تسوية وضعية عمال الحضائر أقل من 45 سنة    قضية التآمر: هيئة الدفاع عن السياسيين الموقوفين تقرر مقاطعة جلسة اليوم    رماد بركان ثائر يغلق مطارا في إندونيسيا    طقس اليوم الخميس    اليمن: سيول وفيضانات وانهيارات أرضية    زغوان: تطور في قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الخدمات في الثلاثي الاول للسنة الحالية    توزر: تأمين 22 رحلة من مطار توزر نفطة الدولي نحو البقاع المقدسة ذهابا وايابا منذ انطلاق موسم العمرة في ديسمبر 2023    سجن الصحفي محمد بوغلاب 6 اشهر مع النفاذ    وزارة الأسرة تطلق حملة اتّصالية للتّوقّي من المخاطر السّيبرنيّة على الأطفال    سليانة: السيطرة على حريق نشب بجبل برقو بمنطقة عين بوسعدية    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة(مرحلة التتويج-الجولة9): النتائج والترتيب    عبد المجيد جراد رئيسا جديدا للجامعة التونسية للكرة الطائرة    معاقبة النادي الصفاقسي باجراء مباراتين دون حضور الجمهور    تعيين أوسمان ديون نائبا جديدا لرئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    حسام الدين الجبابلي: يجري التنسيق من أجل تسهيل العودة الطوعية للمهاجرين من دول جنوب الصحراء أو تقديم الدعم للراغبين في البقاء    خمسة عروض من تونس وبلجيكا وفرنسا في الدورة الثانية لتظاهرة المنستير تعزف الجاز    أطفال من بوعرادة بالشمال الغربي يوقعون إصدارين جماعيين لهم في معرض تونس الدولي للكتاب 2024    أريانة: الدورة الثانية لأيام المنيهلة المسرحية من 17 إلى 23 أفريل الجاري    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    لعبة الإبداع والإبتكار في كتاب «العاهر» لفرج الحوار /1    نيبينزيا: على مجلس الأمن أن يدرس بشكل عاجل مسألة فرض عقوبات ضد الكيان الصهيوني    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    الفضيلة    أخبار الترجي الرياضي...يان ساس جاهز وأندري بوكيا لغز كبير    غدا افتتاح معرض تونس الدولي للكتاب...إمضِ أبْعد ممّا ترى عيناك...!    بعد إلغاء 150 رحلة..عملية استقبال المسافرين في مطارات دبى ستبدأ غداً صباحا    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    أخبار المال والأعمال    لدعم الميزانية والمؤسسات الصغرى والتعليم العالي والبحث العلمي: توقيع 3 اتفاقيات مالية بين تونس وإيطاليا    بطولة شتوتغارت... أنس جابر تطيح بالروسية إيكاترينا    وزير الداخلية كمال الفقي يلتقي نظيره الايطالي    توننداكس يتجاوز حاجز 9 آلاف نقطة مع اغلاق تداولات الاربعاء    تونس: حجز 6 أطنان من السكر المعد للاحتكار في الحرايرية    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    لإنقاذ مزارع الحبوب: تزويد هذه الجهة بمياه الري    جورجيا ميلوني: "لايمكن لتونس أن تصبح دولة وصول للمهاجرين"    ححز كوكايين وأقراص مخدّرة لدى 3 شبان يعمدون إلى ترويجها في الكاف    صافي سعيد: هذا ما أعد به المساجين السياسيين إذا فُزت بالرئاسية    عاجل/ القبض على شخصين متورطين في طعن عون أمن بهذه الجهة    سعيّد لميلوني: موقفنا ثابت.. تونس لن تكون مستقرا أو معبرا للمهاجرين    قتل مسنّ حرقا بمنزله: القبض على 6 أشخاص من بينهم قصّر    المركز العسكري لنقل الدّم يتحصّل على شهادة المطابقة للجودة    سيلين ديون تكشف عن موعد عرض فيلمها الجديد    بطولة شتوتغارت: أنس جابر تضع حدا لسلسة نتائجها السلبية وتتاهل الى الدور ثمن النهائي    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يفرض الويكلو على التحضيرات    صفاقس: حادث مرور يخلف 5 اصابات    محرز الغنوشي: الأمطار في طريقها إلينا    الحماية المدنية: 19 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني في تونس اليوم..    