الحكومة تتعامل مع النقابات بمكيالين والينباعي منحاز أرفض أية زيادة في الأجور لا تستجيب لهذه الشروط اتحاد الشغل يرفض التعدّدية النقابية، لكن «الدوام ينقب الرخام» طريقة عمل «الاتحاد» بالية وكلام عبد السلام جراد مخاتل حاورته: ايمان الحامدي «مصادقة الحكومة على منشور تفعيل التعددية النقابية ليس منّة فالمشهد السياسي والإجتماعي يفرض تعدد الهياكل المدافعة عن الشغالين». هكذا عبّر الحبيب قيزة الأمين العام للجامعة العامة التونسية للشغل عن موقفه من تعاطي الحكومة مع ملف التعددية النقابية. وأشار «قيزة» في الحوار الذي أجرته معه «التونسية» إلى أن الحكومة تتعامل مع النقابات بسياسة المكيالين متهما وزير الشؤون الإجتماعية عمار الينباعي بالإنحياز للإتحاد العام التونسي للشغل. واعتبر الأمين العام للجامعة التونسية للشغل أن البت في التمثيلية النقابية بات أمرا مؤكدا وأن العمل النقابي يحتاج إلى مراجعة جذرية منتقدا طريقة إدارة المفاوضات في القطاع الخاص واصفا إياها بالطريقة «البالية». بداية هل دخل الأمر المتعلّق بتفعيل التعددية النقابية حيّز التطبيق الفعلي أم أن دار لقمان على حالها؟ الحكومة أصدرت الأمر ودخل فعليا حيّز التطبيق بالنسبة لإقتطاع المساهمات لمنخرطينا لكن ليس هذا هو المهم فالإعتراف بالتعددية النقابية أعمق من هذا لأن النقابات الناشئة يجب أن تحظى بنفس المعاملة وتتمتع بنفس الإمتيازات التي يتمتع بها الإتحاد العام التونسي للشغل على غرار التفرغ للقيادات والمنحة المسندة من قبل الدولة إلى جانب تحديد التمثيلية وتشريكنا في المفاوضات وهذه الشروط لم تتحقق بعد وعليه فنحن فعليا مازلنا على مسافة كبيرة من تكريس التعددية التي تشدد عليها المنظمات العمالية الدولية. لكن كيف لمنظمات نقابية ناشئة كما ذكرت أن تطالب الحكومة بأن تمكنها من المعاملة بالمثل مع المنظمة النقابية الأم التي لها تاريخ 70 سنة من العمل النقابي؟ نحن كمنظمات نقابية ناشئة لم ننكر الأسبقية التاريخية لإتحاد الشغل لكن كوننا نقابات ناشئة لا يمكن أن يحجب موقعنا في الإنتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد ولا نضالاتنا من أجل مصلحة الطبقة الشغيلة. ثم نحن لم نطلب من الحكومة المساواة مع المنظمة الشغيلة لكنّنا نصر على أن نكون ممثلين في المفاوضات الإجتماعية مع تشريكنا في وضع مقاييس التمثيلية النقابية وألاّ يستأثر الإتحاد العام التونسي للشغل بوضع هذه المقاييس لأنه لا يمكن له أن يكون الخصم والحكم. وكل شروط التمثيلية متوفرة في جامعتنا سواء القانونية منها أو من حيث عدد المنخرطين أو الأقدمية ونحن ندرك أننا لا يمكن أن ننافس منظمة لها 70 سنة من العمل النقابي لكن أيضا نملك كل المقومات النوعية والكمية التي تكفل لنا حق التمثيل في المفاوضات الاجتماعية وفي رسم سياسة الدولة الاجتماعية مستقبلا. لماذا تعتبر الإتحاد العام التونسي للشغل خصما رغم اعتراف قياداته بمنظمتكم وغيرها من المنظمات النقابية الأخرى التي أحدثت بعد الثورة؟ أولا أود التصحيح أن الجامعة العامة التونسية للشغل لم تحدث بعد الثورة... الجامعة بعثت منذ سنة 2006 وقد تحدينا نظام بن علي وأجبرناه على الإعتراف بنا لكن نشاطنا تكثف بعد الثورة والمنظمة اليوم تضم الآلاف من المنخرطين في كل القطاعات ولدينا 9 جامعات و15 تمثيلية جهوية وقد خضنا نضالات قطاعية كبرى في قطاع النقل (الخطوط التونسية) وفي «كارفور» وغيرها.. أما في ما يتعلّق باعتراف الإتحاد العام التونسي للشغل بالتعددية فلي رأي مخالف وهو أن اتحاد الشغل كان ولا يزال ضد التعددية وهو من دفع حمّادي الجبالي إلى إلغاء مرسوم التعددية النقابية بل ذهب إلى أكثر من ذلك بأن اعتبر التعددية النقابية وحضور ممثلي اتحاد عمال تونس والجامعة العامة التونسية للشغل في الندوات التي تنظمها الوزارات اعتداء عليه وعلى النقابيين وعلى الحقوق النقابية. وهذا الموقف مدون ونشره الإتحاد في جريدة «الشعب» بتاريخ 6 أكتوبر 2012 فكيف لنا إذا أن نقبل بأن يكون اتحاد الشغل هو المحدد للمعايير التمثيلية النقابية في المفاوضات وغيرها من الملفات التي تدعى النقابات العمالية للمشاركة فيها؟. لكن السيد عبد السلام جراد مثلا أقر في حوار أدلى به مؤخرا ل «التونسية» بحق المنظمات الناشئة في النشاط النقابي؟ إطلعت على كلام عبد السلام جراد وكلامه للأسف «مخاتل» وأنا أتحمل مسؤولية تقييمي لمدى صدق نواياه لأنه في الحوار ذاته يقول ان المنظمات النقابية الدولية لا تعترف بالنقابات الناشئة وهذا تضليل للرأي العام ولا أساس له من الصحة وأنا أقول ل «جراد» إنّ منظمة العمل الدولية في تقريرها الأخير الذي توجهت به للنقابات وللحكومة التونسية دعت إلى تفعيل التعددية و الإسراع في تحديد شروط ومعايير التمثيلية النقابية معتبرة أن تعدد النقابات شرط من شروط الإنتقال الديمقراطي السليم في تونس. ثم أريد أن أجيب عبد السلام جراد بأن الجامعة العامة التونسية للشغل ليست منظمة وهمية، نحن ننشط منذ 10 سنوات تقريبا ولنا قانون أساسي وعقدنا مؤتمرا والمنظمات الدولية تعترف بنا وتتعامل معنا وإذا لم يبلغه هذا الأمر فإني أجد له عذرا لأنه غير ملم بالمستجدات ولا يتابع الشأن العام ... ألا تعتبر أن النقابات والإضرابات والإحتجاجات الإجتماعية هي التي ساهمت في تعطيل الإنتقال الديمقراطي بسبب ما آل إليه الوضع الإقتصادي اليوم؟ دعيني أطرح عليك السؤال ذاته وهو: هل أن العمال هم المسؤولون عن رداءة الوضع الإقتصادي أم أنهم ضحاياه؟ الطبقة الشغيلة في تونس تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التأطير النقابي لأن نحو 85 % من الشغالين بتونس غير منظوين تحت أية منظمة وهو ما يؤكد أن المجال فسيح للعمل وللاختيار أيضا مع تعدد المنظمات. ثم هناك عوامل متعددة أدت إلى الصعوبات الإقتصادية التي تمر بها البلاد أهمها الوضع الأمني ولا أعتقد أن الاحتجاجات العمالية هي السبب لأن العمال فقدوا في السنوات الأخيرة 25 بالمائة من مقدرتهم الشرائية وهو ما يؤيد ما أشرت اليه سابقا بأنهم ضحايا الوضع الإقتصادي الذي يتطلّب تكاتف جميع الأطراف من أجل الخروج من هذا النفق. ثم لا يمكن الحديث عن تحسين القدرة