لم أكن متحمّسة كثيرا لأكون في احدى قائمات «النهضة» أخلاقيا كان من المفروض الاّ يتجاوز المجلس التأسيسي سنة البلاد لن تمشي مستقبلا بساق واحدة حاورها : عبد السلام لصيلع أكدت الدكتورة سعاد عبد الرّحيم النائبة المستقلّة المحسوبة على حركة «النهضة» في المجلس التأسيسي أنها تستعدّ للخروج من «النهضة» والإلتحاق بحزب سياسي آخر بعد الانتخابات..هذا ما جاء على لسانها في حوار «التونسية» معها في سياق تناولها لقضايا الساعة في تونس. لماذا لم نرك في إحدى قائمات «النهضة» ضمن المترشحين للانتخابات التشريعية؟ عندما ترشّحت في الانتخابات التشريعيّة الأولى للمجلس الوطني التأسيسي قبل ثلاث سنوات، كان واضحا أن ترشحي كان للمساهمة في التأسيس والبناء...ومن الأكيد أن البناء لم يكتمل ونستطيع كلّنا أن نبني معا تونس. أن أكون مستقلّة في مرحلة تأسيسية ولمرّة واحدة يمكن أن يكون هذا مقبولا. أنا لم أنتم إلى حزب حركة «النهضة» فأن أكون مستقلة وعلى رأس إحدى قائماتها من جديد، ربّما هذا يمسّ من بعض الأخلاقيات السياسية. أي أنا أعتقد أن التجربة التي كانت في ثلاث سنوات كافية، لأن أكون محايدة...حافظت على الحياديّة...وأنا فعلا مستقلّة وأدافع عن الرّأي المغاير، بالفعل كنت كذلك. ولكن إذا ترشّحت للمرّة الثانية يجب أن أكون بالفعل مقتنعة بمبادئ الحزب عامّة حتى أكون داخل الحزب وأكون على رأس قائمة. وبالتالي كان اختيارا أن أتمسّك باستقلاليّتي رغم أن السيد رئيس الكتلة في المجلس التأسيسي طلب منّي في أكثر من مناسبة تقديم ترشحي، كما وقع ترشيحي من طرف قيادات أخرى لاختياري ولكنّي لم أكن متحمّسة كثيرا لأن أكون في قائمات حركة «النهضة» بالنّسبة للإنتخابات التشريعية القادمة. وفي ما يخصّ الأحزاب السياسية الأخرى، كذلك مشكورة عديد الأحزاب التي منحتني ثقتها واتّصلت بي وطلبت منّي أن أكون على رئاسة قائماتها وهناك من قالوا لي : نحن مستعدّون لأن ندعمك على رأس قائمة مستقلّة...لكنّي اخترت أن أقوم بخطوة إلى الوراء من أجل أن أتقدّم خطوتين أو أكثر إلى الأمام. هل ستبقين مع «النهضة» أم ستغادرينها إلى حزب آخر؟ إلى حدّ الآن لم تتّضح الرؤية لاختار الحزب الذي سأكون فيه. وأعتقد أني سأكون في حزب سياسي بعد انتهاء مهامي...إن شاء اللّه بعد الانتخابات سأكون في حزب سياسي آخر. هل نستطيع معرفة اسم هذا الحزب؟ لا...نحن كنا أنهينا أشغالنا منذ أيّام...الخطوط العريضة واضحة ولكنّي أعتقد أنّي قريبا سأكون في حزب سياسي. وهل نستطيع القول إنّك دفعت ثمن استقلاليّتك؟ أنا حافظت على الإستقلاليّة والحياديّة ودافعت عن كلّ ما وعدت به مثل مدنيّة الدّولة وإرساء المساواة والتنمية الجهويّة والتميّز للمناطق المحرومة...وكان لنا ذلك وكان لنا دستور حيّته معظم شعوب العالم...وهو دستور راق جدّا بالحقوق الكونيّة وبحقوق الإنسان عامّة . وكل شيء يهون من أجل أن يكون لتونس دستور يرتقي بالمجتمع التونسي ويحافظ على حقوق الإنسان...