بعد صمت طويل: هذا أول تصريح لأمين قارة بعد توقّف برنامجه على الحوار التونسي    علامة ''هيرمس'' تعتذر لهيفاء وهبي    مباراة الترجي وصانداونز: تحديد عدد الجماهير وموعد انطلاق بيع التذاكر    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    فتوى جديدة تثير الجدل..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ بدري المدني (الإمام والواعظ وأستاذ العلوم الدينية) ل«التونسية»:«داعش» وحش صُمّم لتدمير الإسلام
نشر في التونسية يوم 13 - 04 - 2016


الإسلام دين حياة... لا دين موت
هذه خريطة طريق الإصلاح الديني في تونس
نحاور المتطرّفين بالعلم والبُرهان
حاورته: صباح توجاني
يظل رجل الدين ذلك العارف بأصول تفسير كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والأقدر على بسط صبغة الإعتدال التي تريد تونس ان تنشرها داخليا وخارجيا. هنا حوار مع الشيخ بدري المدني استاذ العلوم الدينية والواعظ الديني وامام المساجد، الذي شارك مؤخرا في بعثة الى عدد من الدول الأوروبية حيث التقى افرداها من أيمّة ووعاظ بالآف المهاجرين التونسيين وذلك في اطار حملة نظّمتها وزارة الشؤون الدينية «غدوة خير» في اطار برنامج لمكافحة الإرهاب والتطرف الديني.
الأستاذ بدري المدني بما يعرف عنه من انفتاح واعتدال، يرى أن الإسلام هو الإسلام وأن ثمّة من يقدّم اليوم صورة مشوهة فيحوله من اسلام معتدل الى اسلام متشدد يهدم ولا يبني...ويعتقد ضيفنا ان هؤلاء الذين يظنون أنفسهم جنود الله ورسله هم في الحقيقة يحاربون الله ورسوله، ويظنون أنفسهم مصلحين وهم يسعون في الأرض بالفساد ويعارضون ارادة الرب ارادة التخفيف ونشر المحبة... وأنت عائد من جولة أوروبية التقيت خلالها بالمهاجرين،أي خطاب قدمت لهم ؟
بتكليف من وزارة الشؤون الدينية تمّ الإختيار على 10 من الكفاءات العلمية والدكاترة والوعاظ والأيمة الذين توجّهوا في الأسبوع الأخير من شهر مارس إلى جملة من الدول الأوروبية ليكونوا سفراء تونس في إطار البعثة المُتوجّهة إلى الخارج تنفيذا لبرنامج حملة الوزارة في مكافحة الإرهاب «غدوة خير»عبر تقديم محاضرات ودروس لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج وخصوصا من الجيلين الثاني والثالث مع التركيز على إبراز قيم الإعتدال والتسامح والحوار والتعايش السّلمي التي تميّز ديننا الإسلامي الحنيف، بما يساعد الجالية على فهم سليم لهذا الدين وتوثيق أواصر الصلة بين الأبعاد الحضارية للدين والوطن ومحاولة تحقيق معادلة الموازنة بين التشبّث بالهويّة والعزّة بالدين والتأقلم داخل مجتمعات الإقامة وخصوصيّاتها.
وقد شاركت جاليتنا بكل من مدن ديسلدورف وكولن وبون وبحضور عدد كبير من العائلات التونسية في الإحتفال بالذكرى الستين للإستقلال بمشاركة الأطفال والشبّان في مسابقات في حفظ القرآن الكريم واللغة العربية والثقافة الوطنية وقدمت مداخلة حول «دور الأسرة في المحافظة على الهويّة الدينية» إضافة إلى مداخلة ثانية حول «كيف ربّى الإسلام الأطفال ؟»... كما تمّ تخصيص جلسة حوارية للكهول نساء ورجالا تمّ خلالها التطرّق لآليات وزارة الشؤون الدينية في التوقّي من الإرهاب وعرض مقوّمات حملة «غدوة خير» زيادة على التوسّع في عديد المسائل السلوكية والفقهية ذات الصلة بنوازل جاليتنا في ألمانيا – الصوم/الزكاة / الصلاة / البيع المؤجل/ الزواج المختلط...