التنافسية للمؤسسات الإقتصادية دون تحسين المناخ الإجتماعي وتمكين العمال من حقوقهم المادية والمعنوية. وكل ديمقراطيات العالم والدول المتقدمة تتعامل مع النقابات على قدم المساواة مهما كان حجمها ونحن في تونس كما قبلنا التعددية الحزبية وتعاملنا معها مدعوون أيضا إلى قبول التعددية النقابية والتعامل معها كواقع جديد. لكن المنظمات العمالية في تونس لا تقدّم حلولا اقتصادية على غرار المنظمات العمالية في الخارج ثم ما الفائدة من تعدد نقابي إذا لم يكن هناك طرح جديد في العمل النقابي يعود بالفائدة على الأجير والمؤسسة الإقتصادية؟ هذا ليس صحيحا نحن في الجامعة العامة التونسية للشغل لا نكتفي بالعمل النقابي بل نحن قوّة مقترحات ولنا مركز للدراسات يشتغل منذ سنة 1992 لتطوير العمل النقابي ولنا دراسات ومقترحات لمراجعة قانون الشغل كما كنا أول من بادر بتقديم خارطة الطريق في 2013 ، لكن تبقى جهودنا غير مثمنة بالقدر الكافي لأن الحكومة منحازة لطرف واحد على حساب بقية مكونات المشهد النقابي وهو ما يحجب عنها الإضافات التي يمكن أن تقدمها هذه المنظمات حتى لو كانت ناشئة ... وأريد أن أوضّح أن بعض أعضاء الحكومة لهم تواطؤ مفضوح مع الإتحاد العام التونسي للشغل بل أنهم يعطلون التعددية النقابية حفاظا على مواقعهم رغم أن قرار المحكمة الادارية كان واضحا وصريحا في خصوص تفعيل التعددية النقابية وهو إعطاء النقابات الامكانية لتفعيلها وأنها ستُعامل كغيرها من المنظمات الأخرى باعتبارها مؤسسة قانونية. وانا أقول معاملة الحكومة حاليا للنقابات الناشئة لا تختلف عن معاملة بن علي السابقة لأحزاب المعارضة فهو من جهة يسمح لهم بالتواجد ومن جهة يمنع كلّ انشطتها ويفرض عليها مختلف أشكال التضييق وهذا لم يعد يقبل في تونس ما بعد الثورة. وما هو الطرح الجديد الذي تقدمه منظّمتكم للعمل النقابي؟ أنا كأمين عام ونقابي منذ قرابة الأربعين عاما اقتنعت منذ التسعينات بأن العمل النقابي في تونس يجب أن يأخذ منحى جديدا وقد طرحت هذه الفكرة عندما كنت في الاتحاد العام التونسي للشغل وربما أن عدم موافقتي على طريقة عمل المنظمة وعدم تطورها هو الذي دفعني إلى مغادرتها لأن قناعتي هي أن العمل النقابي بالطريقة التي أرساها الشهيد فرحات حشاد وقبله الزعيم محمد علي الحامي لم تعد قادرة على مواكبة التطورات الاقتصادية والإجتماعية وكان من الضروري المرور من مرحلة العمل النقابي القائم على الوطنية إلى العمل المبني على فكرة المواطنة. فنحن لا نستطيع بعث نقابات على أساس حزبي أو ديني أو عرقي ولكننا قادرون على بعث نقابات قائمة على مبدإ الاستقلالية عن الأحزاب و الشفافية المالية. العمل النقابي المبني على فكرة الزعيم الواحد والحزب الواحد ظلم الشغالين وحجب عن المنظمة النقابية العديد من المراجعات التشريعية والترتيبية التي كان من المفروض أن تدفع نحوها منذ أكثر من عشرين سنة. وأعتقد أن طريقة عمل الإتحاد العام التونسي للشغل اليوم أصبحت «بالية» بل أكل عليها الدهر وشرب فالمرحلة الجديدة تحتاج إلى اعادة بناء اقتصادي واجتماعي قائم