(صباح توجاني) قد يتساءل البعض عن السر وراء تناول هذا الموضوع السابق لأوانه، إلّا أن الجواب بسيط للغاية ويأتي على لسان الدكتور نجيب بن عبد الله رئيس ودادية أطباء السكري بتونس حيث يكشف أن الفترة الحالية هي الأنسب بالنسبة الى مرضى السكري للإتصال بأطبائهم المباشرين وسؤالهم عن إمكانية الصوم. الدكتور بن عبد الله أبرز أيضا، في لقاء صحفي بهدف توعية مريض السكري بالمخاطر التي تتهدده في حال خالف تعليمات طبيبه المباشر، أنه من الأفضل ان يخضع مريض السكري إلى التحاليل الطبية والأشعة شهران على الأقل قبل حلول شهر رمضان، وأن يكون طبيبه المباشر قد عدل له مقادير الأدوية اليومية التي يتناولها، مبينا انه من الخطورة بمكان بالنسبة لمريض السكري المجازفة بصوم الشهر الكريم دون اذن طبي. وأكد رئيس ودادية أطباء مرض السكري ان الطبيب المباشر هو الوحيد القادر على تقييم الحالة الصحية للمريض بعد معاينة وضعه الصحي من جميع النواحي، سواء في ما يتعلق بنسبة السكر في الدم أو بوجود مضاعفات غير ظاهرة على مستوى العينين او الكلى أو أحد الأعضاء الأخرى. ولاحظ الدكتور بن عبد الله أنه من الضروري ايجاد درجة عالية من الثقة بين مريض السكري وطبيبه المباشر حتى نضمن مصداقية الطرفين خاصة وان هدفهما واحد ألا وهو الحفاظ على صحة المريض. وقال إنه بمقدور المريض تناول القليل من المرطبات والحلويات بعد الإفطار ما لم يكثر منها مع ملازمة الحذر واليقظة وقياس معدل السكر في الدم أربع مرات كل يوم خلال شهر رمضان بالنسبة للمصابين الذين يمنحهم الطبيب «تأشيرة الصوم» وتكون عملية القياس الأولى صباحا ثم في حدود 11 صباحا ثم قبل الإفطار حتى يكون المريض على بينة من احتياج جسمه الى الدواء...على ان يراقب النسبة بعد الإفطار خلال السهرة فاذا اكتشف انها فوق المعدل بكثير عليه ان يعمد الى شرب كميات كبيرة من الماء تفاديا لخطر «الشياح» أو الدخول في غيبوبة لا قدر لها... من جهته، لاحظ الدكتور صابر دخلي وهو استاذ مبرز في الطب وعضو بودادية اطباء مرضى السكري ان هذا النوع من المرض منتشر جدا وله مضاعفات خطيرة وهو المتسبب في وفاة الملايين جراء ما تخلفه الإصابة بالسكري من امراض خطيرة يصعب علاجها أو الشفاء منها على غرار العمى و الجلطة القلبية والقصور الكلوي.. وقال د. دخلي إن تونس سجلت عام 2013 وفاة 5 آلاف مصاب بمرض السكري أي ما يعادل ضحايا حوادث الطرقات خلال نفس العام في بلادنا، مضيفا انه ثبت علميا ان صوم شهر رمضان بالنسبة لبعض أنواع المرضى يشكل خطورة على حياتهم وأنه لذلك وجب احترام النظام الغذائي وتعاطي الأدوية بانتظام وفق ما يقرره الطبيب المباشر الذي يظل الوحيد القادر على تقييم أهلية مريض السكري للصوم من عدمها. وافاد عضو ودادية اطباء مرض السكري بأنه تم عام 1995 ارساء اتفاق طبي شرعي ديني يقوم على أساس الإذن بالصيام بالنسبة لمرضى السكري الذين لا يتعاطون حقن الأنسولين وليس لديهم مشاكل صحية أخرى ويتبعون نظاما غذائيا جيدا ومناسبا. واضاف الدكتور الدخلي انه تم انجاز دراسة علمية تخص تونس و12 بلدا آخر للوقوف على حقيقة صوم مرضى السكري، فاتضح ان نسبة كبيرة منهم يصومون وأن 41 بالمائة منهم من الذين لا يتناولون الأنسولين و79 بالمائة المتبقية يصومون بشكل دوري ونسق غير مسترسل بالرغم من تناولهم اقراص تعديل نسبة السكري في الدم. وأشار الى انه في حال كان بمقدور المصاب بالسكري التحكم في مستوى السكر بدمه عن طريق تناول الأدوية او حقن الأنسولين فانه من الهام جدا الّا يتوقف عن تعاطي علاجه بل يمكنه الصوم ولكن شرط تغيير مواعيد جرعات الدواء الذي يتناوله مع تغيير النمط الغذائي وذلك بالرجوع الى الطبيب المباشر الوحيد القادر على تعديل العلاج لكل مصاب. وابرز الدكتور المختص في امراض السكري ان اتفاق جنوب آسيا بهذا الخصوص حدد 4 مراحل المجازفة التي يتعرض لها مريض السكري المصر على الصوم مبينا ان الخطورة تكون مضاعفة جدا في حال كان للمصاب تاريخ مرضي طويل أو كان يخضع لحصص تصفية الدم جراء قصور كلوي أو كانت المصابة حاملا..