وفي جامع تقصده الجالية التونسية بمدينة كولونيا تم التطرق الى المعنى العام لطالع متن بن عاشر... في عقد الأشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد السالك ... إضافة إلى لقاء ثالث في مقهى ثقافي مع أفراد من الجالية التونسية في جلسة حوارية موضوعها «الدين سلوك وفعل».
ما هي استفساراتهم وما هي أهم محاور اهتماماتهم ؟
دون شك المحور الكبير هو القلق على تونس من الإرهاب وقد لاحظنا تجاوبا من قبل الجالية وارتياح أفرادها لهذه الزيارات إلاّ أن ّ حاجتهم – تعدّ ألمانيا قرابة 100 ألف تونسي- أكيدة لواعظ قار في المقاطعات المتلاصقة يسهم في تحفيظ القرآن وتعليم الجوانب الشرعية والإحاطة بالشباب ومداومة التوعية وزيارة السجون أين يقبع بعض التونسيين فيها وبعث روح الأمل والإصلاح فيهم والمتابعة الدينية للعائلات ومساعدتها... واحتياجهم لتكثيف هذه الزيارات مع إمتدادها في المدّة المخصّصة لها لزيارة أكثر ما يمكن من المدن وملامسة أكبر عدد ممكن من أفراد جاليتنا... ودعوتهم لإعداد أشرطة ودروس توعوية مصوّرة بلغة دولة الإقامة وتوزيعها على الجالية أو إنشاء مواقع بالألمانية أو غيرها من اللغات لتمرير خطاب السماحة والرفق ...زد على ذلك إنجاز برامج تلفزية دينية باللغات الأجنبية لتصل للجالية الشابة منها وتعطي ثمارها ..وفتح كتاتيب صيفية لتحفيظ القرآن لأبناء الجالية بتونس أثناء عودتهم في العطل الصيفية ..
الإسلام المعتدل ، هل هناك إسلام معتدل وآخر متشدد ؟
الإسلام هو الإسلام لكن ثمّة من يقدّم اليوم صورة مشوهة عنه فيحوله من اسلام معتدل الى اسلام متشدد يهدم ولا يبني... في حين أننا أمام «إعمارين»... إعمار تونس... وإعمار نفوس التونسيين بالوطنية والقيم العليا..إعمار النفوس هو الأساس الذي يُبنى عليه إعمار الأرض لأنه لا يمكن التأسيس لأية حضارة راقية إلا بإعمار وتزكية الجانب الخلقي للإنسان... ويجتمع إعمار النفوس وإعمار الأرض تحت جامع واحد وهو إشاعة ثقافة الإحياء قال تعالى « ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»...
ومن أشاع ثقافة «الإحياء» فقد قضى على ثقافة «الإماتة» ..
ومن أشاع ثقافة «الإحياء» كان الله في معيته ....«وهو معكم أينما كنتم»...
المعيّة الخالصة هي عناية الله بحاملي ثقافة «الإحياء» ...المعيّة الخالصة هي أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ..وأن الله لا يغفل عمن أفسد وأساء عملا ... «إن الله لا يحب المفسدين»... نحن إذن أمام مسؤوليتنا الكبرى ..مسؤولية مواصلة مشروع الإصلاح... ومشروع الإحياء... إحياء النفوس وبناء تونس... وإحياء كل جميل مات فيها ولن تخذلنا عزائمنا ولن تخذلنا المعية الربانية... ما يدور في عقول المتشددين دينيا... وما يظهر من أزيائهم... وما يعلو وجوههم... وما تخلفه ممارساتهم... وما يتلفظون به. لا يمكن أن ينمّ إلا عن عنف وتشدد...
