يحرص المقبلون على الزواج في تونس على شراء المصوغ في فصل الشتاء باعتباره الموسم الذي تنخفض فيه الأسعار اذ يقدم الخطيب الى خطيبته مصوغا تتباهى به أمام صديقاتها وقريباتها وتتزيّن به بعد الزواج في المحافل وكثيرا ما تدعم أم الفتاة هدايا خطيب ابنتها بقطع أخرى تكون قيمتها مرتبطة بالوضع الاجتماعي للأسرة. و بالرغم من اقبال التونسيين على اقتناء الحلي المصنوع من الذهب الا ان قطاع تجارة المصوغ يعاني من جملة من المشاكل كعدم توفر المادة الاولية وارتفاع نسبة الاداءات عليها وعدم توزيعها بالشكل الذي يضمن استفادة جميع اطراف المهنة. فعدد تجار المصوغ في تونس يبلغ حاليا 1865 تاجرا حاملين «لرخص» وقد كان القطاع يضم نحو 5 آلاف تاجر أغلق معظمهم متاجرهم أوغيّروا أنشطتهم. «التونسية» تجولت في سوق «البركة» بالمدينة العتيقة بالعاصمة و اتصلت بجملة من الصاغة و من المواطنين و عادت بالريبورتاج التالي: اكد عادل الناجعي «صائغ» ان الوضع السياسي و الانتخابي الذي تشهده البلاد انعكس سلبا على سوق الذهب مشيرا الى ان فصل الشتاء يعاني ركودا نظرا لنقص الحرفاء المقبلين على الشراء .و اضاف ان البلاد تحتاج الى استقرار امني و سياسي و اقتصادي و اجتماعي من اجل تحسين وضع سوق الذهب .و اشار الى ان تونس من الدول القلائل التي ترفض التقليص من ذوق الذهب حيث لديها ذوق 9 و18 في حين ان الولاياتالمتحدةالأمريكية أفضل ذوق لديها هو 10 وذلك للضغط على الأسعار ولتنويع العرض وقال ان هناك دولا تتعامل بذوق 14 ولكن تونس تفرض ذوقين فقط . «حتى لين يلقاو ما ياكلو» و بسؤالنا عن مدى اقبال الحرفاء على اقتناء الذهب ،تشنج «حسني كحلة» و هو صائغ قائلا «حتى لين يلقاو ما ياكلو بش يشريو الذهب» مضيفا ان الركود الاقتصادي هو الذي اثر على عدم الاقبال .و اشار الى ان هناك بعض الصاغة يبيعون الذهب «المضروب» حيث يقومون بطبعه خلسة مما يضر بسمعة بقية الصاغة الشرفاء والمهنيين .و اشار الى أنّ الانتعاشة الحقيقية للسوق هي في فترة الصيف باعتباره فصل المناسبات على الاطلاق. و اوضح حسني انه قبل الثورة كانت المراقبة على سوق الذهب و اسعاره مكثفة اما بعد الثورة «الدنيا تسيبت» و انعدمت المراقبة لذلك اصبح السوق يعاني من مسألة الذهب «المضروب» . «حلاّن الذهب» و من جهته دعا عادل «صائغ» الى «حلان الذهب» و رفع الحكومة يدها عنه و اعتبر ان الغاء القانون الذي نص على تحرير الذهب واستبداله بقانون آخر وغلق دار الطابع التي كان يطبع فيها الذهب مجانا اهم اسباب تدهور القطاع خاصة وان في بعض الفترات انقطع توفير الذهب لمدة وصلت الى ستة اشهر وهو ما أثر حتما على وضع التجار والعرض والطلب هذا الى جانب ارتفاع النسبة المائوية التي ينتفع بها البنك المركزي على حساب التجار الذين اصبحوا غير قادرين على تلبية طلبات حرفائهم بما ان الذهب ايضا اصبح خاضعا لتقليعات الموضة فيجد التاجر نفسه بين مطرقة غلاء التكاليف وسندان طلبات الحرفاء الذين إذا لم يجدوا ضالتهم في السوق التونسية يلتجئُون الى الاسواق الموازية التي تبدو لهم معقولة ومربحة من ناحية الا انها في الواقع تطرح عديد المشاكل اذ يتهيأ للمواطن انه ربح اذا اشترى ذهبا بثمن بخس جدا هذا من ناحية ومن ناحية اخرى مصانع الذهب لا تصنع الا موديلات معينة بما ان كميات الذهب التي تصلها محدودة جدا وقد لا ترضي اذواق جميع الناس .