لن يشتكي فيه الإنسان بعد اليوم من الدكتاتوريّة والتعسّف والتعذيب...صحيح مازالت هناك بعض التّجاوزات لكن المبدأ الأساسي هو دستور يحمي التونسييّن وقد كان لنا ذلك. أنت مستقلة...فما هو وزن المستقلّين في تونس؟ أنا مستقلّة، وكنّا نعتقد أنه لم يكن للمستقلّين وزن كبير، ولكن حين نتأمل قائمات المترشحين اليوم أقول إن تجربتي مع حركة «النهضة» كانت ناجحة وأتت أكلها... لأنّ المتأمل في قائمات الانتخابات التشريعية والرّئاسية اليوم يلاحظ أن الأحزاب السياسية قامت بتطعيم قائماتها الحزبية بوجوه مستقلة...وكذلك رأينا العديد من الشخصيات المستقلّة غير المنتمية تتقدّم إلى الانتخابات الرئاسية. ربما لم تكن هناك «ماكينات» تعمل وراء الشخصية المستقلّة ولكن قد تكون عليها توافقات عامة دون انتماءات أي بلا تصنيف. واليوم أخذت الأحزاب السياسيّة بعين الاعتبار موقف المستقلّين تطلب منهم أن يأتوا معها دون أن ينتموا إليها..وقد شاهدنا رؤساء قائمات مستقلّين داخل أحزاب سياسية الآن...حتى أن هناك أحزابا سياسية عرفت بأنها كانت منغلقة على نفسها وكانت لا تقبل كيف يكون الانسان مستقلاّ في حزب سياسي وكانت تؤمن بمعنى الاستقلاليّة...وكثيرا ما سألوني : كيف أكون مستقلّة في حزب سياسي؟! ولكن هذه السنة اتصلت بي عناصر مستقلة وكأن هناك عزوفا عن العمل السياسي وعن الأحزاب السياسية...وأصبح المواطن التونسي العادي يرى أن الصراع ليس من أجل النهوض بالبلاد وإنما هو صراع من أجل التّموقع بين أحزاب سياسية... وكأنّ عزوفا وقع عن الأحزاب السياسيّة فبرزت صورة المستقلّ ووجد المستقلّون الميدان مناسبا لهم لينشطوا سياسيّا كذلك إلى جانب أحزاب أو بتزكية من أحزاب أو بتدعيم من أحزاب أو كأشخاص أو في منّظمات أو في جمعيات. كيف تقيّمين المشهد السياسي التّونسي الآن؟ المشهد السياسي اليوم هو أكثر توازنا من 2011 لأن الرؤية في 2011 كانت غير واضحة...ولم تكن الأحزاب تعرف حجمها الحقيقي وكانت تهتمّ بصراعات إيديولوجيّة أكثر من اهتمامها بالتّنافس السياسي...في ما بينها. لكن هذه الأحزاب اليوم سواء هي كبيرة أو صغيرة نجدها أكثر نضجا في برامجها وأكثر واقعية في خطابها. في السابق كان هناك خطاب يقسّم التونسيين والتونسيات...وأصبح هذا الخطاب اليوم جامعا أكثر...وقد استفادت الأحزاب من سلبيات المرحلة السابقة وأدركت خطورة تقسيم التونسييّن على البلاد وعليها...وندرك أنّ الخطاب اليوم جامع أكثر ونحسّ أن الجميع اقتنعوا بأننا كلّنا معنيّون ببناء تونس وأنّنا كلنا يد واحدة...أي أن خطاب التشاركيّة هذا كأنه يبشّر بحكومة وحدة وطنيّة لاحقا ليكون هناك ائتلاف أوسع في المرحلة المقبلة حتى لا يتغوّل حزب في تونس على حساب الأحزاب الأخرى وحتى لا يتسلّط أحد في تونس...كلّنا عيون ساهرة لمصلحة البلاد. بالاضافة إلى الإشارات المستقبلية الواردة في كلامك، بصفة أكثر وضوحا كيف تتوقعين المشهد بعد الانتخابات؟ بعد الانتخابات من الأكيد أن حركة «النهضة» ستحافظ على مكانها ربّما بأقلّ من نسبة إنتخابات 2011...وستكون مرفوقة بحزب سياسي آخر ستكون له نسبة قريبة جدا في عدد الأصوات. من هو هذا الحزب؟ أعتقد أنّ «نداء تونس» سيكون في المرتبة الثانية، وستكون هناك أحزاب أخرى قريبة كذلك، ولن تمشي البلاد بساق واحدة مرّة أخرى، ستمشي بساقين...وهذا من شأنه أن يجعل البلاد أكثر استقرارا وأكثر توافقا، وهذا ما يجعل الجميع يشعرون بالمسؤولية عن الشأن العام مع شريك قويّ... أنا مع أن يكون في الحكم حزب قويّ...وقد أثبتت التجربة أن الأحزاب الضعيفة التي ليس لها سند شعبي قويّ تفقد توازنها بسهولة. وأعتقد أنّ الحكومة القادمة ستكون موسعة أكثر، ستشارك فيها العديد من الأحزاب السياسيّة...وهذا سيساعد على دعم الإستقرار في البلاد. إذن أنت تعتبرين أن حكومة ما بعد الانتخابات ستكون مختلفة عن الحكومات السابقة؟ أعتقد أنّها ستكون حكومة وحدة وطنيّة وائتلاف موسّع...فلا ننسى أنّنا مازلنا في مرحلة انتقاليّة وتأسيسية...وهذا يعني أنّ كلّ من يرى في نفسه القدرة على نفع هذه البلاد وعلى القيام بتنميتها وعلى إرساء الخطاب المعتدل المتسامح والجامع بين التونسييّن والتونسيّات سيكون له موقع في الحكومة المقبلة. كيف كانت تجربتك في المجلس التأسيسي؟ في الحقيقة لم تكن تجربة سهلة حيث وقع استهداف صورة النائب، أي استهدافنا جميعا سواء النائب المواظب الذي يحاول دائما أن يقدم ما فيه الخير للبلاد من حيث التشاريع أو من حيث تأسيس الدستور أو من حيث خدمة الناخبين...أو النائب الآخر الذي منعته الظروف وشواغل أخرى من القيام بهذه الوظائف... وقع استهدافنا على كلّ المستويات. كان هذا مؤلما لنا، ولكنّها كانت تجربة أنجزت دستور تونس 2014 ونحن ننسى كل المآسي والمشاكل من أجل مستقبل أفضل للبلاد... كانت التجربة صعبة...كانت كل العيون مركّزة علينا...كان مسلّطا علينا ضغط كبير...لم نكن نعمل في ظروف عادية .... كان الضّغط من كل الأطراف، من ناخبيك ومن معارضيك. فأن تحقق معادلة وتقول إن تونس تسع كلّ الناس، وأنّك توصل فكرة يقبلها غيرك وأن تبني على مواقع الإلتقاء وتبتعد عن مواقع الإختلاف، هذا لم يكن أمرا سهلا. ولكن الحمد للّه تتوّج بانتخابات ناجحة لمجلس نوّاب الشعب تكون شفّافة وديمقراطية مثل انتخابات 2011. الذين استهدفوكم ربّما لأن المجلس التأسيسي تجاوز مدة العام التي تم الاتفاق عليها؟ صحيح...صحيح... أنا من الذين كانوا مع ألاّ يتجاوز المجلس مدّة سنة وقد كان ذلك إلتزاما أخلاقيا ..ولكن بعد السنة لم ننجز...ولكن حجم النّقاشات داخل المجلس التأسيسي كان كبيرا ومرهقا في التعامل مع مشاريع القوانين، أحيانا في فصل واحد نبقى ثلاثة أيام...فحتى حروف الرّبط كانت حولها نقاشات...