من العسير جدا الخوض معهم في سجالات فكرية أو حوارات علمية... فهم لا يعترفون بالعقل ولا بالعلم ولا بالنقاش ولا بالحوار ويفضلون التقوقع ورفض الأخر... ومع هذا فإننا نمد الأيادي لنحاورهم بالعلم والبرهان والحجة...
ليست لدينا مواقف من شخوصهم … بل من أفكارهم وممارساتهم المتشددة والتي لا تتماشى ومرجعيتهم ذاتها وتتناقض وإياها فهم يرجعون الى النصوص القرآنية ونحن كذلك نرجع اليها ويكفي ان نقف أمام قوله تعالى « يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً» النساء 28... لنجد هذه الآية وآيات أخرى عديدة فيها فعل «يريد» بصيغة المضارع الذي يفيد الاستمرار والمريد هنا هو الله فهو ولا غيره من يريد التخفيف عن عباده وهو لا يزال مراعياً رفقه بهذه الأمّة وإرادته بها اليسر دون العسر، إشارة إلى أنّ هذا الدين بيّن حفظ المصالح ودرء المفاسد، في أيسر كيفية وأرفقها، فربما ألغت الشريعة بعض المفاسد إذا كان في الحمل على تركها مشقّة أو تعطيل مصلحة، والآيات الدالّة على هذا المعنى بلغت مبلغ القطع كقوله:«وما جعل عليكم في الدين من حرج» الحج: 78 وقوله:«يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» البقرة: 185 وكذلك في الحديث الصحيح: «إنّ هذا الدين يسر ولن يشادّ هذا الدين أحد إلاّ غلبه».
وبالتالي فمن أوكد الثوابت التيسير ، وهي ثلاثة أمور هامة.إذ اختار الله لأمة الإسلام منهجها وبيّن لها طريقها، وطريقها هو الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه، فهي أمة الوسطية، ودينها وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، وإن وسطية الإسلام وسماحته لا تؤخذ من آراء الناس وأهوائهم، ولكنها تؤخذ من النصوص الشرعية، وإن دين الإسلام والمتمسكين به بعلم أبرياء من الانحراف عن الوسط، والذي ينحرف عن هذه الوسطية بغلو أو جفاء فهو غير ممثل للإسلام.إن الشريعة الإسلامية تدعو إلى الاعتدال وتحذر من التطرف الذي يعبر عنه بألفاظ منها (الغلو) و(التنطع)،وهي كلها مظاهر نلحظها بجلاء لدى المتشددين في قولهم ووجوههم وحركاتهم وتظاهراتهم ..وبالتالي فكلما سلك هؤلاء طريق التشدد كلما عارض هؤلاء مشيئة الله وإرادته الجلية ...
ان هؤلاء المتشددين من الشيوخ ومن تبعهم من الشبان يخالفون ما جاء به هذا الدين العظيم الذي حمل للناس النور والعدل والوسطية والاعتدال ..الإسلام الذي ملأ الأرض حضارة عندما تمسك به الأوائل...
ان هؤلاء المتشددين الذين امتلأت بهم الشوارع والجوامع لم يقدموا ذلك الاسلام الذي هو أسلوب حياة ودستور تعامل ومسلكا أخلاقيا وعقيدة حقة تجمع العقول والقلوب والسواعد... بل قدموا دينا جديدا طافحا بالغلو والتعصب والظلامية... والإسلام بريء من كل تراجع وضعف وهوان تشهده الأمة... كما ان الإسلام بريء من التطرف والغلو الذي يزرع الفساد وينشر الرعب ويقتل البريء ويفرق قوى الحق ويبعثر الجهود الخيرة والثروات النافعة.
هؤلاء الذين يظنون أنفسهم جنود الله ورسله وهم في الحقيقة يحاربون الله ورسوله ، ويظنون أنفسهم مصلحين وهم يسعون في الأرض بالفساد ويعارضون ارادة الرب ارادة التخفيف ونشر المحبة...