اما في مرحلة الخطورة النسبية فيكون خلالها المريض قد سجل نسبة سكري ضعيفة جدا وهو يعيش بمفرده ويخضع لعلاج الأنسولين أو حتى اقراص الدواء أو يعمل في وظيفة شاقة كالبناء او من كبار السن. وفي باب المرحلة الثالثة الخاصة بالمخاطر المتوسطة نجد مريض السكري الخاضع للعلاج ولمراقبة طبية دورية لصيقة. بقي ان نعرف ان مرحلة الخطر الضعيف تتعلق بالمريض الحريص علىاتباع نظام غذائي سليم ويتمتع بإحاطة طبية وعائلية شاملة...وهذا الأخير بمقدوره الصيام شريطة مواصلة زياراته لطبيبه المباشر. أما الدكتورة زينات تركي وهي رئيسة جمعية مرضى السكري وطبيبة مختصة في علاجهم، فتلقي الضوء على أهم ما يمكن أن يحدث لمريض السكري في حال أصرّ على الصوم، وتؤكد ان النظام الغذائي المعتاد يتغير خلال شهر الصيام حيث يمكن ان يؤدي افتقاد المريض للغذاء الى انخفاض خطير في مستوى السكر في الدم وفي المقابل قد يؤدي الإكثار من تناول الطعام سواء عند الإفطار او خلال عيد الفطر الى زيادة خطيرة في مستوى السكر بالدم. وفي معرض جوابها عن سؤال حول مفهوم ازمات السكر خلال رمضان قالت الدكتورة زينات:« إن أزمات السكري هي مصطلح يطلق على الإنخفاض الفجئي والخطير في مستوى الغلوكوز في الدم فاذا كانت قراءة جهاز تحليل السكر اقل من 70 مليغرام في الديسيليتر فإن هذا يطلق عليه انخفاض طفيف في الغلوكوز، أمّا اذا كان الإنخفاض أقل من 50 مليغرام في الديسيليتر فإن هذا يصنف على أنه أزمة سكر». وبخصوص الأعراض المصاحبة للأزمة فهي ضعف الرؤية والإصابة بصداع والرعشة والنعاس والإرتباك الذي قد يصل حد الإغماء. وعموما فإن الطبيب ينصح كل مريض بالسكري أذن له طبيبه المباشر بالصوم، بأن يحرص على ان يحتوي طعام الإفطار والسحور على الحبوب والبقوليات والقمح والأرز لأن هذه الأطعمة تمد الجسم بالغلوكوز طيلة النهار مما يعطي المريض القدرة على استكمال الأنشطة اليومية بكل يسر. كما ينصح بالتقليل من تناول السكريات والمأكولات المقلية على الإفطار والتركيز على تناول المشروبات قليلة السكر او الخالية منه تماما مع تناول الفواكه والخضروات خلال وجبتي الإفطار والسحور. ويقول الدكتور بن عبد الله بأنه من الأفضل لمريض السكري أن يؤخر سحوره قدر الإمكان الى ما قبل الفجر بقليل حتى يوفر لجسمه المزيد من الطاقة وتوازن السكر في دمه طوال ساعات الصيام.. ومن الأفضل لمريض السكري ان تتضمن وجبة السحور سكريات بطيئة الإمتصاص على غرار المسفوف والخبز والبسيسة التونسية.. وبشأن التمارين الرياضية ينصح بالحفاظ على اداءها خصوصا في فترة ما بعد الإفطار بساعتين على الأقل مع تجنب القيام بالرياضة المجهدة قبل الإفطار بساعتين...وينصح بتجنب الإكثار من البيض والمواد الدسمة ويستحسن تحضير «البريك» في الفرن عوض قليه في الزيت الساخن. ويؤكد د. بن عبد الله على ضرورة قطع الصوم حالما تصل نسبة السكري في الدم الى 0،70 غرام في اللتر من الدم مع التأكيد على وجوب تناول كمية من السكر وقتها.. كما يستحسن تجنب شرب العصائر والمشروبات الغازية والتعود على شرب الماء بكميات هامة بين الإفطار والسحور.. ويسمح لمريض السكري الصائم بتناول تمرة أو تمرتين وشرب كأس ماء عند بداية الإفطار. من جهته، كشف أحد مشايخ الزيتونة خلال لقاء صحفي نظمته ودادية أطباء مرض السكري وجمعية مرضى السكري بالتعاون مع مخبر «نوفو فورديسك» الذي يعتبر الرائد في علاج السكري، ان الدين الإسلامي كان ولا يزال دين يسر لا عسر، حيث يمنح المريض إجازة لعدم الصوم طالما ان الطبيب أكد له خطورة أدائه فريضة الصوم جراء اصابته بمرض السكري من الصنف الخطير بإعتبار ان الإسلام يعطي سلامة الروح البشرية المكانة الإستراتيجية ويجعل منها أمانة في عنق كل انسان. وقد أجمع الأطباء الذين حضروا هذا اللقاء الإعلامي على ضرورة ألّا تنسى العائلات خلال شهر رمضان العناية بأبنائها وخاصة منهم المصابين بمرض السكري والذين يحتاجون الى التغذية باستمرار على مدار اليوم وقد يتعرضون الى تعكرات صحية في حال تم اهمالهم من طرف أوليائهم.