على تشاركية ثلاثية الأبعاد فيها القطاع الخاص والقطاع العمومي والمنظمات العمالية على أن يكون هذا العمل منصهرا ومتماشيا مع منوال التنمية الذي يجب أن تشارك الأطراف الإجتماعية في رسم ملامحه. وقد دعوت في أكثر من مناسبة إلى ضرورة اعادة تأسيس الحركة النقابية التونسية وارساء أنموذج اجتماعي جديد يقوم على فكرة المواطنة إيمانا مني بأن اعادة تأسيس الحركة النقابية التونسية يساهم بشكل كبير في تحقيق الانتقال الديمقراطي وارساء التعددية النقابية والسياسية الى جانب تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمل وضمان الشغل اللائق لآلاف الشباب خاصة من حاملي الشهادات العليا. ما هو موقفكم من الأزمة بين اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف بسبب الزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص؟ هذه الأزمة هي نتيجة حتمية لعدم تطوير العمل النقابي وطريقة التفاوض واللجوء إلى التصعيد دون تنزيل هذه المفاوضات في محيطها الاجتماعي والاقتصادي. وشخصيا أرفض أية زيادة في أجور العمال ما لم تكن مصحوبة بمراجعات جذرية لقوانين الشغل والاتفاقيات المشتركة وما لم يكن تحديد نسبة الزيادة مقرونا بدارسة للوضع الإقتصادي. فالأجراء في تونس تحصلوا في السنوات الأربع الماضية على زيادات كبيرة أثقلت كاهل الدولة والقطاع الخاص ودفعتنا إلى التداين الخارجي ومع ذلك تواصل القدرة الشرائية للمواطنين انحدارها السريع نحو الأسفل وهو ما يدل على أن هناك خللا في طريقة احتساب وصرف هذه الزيادات التي أدت وفق تقديري إلى رفع التضخم . إذا ما هو تصوركم لمفاوضات الزيادة في الأجور عموما؟ الزيادة في الأجور يجب تناولها في إطار قضية التشغيل عموما لأن الأجير الذي يتمتع ب 40 دينارا زيادة وله أربعة أبناء عاطلين عن العمل لن تتحسن وضعيته المالية حتى لو تضاعف حجم الزيادة ثلاث مرات في حين لو يتمكن من تشغيل أبنائه فسوف تتقلّص أعباؤه المادية إلى النصف تقريبا وهو ما يحيلنا إلى ما ذكرت سابقا من أنه اذا لم تنزّل الزيادة في المنوال التنموي ولم تكن مصحوبة بمراجعات تشريعية فهي مضيعة للوقت وضحك على الذقون واستنزاف لموارد الدولة. منهجية التفاوض لها أهمية كبيرة في تحقيق أهداف تحسين القدرة الشرائية للمواطنين. ما الذي يمنع النقابات الناشئة من تكوين مجمع نقابي يجعل منها قوة اقتراح وإفادة للشغالين؟ أنا مع وحدة العمل في القضايا الاستراتيجية على غرار التشغيل ومراجعة السياسة الإجتماعية عموما لكن الانصهار أو التوحد صلب هيكل نقابي واحد صعب جدا لأننا نختلف في برامجنا وسياساتنا مع النقابات الأخرى. ثم إذا نحن قبلنا بالتعدّدية الحزبية فلماذا لا نقبل بالتعدّدية النقابية والنقابات مثلها مثل الأحزاب لكل نقابة توجهاتها وبرامجها ومشاريعها المستقبلية؟ وأعتقد أنه لا مفر من قبول الحكومة والاتحاد بكل المنظمات و«الدوام ينقب الرخام» خاصة أن منظمة العمل الدولية تدفع نحو هذا الاتجاه ونحن متأكدون من أن مراكمة النضال والعمل لصالح الشغالين سيجبر خصومنا على قبولنا كشركاء في العمل الإجتماعي.