ولكن هل تعتبر ان العصابات الإرهابية تعتمد الإسلام مرجعا لعملياتها ؟
والإرهاب يغشانا جميعا بكل فظاعة وفي كل وقت وكل مكان... وصوره تتعدد إلى أن أدركنا مرحلة خطيرة ..فمعتنقو جريمة الإرهاب يعتمدون نصوص القرآن ونصوص السنّة ويقتطعونها من سياقاتها ليبرروا أفعالهم الآثمة ويبررون الإرهاب باعتباره مصطلحا قرآنيا وفريضة وواجبا لابدّ من فعله وهو في عقيدتهم من الفرائض المنسية المتروكة ويرددون مصطلحات الأوامر «فارهبوهم» و«اقتلوهم» و«جاهدوا» والاقتصار عليها كأوامر إلزامية... وإزاء هذا سنظلّ ننوّر العقول والأذهان بالتصدي لهذا الفكر وبيان الفوارق بين إرهاب القرآن وإرهاب الدواعش ...
فالإرهاب الداعشي وهم تجده على نقيض الإرهاب القرآني وسيلة ومقصدًا، وهو فرع وثمرة مقصودة اضعاف المسلمين وتشتيت قواهم ودولتهم وتمزيق أوصالهم وغير ذلك من المحرمات عليهم، وفي هذا الإرهاب وجد عدوّ المسلمين ضالته فقوى أسباب مزيد تمزيق المسلمين وتشويه شريعة السّلام فإرهاب داعش وإن حاولوا استمداده من النصوص القرآنية فهم يتوهمون ويوهمون فإذا تأملنا آيات القتال الواردة في القرآن نجد أنها في معظمها تدعو للدفاع عن النفس, وهذا حق طبيعي من حقوق الإنسان ولو كان الإسلام قد انتشر بحد السيف، لما وجدنا في العالم اليوم أكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم.
وإذا تأملنا آيات القرآن الكريم لا نجدها تتضمن ذكرا ولو لمرة لكلمة «سيف» ولا «رمح» رغم أنها أسلحة القبائل في ذلك الزمن وكان الحديث عن هذين السلاحين لا يخلو منه شعر أو خطبة... وإذا دققنا النظر جيداً في آيات القرآن نكتشف مفاجآت مذهلة فكلمة «العنف» لم تذكر ولا مرة واحدة في القرآن.
وأما عن لفظة الإرهاب فقد يتفاجأ الكثيرون حين يعلمون أن كلمة «ارهاب» لم تذكر ولا مرة بهذه الصيغة ولكن ذكرت بصيغ أخرى ومعانيها مختلفة مثل قوله تعالى» وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» التوبة :60.
نلاحظ أن هذه الآية الكريمة وردت أثناء الحديث عن الحرب وليس عن العمليات التفجيرية الغادرة وليس عن عمليات ذبح الأبرياء وتقتيل الآمنين كما نستطيع أن نستنتج أن القرآن ذكر الإرهاب مرة واحدة فقط خلال الحديث عن العدو. ولو فتحنا أي كتاب في مجال العلوم العسكرية نجد أن عبارات مثل تخويف العدو وإعداد القوة اللازمة لمواجهة العدو والتدرب على الاستنفار تتكرر مئات المرات.
وهذا يعني أن القرآن استخدم آية واحدة من بين 6236 آية يأمر من خلالها المسلمين بضرورة إعداد القوة اللازمة لمواجهة الاعداء, ولكن الدواعش يتركون أكثر من 6000 آية تتحدث عن الرحمة والعدل والتسامح, ويركزون على هذه الآية فقط وهذا أمر غير منطقي....
