاجها اليوم هي أننا حتى إن جعنا فنحن لن نركع. ما موقفك والشعب التونسي يرزح تحت ويلات الإرهاب والسياسيون منهمكون في مسالة الجمع أم الفصل بين الانتخابات ؟ الإرهاب خطر داهم علينا أن نتصدى له بوضع استراتيجية متكاملة للقضاء عليه تكون ذات أبعاد أمنية وثقافية واقتصادية وسياسية. لكن هذا الخطر الآني لا يجب أن يكون مطية للتسرع في قرارات استراتيجية قد تكون مصيرية في تحديد مستقبل تونس. ومسألة الانتخابات هي إحدى هذه القرارات التي قد تشكل مفترق طرق قد تؤدي بنا إلى ديمقراطية تعددية حقيقية وقد تؤدي بنا إلى استقطاب ثنائي يؤجج الصراع والاحتقان السياسي الذي يمكن أن يعيد انتاج منظومة استبدادية جديدة أو لا قدر الله إلى تصادم وحرب أهلية. كما قلت في السؤال الأول، أكيد هناك من يبحث فقط عن مصلحته الخاصة لكن أكيد أيضاً أن هناك من يبحث عن مصلحة البلاد وإنجاح الانتقال الديمقراطي. ونحن في «التحالف الديمقراطي» مثلا نرى أن التزامن بين الرئاسية والتشريعية لا يخدم الانتقال الديمقراطي لأنه لا يمكن الناخب من مراجعة نفسه وتصحيح خياره ليخلق التوازن المرجو بين الحكومة والرئاسة. ما تعليقكم على من يعتبر أن حزبكم لا لون له ولا طعم ولا رائحة وأنه يحاول أن يجد مكانا بين «النداء» و«النهضة» ويستفيد من خلال رصانة شخصية امينه العام الحامدي مقارنة ببعض الوجوه الأخرى؟ نحن واعون أن لنا نقائص على مستوى الإعلام والتواصل سمحت أحيانا بترويج صورة خاطئة عنا أو نتج عنها تقصير في إبراز مواقفنا للرأي العام. فمن يرى انه لا لون ل «التحالف» هو في الواقع لا يرى من الألوان غير لونين اثنين يمثلهما طرفا الاستقطاب «النهضة» و«نداء تونس» وبالتالي يصبح لا لون له وكل حزب يرفض هذا الاصطفاف. فعلى العكس من هذه الصورة النمطية لون التحالف الديمقراطي واضح ومواقفه المبدئية لا تتغير حتى أنه غالبا ما يمكن التكهن بردود فعله والمواقف التي سيتخذها. فمثلا في الأزمة السياسية الخطيرة التي تلت اغتيال الشهيد محمد البراهمي رحمه الله حزبنا أبرز لونه منذ البداية وكانت مبادرتنا التي مثلت الأرضية التي انبثقت عنها مبادرة الرباعي والحوار الوطني. أحزاب أخرى اختارت الصدام والتجييش والرفع من سقف المطالب لتحسين ظروف التفاوض كما يقولون في حين أن التحالف رفض هذا الأسلوب لأنه يقسم المجتمع ويعرض استقرار البلاد للخطر. ونحن لا نبحث عن موقع بين «النهضة» و«النداء» بل نبحث عن موقعنا الذي يعكس مبادئنا ورؤانا لأن مشروعنا لم يأت ليهدم مشروعا آخر أو ينفيه بدليل أن مواقفنا أحيانا التقت مع «نداء تونس» وأحيانا أخرى مع «النهضة» ولم يكن لنا أي مشكل مع ذلك ولم نغير مواقفنا فقط لنتمايز عن تلك الأحزاب. نحن واعون بنقائصنا الإعلامية ونعمل باستمرار على تداركها وتطوير أدائنا وفق معايير عصرية أكثر نجاعة وإن شاء الله سننجح في إبراز صورة أفضل وأوضح عن حزبنا الذي يزخر بالطاقات الشابة وأيضاً من ذوي الخبرة وليس فقط الوجوه الإعلامية التي تعود عليها الرأي العام. مع من ستتحالفون في الانتخابات ؟ هناك مشاورات ومفاوضات متواصلة منذ مدة مع عديد الأحزاب أحيانا بنسق بطيء وأحيانا بنسق أسرع. نحن واعون أن مصلحة تونس تقتضي أن يتوحد أكبر عدد من الأحزاب في جبهات انتخابية واحدة لكن لا يجب أن تصبح التحالفات هدفا في حد ذاتها لأنها بتلك الطريقة تؤدي إلى تحالفات هشة قد تصبح مشكلا بدل أن تكون الحل. بالنسبة لنا أهم شيء هو أن تبنى هذه التحالفات على أرضية واضحة ووفق برامج ورؤى مشتركة تقدم حلولا لمشاكل التونسيين أي لا تكون أرضية التلاقي التصدي لمشروع آخر لأن ذلك يؤدي إلى تحالفات هشة وغير متماسكة كما حصل مع «جبهة الإنقاذ» أو «الاتحاد من أجل تونس». فالمهم ليس تجميع أكبر عدد من الأحزاب فقط حتى تكون هناك «لمة»، بل المهم هو تجميع أكبر عدد من السياسيين، أحزابا وأفرادا، في كيان واحد هويته متناسقة وواضحة ويلبي انتظارات أكبر عدد من التونسيين. بماذا ستعدون الشعب من خلال برنامجكم الاقتصادي والاجتماعي ؟عمليا هل لحزبكم صدى بين الجهات؟ «التحالف الديمقراطي» هو حزب يتبنى التمشي الديمقراطي الاجتماعي وبالتالي هو منحاز أساسا للطبقات الضعيفة والمتوسطة دون أن يمس من روح المبادرة الاقتصادية أو يكبلها. أي هو يسعى إلى توفير النجاعة اللازمة لخلق الثروة ثم يوفر الآليات الضرورية لتوزيع تلك الثروة بعدل على الجهات والفئات عبر سياسة جبائية عادلة وعصرية وتوزيع متكافئ للمشاريع التنموية. لذلك ف «التحالف» لن يتخلى عن دور الدولة في مجالات استراتيجية كالصحة والتعليم لأن ذلك يضمن تكافؤ الفرص، وسيعمل على تطوير البنية التحتية لفك العزلة عن المناطق الداخلية وسيراهن على اقتصاد المعرفة والتسريع بتعميم استعمال التكنولوجيا المتطورة خاصة في الإدارة بما يضمن تطوير جودة الخدمات والنجاعة وأيضا لمحاربة الفساد. في الإبان سنقدم برنامجا متكاملا يعكس هذه الخطوط العريضة ويقدم حلولا جديدة ومختلفة لمشاكل التونسيين المتراكمة حتى لا نكرر خطأ حكومات ما بعد الثورة التي واصلت على نفس منوال التنمية السابق وواصلت نفس البرامج فكرست نفس الفشل وأغرقت البلاد في الديون. «التحالف الديمقراطي» اليوم موجود في كل جهات الجمهورية تقريبا ولو بتفاوت نسبي من جهة لأخرى وعدد المنخرطين يزيد كل يوم ونحن نعمل على تنظيم أنفسنا بطريقة عصرية حتى نتمكن من الاستفادة من هذه الطاقات التي وثقت فينا وانضمت إلينا. هل «التحالف الديمقراطي» مع فكرة حل النقابات الأمنية بعد الحملة التي تعرضت لها ؟ الأمنيون هم في آخر المطاف موظفون من حقهم أن يكون لهم هيكل يدافع عن مصالحهم وحقوقهم المهنية لكن المشكل هو في عدم وضوح دور هذه النقابات والقانون الذي ينظمها. فالأمن هو سلك حساس خاصة في هذه الظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها البلاد لذلك من غير المعقول بل من الخطير، لأنه يجرنا إلى متاهات نظريات المؤامرة والشبهات، أن يصبح لهذه النقابات دور سياسي فتدخل مثلا في سجال مع أطراف سياسية ببيانات أو بتصريحات وتصريحات مضادة. نحن مع الإبقاء على هذه النقابات لكن مع تقنينها وتحديد دورها وصلاحياتها بوضوح. خرجنا من الحكومة وليس من الحكم ... هل يمكن القول أن ما قاله الغنوشي تحقق خاصة في ظل بطء مراجعة التعيينات؟ لا أعتقد أن تصريح الغنوشي يحتاج أن نحمله أكثر مما يحتمل لأني أعتقد أن غاية ما قاله أساسا هو «تصبير» أنصاره وقواعد حزبه أي هو مجرد تصريح للتسويق الداخلي لا يحتمل أية تأويلات سياسية أو مؤامراتية إن صحت العبارة. أما عن التعيينات ففعلا هناك تباطؤ من الحكومة في هذا المجال قد يكون راجعا لانغماسها في إصلاحات ليست من صلاحياتها بدل التركيز على خارطة الطريق والتحضير لانتخابات حرة ونزيهة عبر عدة إجراءات إحداها هي مراجعة التعيينات. هل تعتقد أن التونسيين بعد ظهور ملفات فساد اثر الثورة يأملون في حكومات نزيهة وهل تعتقد انه لو فاز حزب التحالف يمكن أن يعطي هذا الأمل ؟ مع الأسف هناك انطباع عام أن الفساد زاد عن ذي قبل في حين أننا كنا نتوقع العكس بعد ثورة أحد أسباب قيامها هو استشراء الفساد. والسبب في ذلك هو تقاعس حكومات الترويكا أساسا حتى أن هناك مخاوف من ان تكون تلك الحكومات نفسها متورطة في الفساد مثل قضية «شيراتون غايت» لوزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام. في «التحالف الديمقراطي» نعتبر أن محاربة الفساد هو أحد أهم الأولويات إن لم يكن أهمها لما له من تأثير مباشر على تكافؤ الفرص وموارد الدولة وحماية ثروات البلاد الخ ولذلك نحتاج خطة متكاملة وقابلة للتحقيق توفق بين النجاعة والتدرج دون السقوط في الشعبوية والتجييش على حساب تحقيق نتائج فعلية في هذه المعركة الصعبة لكن غير المستحيلة. «التحالف» أو غيره يمكن أن يقدم وعودا بتشكيل حكومة نزيهة إن هو فاز في الانتخابات لكن المهم بالنسبة للمواطن هو أن توجد المؤسسات والقوانين والهيئات الرقابية التي تحمي الدولة من الفساد بقطع النظر عن النوايا الطيبة للحاكم لأن النوايا الطيبة على أهميتها تبقى مطلوبة لكنها غير كافية. ما هو موقف «التحالف» من الأمن الموازي ومن تورط قيادات في تهريب «ابو عياض»؟ في «التحالف الديمقراطي» لا نريد أن نلقي التهم جزافا خاصة حين يتعلق الأمر بالأمن القومي وسمعة الجهاز الأمني. صحيح هناك عديد نقاط الاستفهام خاصة بعد التصريحات الأخيرة في خصوص أبي عياض وصحيح أن حكومتي «الترويكا» تعاملتا مع ملف الإرهاب بكثير من التخاذل واللا مبالاة حتى بدا وكأنه تواطؤ لذلك نرى ضرورة فتح تحقيق مستقل في هذا الموضوع لوضع النقاط على الحروف لكن من الخطإ القيام بتصريحات في هذا الاتجاه أو ذاك قبل توضح الصورة فنزيد في تعقيد الأمر بدل حله. ملف الأمن ووزارة الداخلية موضوع شائك بحكم الطابع البوليسي الذي كان سائدا في دولة الاستبداد وبحكم التحديات والمخاطر الأمنية التي تواجهها بلادنا اليوم من الداخل والخارج. لذلك يجب البدء في الإصلاحات اللازمة لهذا الملف بكل حرفية وبعيدا عن العاطفة والشعبوية والأحكام المسبقة. هذه الإصلاحات، التي تأخرت كثيرا، تمثل أحد العناوين الكبرى لفشل حكومتي «الترويكا» في إدارة المرحلة السابقة. هناك من ندم على الثورة وبدأ يتحسر على النظام السابق ويتمنى رجوعه. ما رأيك؟ فعلا هناك من أصبح يفكر بهذه الطريقة وهذا مؤسف حقاً لكنه مفهوم ونتيجة طبيعية لاخفاقات «الترويكا» في الحكم. فالإحباط والخوف من المستقبل يجعل الناس يحنون للماضي. لكن يجب أن نعي جميعا أن الثورة لم تكن خيارا أو قرارا اتخذه الشعب التونسي حتى يندم عليه اليوم. فالثورة جاءت نتيجة تراكمات لسياسات فاشلة للنظام السابق على كل المستويات تقريبا، اقتصادية وثقافية وسياسية. ذلك الفشل أوصل النظام السابق إلى درجة من الفساد والعفن لا يستطيع معها إلا أن ينهار والمسألة كانت فقط مسألة وقت فإن لم يسقط في 14 جانفي 2011 لكان قد سقط بعد شهر أو ستة أشهر أو سنة أو سنتين وكلما طال الأجل زاد العفن وكان الإنهيار كارثيا أكثر على تونس. وحتى إخفاقات ما بعد الثورة هي في جانب كبير منها نتيجة سياسات النظام التجمعي وسياسة التصحر الثقافي والسياسي والإقصاء التي انتهجها فمنعت بروز طبقة سياسية واسعة لها من الحنكة والتجربة ما يمكنها من قيادة البلاد باقتدار. أخيرا أقول إن مثلنا كمثل رجل صاحب مشروع صغير، مطعم مثلا، عين فيه من ينوبه في إدارته لأنه لا يستطيع القيام بذلك بنفسه. بعد مدة اكتشف أنه يسرقه ويضع جل الأرباح في جيبه ويعطيه الفتات. فطرده شر طردة، ومن هول الصدمة، عين بدلا عنه جاره فقط لأنه طيب وأمين ومن الثقات، أو هكذا تصور. بعد مدة قصيرة جداً، ساء حال المطعم وأصبح متسخا وهجره الحرفاء ولم يعد يدر شيئا يذكر حتى أشرف على الإفلاس وكاد الرجل أن يموت جوعا. وتبين له، بعد فوات الأوان، أن من عينه دون تدقيق في خصاله، كان فاقدا للخبرة والكفاءة وفشل فشلا ذريعا في إدارة المطعم ولم تفده «طيبته» في شيء بل اكتشف أنه هو الآخر لم يكن أمينا جداً. فماذا يفعل؟ هل يندم شديد الندم أنه طرد من كان يسرقه فيعيده لمنصبه عله يصلح ما فسد ويعود ليرمي له الفتات كما في السابق؟ أم يبحث عن شخص آخر تجتمع فيه النزاهة والكفاءة ويدقق في خصاله جيدا قبل تعيينه؟ هل مازال حلم الكرامة والحرية قائما؟ الحلم ضرورة للشعوب كي تتقدم والإنجازات العظيمة تبدأ دائماً بحلم. وحلم تونس بالحرية والكرامة والديمقراطية وإن بدا بعيد المنال قبل الثورة فهو اليوم قابل للتحقيق رغم كل المشاكل ورغم كل النكسات. من يئس من تحقيق ذلك الحلم هو فقط من كان يظن المهمة سهلة وبالتالي سقف تطلعاته وانتظاراته لم يكن واقعيا. علينا أن ندرك أنه ليس من السهل تدارك سنوات طوال من الاستبداد والتصحر الثقافي والفساد المستشري في كل شيء تقريبا وخاصة في العقليات وليس من السهل تفكيك منظومة سيطرت على كل مفاصل البلاد لمدة طويلة جداً. لو نجحنا بسهولة في تحقيق حلم الحرية والكرامة والديمقراطية فلن نقدر قيمتها وقد نخسرها بنفس السهولة مع أول امتحان. التونسيون اليوم هم بصدد نحت حريتهم على الصخر بأظافرهم وإن نجحنا فبإذن الله لن ينتزعها منا أحد في المستقبل. وتونس لها فعلا كل مقومات النجاح وما على نخبها أساسا إلا أن تجتهد لبعث الأمل في قلوب التونسيين حتى تتواصل عملية الإصلاح والبناء المضنية بوتيرة متصاعدة. الهدف مازال بعيدا لكننا اليوم نرى بعض النور في آخر النفق بعد أن كنا في العتمة تماماً.