و اضاف ان القالب الذي تصنع فيه الموديلات باهض جدا و يصل ثمن القالب الواحد إلى 400 مليون . من جانبه عبّر عز الدين «صائغ» عن وجوب تنقيح القانون الأساسي الخاصّ بعملية شراء المصوغ من صائغ آخر حيث يقول «هذا يمثل إشكالا كبيرا خاصة عندما يكون المصوغ مسروقا، حيث أننا لا نعمد الى تدوين البيانات الخاصة به على عكس ما يجري مع مواطن عادي حيث نقوم بطلب نسخة من بطاقة التعريف الوطنية مع بعض البيانات الأخرى ورغم أننا نعرف بعضنا البعض فإننا لا نسلم من المساءلة القانونية إضافة إلى تكبد مصاريف لا دخل لنا فيها لنتحمل بذلك خسائر إضافية». «الأسوام طايحة» منى المنصوري « حريفة» اوضحت ان الاسعار في هذا الموسم منخفضة حيث ان الغرام الواحد ب 65 دينارا أو 70 دينارا عكس ما نجده في فصل الصيف حيث يرتفع سعره الى ان يصل الغرام الواحد الى 90 دينارا.و اشارت الى أنها تلتجئ الى اقتناء ما يلزمها من الذهب من سوق «البركة» بتونس العاصمة لأنها مراقبة من قبل الدولة و لأنها تتحصل على وصل ضمان من قبل البائع . اما امال العياري «موظفة» فقد تجولت في سوق البركة الا انها لم تجد ضالتها حيث بانت عليها ملامح الاستغراب من شدة غلاء الاسعار على حد تعبيرها حيث اشارت الى انها قدمت اليوم الى سوق الذهب من اجل بيع قطعة مصوغ قديمة و استبدالها ب « صياغة عرس».و اضافت ان الاسعار مرتفعة مقارنة بالاسعار الموجودة بمسقط رأسها ببنزرت .و اضافت قائلة «من غير المعقول ان يبيع الصاغة سلعهم دون استعمال الميزان الذي يحدد قيمة القطعة». و اضافت ان إقبال المواطنين على بيع مصوغهم أكثر من أولئك الذين يشترون بسبب الحاجة.... «باش نشري الموسم» من جهته،اكد مكي «حريف» انه جاء اليوم صحبة خطيبته لاقتناء «الموسم» الذي يتمثل في «خاتم» خاصة مع اقتراب يوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف و اضاف ان الاسعار جيدة مقارنة بالسنة الفارطة مشيرا الى انه اراد خلال هذه المناسبة ان يسعد حبيبته و يقدم لها هدية رمز حبه لها . اما الحاجة سعيدة فقد اكدت انها قدمت اليوم لسوق البركة من اجل اقتناء موسم كنتها التي ارادت ان تشتري «صياغة عرسها» في فصل الشتاء لأن الاسعار منخفضة نوعا ما .و اشارت الى ان هذا السوق هو الوحيد المراقب الذي يجعل الحريف مطمئنا . غرفة تجار المصوغ توضح و في نفس السياق اكد السيد «توفيق الشاوش » نائب رئيس غرفة تجار المصوغ بتونس ان قطاع المصوغ يعيش عدة اشكاليات منها مشكلة « الدلالة » حيث دعا الى اعادة مهنة امين التجار واضاف ان الغرفة قامت بمراسلة وزارتي التجارة و الاقتصاد و المالية من اجل تنظيم هذا القطاع واعادة هذه المهنة مضيفا ان الحكومة استجابت و ارسلت لتجار المصوغ مراسلة مفادها انه تم ضبط مهام امين حرفة المصوغ و المتمثلة في القيام بكل اختبار قصد تقييم المنتوج الحرفي هذا الى جانب مراقبة جودته و انه لا يخول لأمين حرفة المصوغ القيام بمهام اخرى كالبيع و الشراء و الرهن لفائدة الغير و كذلك البيع بالمزاد العلني . و اضاف ان احتكار السوق الموازية ل «المصوغ» و بيعها بطرق غير قانونية تسبب في الاضرار بالسوق المحلية و تراجع الاقبال على منتوجات الحرفيين حيث اصبح المواطن يفضل شراء السلع بأثمان منخفضة دون التثبت من مصدرها وقيمتها ليسقط في الفخ على حد تعبيره. الحل بالنسبة لنائب رئيس الغرفة يتمثل في تنظيم القطاع بتحرير الذهب وتخفيض الاداءات ومراقبة الحرفيين لضمان عدالة توزيع المادة الدولية والقضاء على ظاهرة السوق الموازية.و طالب الجهات المعنية بمراقبة الاسواق الموازية و العمل على قطعها نهائيا كما طالب الدولة بتقديم دعم مالي لهذا القطاع لأن التاجر المبتدئ غير قادر على تغطية مصاريف بضاعته مؤكدا ان هناك من اضطر به الحال الى اغلاق متجره. و اضاف ان الصائغ لا يستفيد كثيرا لأن المرابيح قليلة بين 2 و 5 بالمائة حيث ان التاجر يشتري غرام ذهب 65 دينارا و يبيعة ب67 و 70 دينارا. وعموما يبقى الذهب سواء تأثر سعره بالازمات العالمية أو ارتفع مطلبا شعبيا متوارثا بحكم العادات والتقاليد في المناسبات الخاصة لأنه عنوان بارز الأهمية ذو دلالات عاطفية ومجتمعية. مروى الساحلي