ما هو يقيني ومنطلق حديثنا وذلك نؤكد عليه مرارا وتكرارا هو أننا لن نقدر على فهم القرآن الكريم إلا وفق مصطلحاته هو ووفقا للغته العربية التي كان ينطق بها منذ 14 قرنا.لذا فالإرهاب الذي عناه القرآن مبني على الحقيقة وعلى وجوب اتحاد المسلمين وتكوينهم دولة قوية مهيبة قوامها العدل المبسوطة معالمُه في الأحكام الشرعية ومصدر قوتها وثرائها وما يتمتّع به المسلمون من أراض شاسعة احتوت على كنوز الطاقات والثروات والخيرات وثروات البحار المحيطة بها، فمتى كانت الدولة الإسلامية الحقيقية على هذا الوصف أرهبت كل من أراد إلحاق الأذى بها دون إراقة قطرة دم ولا دخول في حروب، فليس من مقاصد الشريعة الإسلامية استئصال النوع البشري أو محاكاة استئصاله بكثرة القتل وسفك الدماء، بل الإسلام دين الحياة الحقيقية المصحوبة بالسعادة الدنيوية الممهدة للسعادة الأبدية.
وبإلقاء نظرة في القرآن الكريم نجد أن اسم «الرحيم» قد تكرر في القرآن 115 مرة. وإذا تأملنا اسم «الغفور» نرى أنه تكرر 91 مرة, بينما كلمة «منتقم» تكررت ثلاث مرات فقط في القرآن كله... وإضافة لذلك كله فالإسلام دين الرحمة للناس كافة، بل للعالم أجمعين، فإذا كان الإرهاب بمعنى تخويف الآخرين قد ورد في القرآن الكريم مرة واحدة، فإن لفظ «الرحمة» ومشتقاتها قد تكررت في القرآن الكريم مئات المرات حيث أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالرحمة والعدالة والمعاني الإنسانية حتى لا نرى مثلها في أي نظام، أو دين آخر، ويكفي أن نرى القرآن الكريم يكرر لفظة «رحم» ومشتقاتها أكثر من «340» مرة كما أن الإسلام دين الأمن للإنسان، والسلام لهذا الكون كله وأحد أسماء الله تعالى السلام ، وليلة نزول القرآن هي ليلة السلام بنص القرآن الكريم « سلام هي حتى مطلع الفجر».
وفي حديثنا عن معنى الإرهاب فى القرآن الكريم فإنه على خلاف الشائع يأتي معنى الإرهاب في القرآن الكريم كأداة للإصلاح والسمو الخلقي وكسبيل لتحقيق السلام كما أن مفهوم الإرهاب ومشتقاته يأتي في سياق الالتزام بالوصايا التي جاءت في الكتب السماوية ، والالتزام بكل أوامر الله جل وعلا التي تحض على العدل والاحسان وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي...
فالبون شاسع بين إرهاب «داعش» واجرامهم وبين إرهاب القرآن الذي يعني أولا وآخرا السمو الخلقي للأفراد كما يعني التمسك بالسلام بالنسبة للدول. وهذا يتناقض مع الفهم الشائع لمصطلح الارهاب في عصرنا. لذلك فاليوم وأكثر من أي وقت مضى وجب على المسلمين أن يتحدوا للوقوف صفا واحدا أمام هذا الطاعون الجارف المسمى ب«داعش»، هذا الوحش الآلي الذي ما صمّم إلا لتدمير ما بقي من معالم حضارة المسلمين وتشويه المرجعية الشرعية الصحيحة ليقضي على كل أمل لنهوض المسلمين من نومهم ورجوعهم إلى قيادة الإنسانية وإنقاذها من الضلال المبين الذي وقعت فيه.
فما أبعد إرهاب القرآن إن حقّ لنا أن نسميه إرهابا عن إرهاب القتل والتخريب «الداعشي»...