وكلّ نائب يريد أن يدافع عن فكرته ويسجّل في المداولات ويريد أن يقول : « أنا كنت فاعلا وهذا ما قدّمته» وهذا كلّه خلق نسقا بطيئا جدّا في المجلس...بالإضافة إلى الإستماعات الكبيرة والعديدة جدّا للخبراء وممثلي المجتمع المدني...ووقعت بالفعل تشاركية حتى مع المواطنين والمواطنات، أي مثلما نقول : الدستور «طاب على نار هادية» ولكن هي نار كانت «حامية» خارج أسوار المجلس التأسيسي لكن أخلاقيا كان من المفروض ألاّ يتجاوز عمل المجلس سنة ...أنا لا أبرّر... وأعتقد أننا لو إلتزمنا بسنة لكنّا في أحسن حال. هل ربحت أم خسرت من المجلس ؟ ربحت محبّة الناس...وربحت التجربة التي إكتسبتها وهي تجربة ثمينة جدّا...أنا لست أخصائية في القانون والعميد سي فاضل موسى وسي سمير الطيب قالا لي : « أنت تمكّنت من القانون وأصبحت منافسة للأخصّائيين في القانون» وهي شهادة أعتزّ بها... حاولت أن أخدم القضايا والمشاكل العامّة للناس...وأعتذر للناس الذين لم أوفّق في خدمتهم وفي إنصافهم...ليس تقصيرا ولكن لعدم وجود حلول لمشاكلهم. هل ندمت على هذه الأعوام الثلاثة التي ذهبت من عمرك في المجلس التأسيسي ؟ لا... لم أندم...بالعكس، كانت أعواما ثريّة جدّا وكانت التجربة كبيرة جدا...وكانت الخبرة التي اكتسبتها كبيرة جدا...لمصلحة البلاد...وأنا في اليوم الأوّل الذي دخلت فيه المجلس لست مثل اليوم الأخير الذي خرجت فيه من المجلس. في البداية كنت أكثر تفاؤلا والآن أنا أكثر واقعيّة. لماذا تراخى نوّاب المجلس في التعامل مع قانون مكافحة الإرهاب وبقي معلّقا مع انتهاء أعمال المجلس؟ ربّما نعود إلى هذا القانون بعد الانتخابات وربّما يبقى لمجلس نوّاب الشعب وأنا أقول على مستوى لجنة الحقوق والحرّيات والعلاقات الخارجيّة التي أترأسها لم يكن هناك تراخ...وكنا بدأنا فيه في شهر أفريل الماضي...وأوضّح هنا أن البلاد ليست في فراغ تشريعي...يوجد قانون ساري المفعول وقائم الذّات، وإذا وجد الإرهاب اليوم في البلاد ليس بسبب فراغ تشريعي...هذه مغالطة في أذهان العديد من المواطنين كما أنّ هناك مسؤولين يردّدون مثل هذا الكلام. ولكن لا...القانون الموجود حاليا هو ردعي أكثر...لا يمكن أن نقول إن لدينا إرهابا في البلاد لأن المجلس لم يصادق على القانون...هذا ليس صحيحا...وسيكون القانون الجديد أكثر محافظة على حقوق الانسان وفيه أكثر محافظة على حقوق المتداخلين الذين هم الأمنيّون والقضاة وكلّ المتداخلين في جميع أطراف القضيّة. نحن عملنا على مستوى لجنة الحقوق والحرّيات مدّة أربعة شهور، من نهاية أفريل إلى شهر أوت...مرّ شهر رمضان ومرّ الصيف ونحن في دراسة هذا القانون...عندما بدأنا فيه كان هناك تنافر كبير بين أعضاء اللجنة لمختلف الكتل، وعدّلنا 34 فصلا في القانون المقترح من الحكومة...ويوم المصادقة على القانون برمّته داخل اللّجان تمّت المصادقة عليه بتصفيق الحاضرين لأننا لم نكن نتصوّر أننا سنلتقي في الفصول التي كان يتضمّنها...