بقلم: مصطفى قوبعة في سياق الحوار الذي خص به «التونسية» بمناسبة صدور عددها الألف تعهد رئيس الحكومة مهدي جمعة بوضع إطار يساعد على تشكيل منظومة مهنية للصحافة المكتوبة لا يبقى فيها إلاّ المهني. وسواء تعلق الأمر بتوزيع الاشهار العمومي أو بتطوير أداء الصحافة المكتوبة فإنه يفهم من كلام رئيس الحكومة وعي بالأوضاع الصعبة التي تعيشها مؤسسات الصحافة المكتوبة من جهة، وتوفر الارادة السياسية لمعالجة هذه الأوضاع من جهة أخرى وهو موقف نثمنه ونقدره حق قدره. وفي الحقيقة، فإن الدعم العمومي المباشر أو الغير مباشر للصحافة المكتوبة ليس بدعة أو سابقة في علاقة الدولة بالصحافة المكتوبة، فالتجارب في العالم التي يمكن الاستئناس بها عديدة بدءا بفرنسا التي بها تقاليد عريقة في دعم الصحافة المكتوبة استفادت منها حتى كبرى العناوين، وصولا إلى التجربتين الحديثتين لكل من المغرب والجزائر. وإذ سعدت العائلة الموسعة للصحافة المكتوبة بما جاء في كلام رئيس الحكومة خاصة في ظرف تميز بارتفاع مستمر في كلفة المواد الأولية المستوردة من ورق وحبر مقابل تدهور قيمة عملتنا الوطنية فإنها تنتظر منه الاسراع باتخاذ الاجراءات العملية الكفيلة بوضع هذا الاطار موضع التنفيذ. قد لا يهمّ الشكل الذي قد يأخذ هذا الاطار، سواء لجنة وطنية للصحافة المكتوبة أو هيئة وطنية لها أو مجلس وطني لها، ولكن المهمّ أن يتأسس هذا الاطار على قاعدة الديمقراطية التشاركية في التمثيل وفي المهام واتخاذ القرار الملزم. وليس ثمة في اعتقادنا أفضل من إطار يضمّ ممثلين عن جمعية مديري الصحف والنقابة الوطنية للصحفيين والنقابة العامة للثقافة والاعلام وعن ممثل عن رئاسة الحكومة باعتباره المصدر الوحيد القادر على توفير معطيات موثوقة وصحيحة عن حجم الاعتمادات العمومية المخصصة سنويا للإشهار العمومي سواء المتأتي من المصالح المركزية للوزارات وهياكلها الجهوية ومؤسساتها العمومية الادارية والغير إدارية أو من المنشآت العمومية أو من الجماعات المحلية (بلديات ومجالس جهوية) وعن توزيعها الحالي، وهي معطيات بدونها لا يمكن بناء بدائل على أسس صحيحة عادلة ومنصفة. وليس ثمة أفضل من هذا الاطار لوضع مقاييس واضحة وموضوعية قدر الأمكان لإعادة توزيع موارد الاشهار العمومي، كدورية الإصدار ولغة الاصدار وطبيعة الجريدة (جامعة، متخصصة) وتغطية التوزيع وكلفة الأجور المصرح بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتحملات الاستهلاكات وغيرها من المقاييس. وفضلا عن البحث عن مقاربة جديدة لمسألة توزيع الاشهار العمومي فإنه ليس ثمة كذلك أفضل من هذا الاطار لإقرار اجراءات استثنائية لمساعدة المؤسسات الصحفية التي قد تعاني من صعوبات ظرفية، ولِمَ لا ينتهي بنا تعميق النظر إلى إحداث مركزية شراءات إما لدى مؤسسة المطبعة الرسمية أو الديوان التونسي للتجارة تكون مزود المؤسسات الصحفية دون سواها بحاجاتها من الورق ومن الحبر بأثمان معقولة وبتسهيلات مالية مقبولة من الجميع. كما يمكن أن يعهد لهذا الاطار دور تحكيميّ لفضّ الخلافات التي قد تنشأ من حين لآخر بين المؤسسات الصحفية في سباق «المنافسة» بينها وهو ما يستدعي من هذا الاطار وضع مدونة سلوك ملزمة لجميع الصحف في سياق مجهودها الذاتي لتعبئة موارد الاشهار الخاص أو في مجهودها الذاتي المرفع من مؤشرات توزيعها. ولكن أهمّ هذه المتطلبات لا يجب أن تحجب عنا مسؤولية الصحافة المكتوبة في الارتقاء إلى أعلى درجات المهنية والحرفية شكلا ومضمونا، أداء وممارسة، وهذا يعني بالضرورة أن الاطار المؤمل احداثه مدعوّ لتقييم المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المؤرخ في 2 نوفمبر 2011 والمتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر بعد ثلاث سنوات من دخوله حيز التنفيذ للوقوف بكل جرأة على نقائصه وعلى ثغراته العديدة وتصحيحها إعلاء لحرية الصحافة المكتوبة واحتراما لا خلاقياتها ولقيمها المشتركة وتحصينا لها من كل أشكال التشويه والتوظيف.