الفئات الشبابية تظل لقمة سائغة امام العصابات الإرهابية. كيف برأيك نحصّنها ضدها؟ كيف السبيل الى محاربة الإرهاب عبر الدين ؟؟
مع وصولنا إلى ما وصلنا إليه .. مرحلة التهديد القصوى وهي مرحلة التهديد الوجودي عبر الإرهاب خصوصا لدى الفئات الشبابية وموت القيم وتفشي الغلوّ تأكد لدينا أنه، لم يعد الحديث عن الإصلاح الديني مادة خصبة للتحاليل النظرية ولا للترف الفكري، بقدر ما أصبح يفرض نفسه كموضوع محوري وضرورة حتمية يعاد معه طرح العديد من الأسئلة لعل أبرزها:
كم نحن بحاجة إلى إصلاح ديني؟ اليوم وبعد الضربات الإرهابية المجرمة والموجعة والمتكررة... اتضح جليا أنّ الإصلاح الدينيّ حلقة رئيسية في تونس اليوم وتونس الغد كما في أي مشروع فكريِّ واجتماعيِّ وسياسيِّ يطلبه. ولنا في السابقة الأوروبية أكبر مثال، حيث حلقة الإصلاح الديني مهَّدتْ للثورة الصناعية ولحركة التنوير الثقافيّ وفلسفة الأنوار، ثم للثورة الفرنسيّة.
فالإصلاح الديني - الذي ينتظر إسهاما من كل الفاعلين- يعد من الاستحقاقات الكبرى لبناء جيل الغد وفي هذا السياق أرسم جملة من المقترحات والآراء التي يمكن أن تكون خريطة طريق ليستقيم لنا أمرُ التقدّم وإصلاح أحوالنا الدينية:
تحويل المعهد الأعلى للشريعة إلى مؤسسة جامعية تعليمية تتبع إداريا وزارة الشؤون الدينية تواصل مهامه الحالية مع إضافة إشرافه على تخريج الأيمة الخطباء وأيمة الخمس والإشراف على بقية المؤسسات الجهوية لنفس الغرض «على غرار معهد القيروان» ولم لا إنشاء معاهد أخرى داخل الجمهورية وضبط برامجها وانتقاء طلبتها .
التفكير بجدية في إدماج الأيمة الخطباء وأيمة الخمس في الوظيفة العمومية والرفع من سلم الأجور والحوافز المادية والأدبية وفق التراتيب الوظيفية .
الدعوة إلى تشريك الباحثين والدكاترة من جامعة الزيتونة تشريكا فعليا في التكوين وتشجيعهم على الخطابة الجمعية وتحفيزهم ماديا .
تطوير أساليب التكوين بإعداد المطبوعات والنشريات والأقراص الليزرية والومضات التوعوية وتوظيف المواقع الافتراضية والأنترنيت.
العمل على الإستثمار في مجال الإعلام الديني السمعي البصري وتخصيص ميزانية لذلك والتفكير بجدية في بعث قناة تلفزية دينية وضبط استراتيجيات إسهام الإعلام الديني وتنظيم منابره.
القطع النهائي مع العمل الموسمي فالتوعية الدينية والتكوين ينبغي أن يكونا وفق نسق متواصل ووتيرة مستمرة وقويّة وعلى مدار الساعة .
التخلص من الأساليب الكلاسيكية النمطية في أشكال الندوات ومضامينها وكذلك الدروس والمؤتمرات «تقليص التوقيت/ تقوية الوتيرة/ تنزيل المضامين على واقع الناس/ تبسيط اللغة...»
تحفيز الوعاظ القادرين على الخطابة والتدريس ماديا وحمايتهم ليقوموا بمهمتي الخطابة والتدريس في أحسن الظروف .
إمضاء اتفاقيات بين وزارة الشؤون الدينية ووزارة المرأة والطفولة ووزارة الشباب والرياضة والتعليم العالي والتربية والعدل للتنصيص على دفع الوعاظ للتدريس داخل المؤسسات التابعة للوزارات المذكورة أعلاه من رياض أطفال ونواد ودور الثقافة والشباب والمدارس والمعاهد والجامعات والسجون والتفكير في إحداث نوادي للصحة الدينية في مؤسسات الطفولة والشباب .
إيجاد صيغة دخول الوعاظ وخاصة الواعظات داخل الإطار الأسري حسب طلب العائلات والأسر التي تجد صعوبة في التعامل مع الأبناء من الناحية الدينية وفتح خط أخضر للغرض يمكن التواصل عبره وتقديم المساعدة للأسرة التونسية في شكل متابعة علمية وفكرية ونفسية «شريطة تكوين الوعاظ في علم النفس التربوي».