لأنّ فيه العديد من الفصول المثيرة للجدل...فكلّ واحد يرى عكس الآخر...واحد ينظر فقط إلى الجانب الأمني للبلاد... وواحد ينظر أكثر ويميل الكفّة إلى حقوق الانسان... وواحد يميل أكثر إلى السيادة الوطنيّة على أنّ هذا القانون دولي ويرى أنه لا ينبغي أن نستجيب للإتفاقيات الدّولية، أي لدينا أفكار مختلفة جدّا داخل اللّجنة، ولكن أن نصادق عليه بإجماع الحاضرين كنت أعتقد أنّه سيمرّ بطريقة سلسة جدّا في الجلسة العامة...آنذاك كان هناك تحفّظ لصوت واحد مع إجماع موافقة البقيّة في اللّجنة، ولكن القانون وصل إلى الجلسة العامّة في شهر أوت الماضي عندما بدأ إعداد قائمات الانتخابات. هل نفهم أنّ هناك مماطلة لأسباب سياسية وراء عدم تمرير القانون قبل تعليق أشغال المجلس؟ أنا أعرف أنّه عندما نجلس مع رؤساء الكتل تقول كلّ الأحزاب السياسية على مستوى الخطاب إنها من المدافعين جدّا عن هذا القانون وتقول إنّ القانون من الأولويات وأنه لا بدّ من المصادقة عليه، ولكن بوضوح هذا لم ينعكس في التصويت خلال الجلسة العامّة. وشاهدنا أكبر نسبة تحفّظ في التصويت في هذا القانون...أنا أبرر هذا بعدّة أشياء، الجانب الأول هناك الهاجس النّفسي وكأنّ قانون مكافحة الارهاب فيه اعتداء على الحقوق لأن بعض الفصول فيها تشديد أكثر من المجلة الجزائية، وبالتالي فهو قانون إستثنائي. وهناك آخرون يقولون إنّ هذا قانون «مفروض على تونس ونحن من باب المحافظة على السيادة الوطنية لن نقبل بقانون مفروض على تونس»... وهناك آخرون، ربّما تخوّفا من هذا القانون يعتبرون أنّ بعض الناس حوكموا بقانون الإرهاب ساري المفعول اليوم، جعلهم الهاجس النّفسي لا يصادقون على أي فصل حتى ولو أنه لا يتضمن شيئا.. حتى ولو هو عادي وتقني ...رأينا فصولا تقنيّة وهي تسقط... وتوجد نسبة كبيرة من التّحفّظات، لأن الهاجس النّفسي جعل هؤلاء يخافون من هذا القانون، الأمر الذي تركهم غير مستعدّين للمصادقة عليه ولو أنه أحسن ألف مرّة من القانون الأول لكنه يبقى قانونا لمقاومة الارهاب. وهناك أحزاب أخرى تقول إنّ هذا القانون جاء في المرحلة الأخيرة من أعمال المجلس، وجاء في فصل صيف وسط نوع من التّراخي لدى السّادة النوّاب ، لذلك لم تدرسه الكتل ولم تناقشه ولم تصوّت له، وبالتالي لم ير هذا القانون النّور. ويقول مكتب المجلس إنّ هناك عودة إلى العمل على هذا القانون في 27 أكتوبر ويرى بعض رؤساء الكتل أنّه لا يمكن تمرير قوانين بهذه الأهمية. وبالتالي مازالت الإشكاليّة القانونيّة قائمة الذّات. على كلّ حال نحن في اللّجنة عملنا على هذا القانون ليلا نهارا. وهنا أحيّي أعضاء لجنة الحقوق والحرّيات ولجنة التشريع العام الذين كانوا حاضرين عملنا بكلّ أمانة وصدق وحاولنا تقديمه كقانون المرحلة ولكن كما يقول الشاعر : «ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه». لكنّ الأمنّيين غاضبون بسبب عدم الإستماع إليهم حيث لم يقع تشريكهم في إعداد القانون ماهو رأيك؟ صحيح، أنا أؤيّد كلامهم لم يقع تشريك النقابات الأمنيّة ولكن وقع تشريك وزارة الدّاخلية باعتبار أنهم أمنيّون، وأنا كنت تلقيت تنديداتهم ببعض الفصول وتحدّثت مع أطراف منهم. وهنا أوضح أن الإستماع في اللّجنة إلى من يطلبه كيف يكون؟ إذا طلب أعضاء اللجنة الإستماع فإنّ رئاسة اللجنة تقوم باستدعاء المعني بالأمر بعد إعلام رئيس المجلس. ولكن إذا كان هناك من أرادوا من خارج النوّاب أن يقع الاستماع إليهم عليهم هم أن يتقدّموا بطلب إلى رئاسة المجلس، أي أنّ رئيس اللجنة يقدّم طلب الإستماع إلى رئيس المجلس أو المعني بالأمر من خارج المجلس إذا أراد الحضور ليقدّم آراءه في موضوع معيّن. أنا طلبت منهم أن يقدّموا طلبا إلى رئاسة المجلس ولكنّهم لم يفعلوا، ولم يشاركونا في صياغة القانون ولا في مناقشاته، أنا قمت بواجبي واتّصلت بمن اتّصلوا بي من النّقابات الأمنيّة وطلبت منهم أن يقدّموا طلبهم إلى رئاسة المجلس وعلى إثره نستمع إليهم في اللجنة، لكن هذا لم يتم...هم لم يقدّموا طلبا إلى الرّئاسة...لكنّي أطمئنهم وأقول لهم إنّنا سجلنا كل انتقاداتهم ونأخذ كل تحفظاتهم بعين الاعتبار، وإن شاء اللّه لن تمرّ فصول القانون إلاّ باتفاق واسع من الأطراف المتدخّلة في هذا القانون إذا كتب له أن يناقش مرة أخرى داخل مجلسنا. هل نستطيع القول إنّ المجلس التأسيسي يعيش الربع ساعة الأخير من عمره؟ نحن في الدقيقة الأخيرة ولسنا في الربع ساعة الأخير،توقفت الآن أشغال المجلس إلى ما بعد الانتخابات. كان يوم الجمعة 26 سبتمبر الماضي آخر يوم في آخر جلسة وكانت معنا مشاريع قوانين إقتصاديّة في آخر جلسة وكانت معنا مشاريع قوانين إقتصادية لم تقع المصادقة عليها لأنّ حضور النوّاب كان ضعيفا جدّا وتمّ تأجيل المشاريع إلى موعد لاحق...ونظريّا حسب مكتب المجلس من الممكن أن تكون هناك عودة يوم 27 أكتوبر للعمل. أصبحت المرأة التونسيّة تنافس الرّجال على منصب رئاسة الجمهورية، فهل من الممكن أن تكون لتونس رئيسة؟ لم لا ؟ لأن الدستور التونسي يمكّن من ذلك، ونحن كنّا مصرّين على كلمة «مترشحة»...لأن فيها دفعا معنويّا للمرأة. صحيح أنّ لدينا، نساء ورجالا، نفس الحقوق والواجبات ...ولكن من لديه الكفاءة والقدرة، رجلا كان أو امرأة، على ترؤس هذا البلد، ستكون الرّئاسة من حظّه أو من حظّها. ونحن فخورات كنساء بمن ترشحن للإنتخابات الرئاسية...وكنت قلت إذا لم تترشّح نساء لرمزّية هذا الحدث كنت سأقدّم ترشحي رمزيا لنؤكد أن النساء متواجدات. لماذا لم تترشّحي للرّئاسة؟ لكلّ مواطن تونسي ولكل مواطنة تونسية الحق في الترشح. لكن مع الكمّ الهائل من الترشحات لن أقبل بأن يكون رقمي 71 حتى لو ترشحت لسحبت ترشحي. على كلّ حال، الرئاسة ليست منصب حلم بقدر ماهي مسؤوليّة كبيرة لمن يستطيع أن يتحمّلها، لأن الجانب الرّمزي كذلك في رئاسة الجمهوريّة هو جمع شمل التونسييّن والتّونسيّات. هذا هامّ جدّا. أن يكون رئيس الجمهوريّة هو الفيصل في النقاط الخلافيّة وأن يكون دائم العمل مع الجهات التّنفيذيّة. هل ستواصلين العمل السياسي؟ بالتأكيد... لأن من يتدخّل في الشأن العام لا يستطيع الانسحاب منه بسهولة...سيكون لي موقع مع بقيّة التونسييّن والتونسيات لأخدم هذا البلد الجميل...وإن شاء اللّه يا ربّي أحافظ على حياديّتي وعلى رؤيتي التفاؤلية والواقعيّة في نفس الوقت. هل ترين نفسك وزيرة في الحكومة القادمة أو في أي موقع آخر؟ إن شاء اللّه أكون في أيّ موقع أنا قادرة على أن أقدّم فيه إضافة أستطيع أن أكون في مسؤولية تنفيذية أو في مجتمع مدني أو في منظمة دوليّة...لخدمة البلاد والشأن العام. هل تنوين تأليف كتاب عن تجربتك في المجلس التأسيسي؟ نعم...وقد جاءني اقتراح من إحدى المنظّمات الدّوليّة لتدوين تجارب نائبات في المجلس التأسيسي...ودائما تراودني فكرة بإعداد كتاب عن هذه التجربة وعن العديد من المراحل النّضالية التي عشتها إلى حدّ الآن. هل من كلمة أخيرة في خاتمة هذا الحوار ؟ أقول دائما للتونسيين : أنا مواطنة تونسية ابنة هذا الشعب، ولهذا الشعب، لن أغادر هذا البلد وسأبقى دائما فيه...أبقى دائما منشغلة بالشأن العام للبلاد لأنّه أصبح جزءا منّي ويهمّني وساهمت في بناء دستور هذه البلاد...وسأبقى العين الرّقيبة لتنفيذ هذا الدّستور على مستوى الواقع. أقول للشّعب أنا واحدة منك وأحبّ «التّوانسة» وقد قال فرحات حشّاد من قبل : «أحبّك يا شعب» أستعير منه هذه الكلمة وأكرّرها : «أحبك يا شعب» لأني تمرّست على محبّة هذا الشعب وعرفت كم عانى وكم يعاني...وكم مازالت أمامه من معاناة...وعرفت أن الشعب حالم وآمن...وعرفت أنه ضدّ العنف والدّم عرفت أنه شعب مسالم مع الإستقرار والأمن والأمان، لا بدّ من إيجاد الآليات الكفيلة بأن يتحقق لنا الإستقرار في بلادنا مع احترام حقوق الإنسان والحرّيات وفي مقدّمتها حرّية الصحافة... ومع احترام الحقوق المدنيّة...واحترام القانون كذلك، أنا أريد للدولة أن تكون قويّة. وأريد للشّعب أن يكون أبيّا...للوصول إلى مستقبل أفضل وأحسن. وأطلب الإعتذار من كلّ من أخطأت في حقّهم عن غير قصد. وأشكر كلّ الذين أرادوا تزكيتي في الإنتخابات التشريعيّة ومنحوني ثقتهم الكبيرة...وأيضا أشكر حركة «النهضة» التي كان لها فضل تقديمي إلى المشهد السياسي والشأن العام مع أنّه كانت لي نضالات سابقة في ذلك...لا أنسى فضلهم لأنّم منحوني الفرصة التاريخية للمساهمة في الشأن العام والمشاركة في صياغة الدستور. وإن شاء اللّه أكون قد وفّقت، وإن شاء اللّه لم أعد النّاس بأشياء لم أحقّقها. وحتى في حملتي الانتخابية كنت أراهن على مبادئ عامة وعلى قيم وقع تضمينها في الدّستور. وأطلب اليقظة في المستقبل لتنفيذ الدستور والمحافظة على حقوق الإنسان حتى يبقى التّونسي دائما رافع الرأس وشامخ القيمة...وهذا ما آمله إن شاء اللّه.