السعي لتفعيل أدوار المؤسسات الدينية في تونس المجلس الإسلامي الأعلى ودارالإفتاء وتغيير طرق عملها واختيار أعضائها وتقوية مهامها .
محاولة الخروج بالتوعية الدينية من المساجد والجوامع الى منابر حوارية في المقاهي والفضاءات العامة .وفتح قنوات الحوار مع الشباب بكل الوسائل وفي كل مكان...
العمل على إعادة حظ مادة التربية الإسلامية من ساعات التدريس و تكثيف تدريسها في كل المستويات التعليمية تحصينا للعقول وتربية الأذهان وترسيخا للقيم الأخلاقية.
ردّ الاعتبار لوزارة الشؤون الدينية والرفع من ميزانيتها وجعلها وزارة «سيادة» و تفعيل القوانين وتطبيقها في إطار حقوق الإنسان والضوابط الشرعية .
عادت الطرق الصوفية لتنتشر في ربوعنا، هل تعتقد ان الصوفية مذهب عام وأنه بمقدور الطرق المختلفة حماية العباد من مغبة الإنسياق وراء التطرف؟
التصوّف من خصوصيات الهوية التونسية وهو عماد قادر بما يحتويه من تزكية النفوس وتغذية الروح من تحقيق التوازن وحماية التونسيين من التطرف ...لكن هناك سؤال استراتيجي هنا :
ما هو التصوف الذي نريد ؟
إننا اليوم لسنا في حاجة لمزيد من صور التخلف والشعوذة والجهل والتشدد ... ولكننا نحتاج إلى مزيد من التصوف الصحيح الذي لا بدعة فيه ولا غلو ... فالناس تسير إلى الله بقلوبها وليس بأبدانها ولا بأموالها ولا بمناصبها.
التصوف الذي نريد ..
هو التصوف المشبع بالعلم والورع وآثار الآخرة والزهد في الدنيا ..
هو التصوف الذي يحمل شعار «يا دنيا غرّي غيري»...
هو التصوف الذي يهتف فيه الناس بشعار «ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد في ما عند الناس يحبك الناس».
هو التصوف الذي يسوق الخلق إلى الحق بغير نفس جامحة ولا مطمع متكالب .. فلا يدور الإنسان حول ذاته وجاهه ولا يتعصب لها ..ولا يجعل من نفسه محورا للكون ولا من شيخه ولا من طريقته .
هو التصوف الذي يسوق الخلق إلى الحق سوقا جميلا هادئا متدرجا. ويسوس النفس بالمراقبة والمحاسبة .
هو التصوف الذي لا يعرف الدجل ولا الثياب الممزقة ولا السذاجة والرياء ولا الرقص اللاواعي ولا الدروشة الكاذبة ولا الرؤى الواهية .
هو التصوف الذي يعطي ولا يأخذ... يتواضع ولا يستعلي.
قيل الكثير عن ربط الإرهاب بالتهريب... أيهما أكثر جرما وضررا بالمجتمع ؟
ربط الارهاب بالتهريب لا يمكن نكرانه فهما وجهان لعملة واحدة وقد تم الكشف عن وجود عدة صور من تحالف المهربين والإرهابيين حيث يقدم المهربون خدمات أساسية لدعم الإرهابيين مقابل الحصول على المال بما يجعل العلاقة ما يشبه «الارتباط العضوي» بين الطرفين فأطماع المهربين تقاطعت مع مصالح الإرهابيين بخاصة بعد الثورة حتى زاد نفوذهم بشكل كبير ليتضخم حجم الاقتصاد الموازي الخاص بتلك الأنشطة المشبوهة إلى أكثر من 50 في المائة من مساحة الدورة الاقتصادية.
وخطر الارهاب والتهريب كلاهما كبير فلا حياة للناس دون امن ودون اقتصاد سليم...
وكيف تنظر الى الإجتهادات المتعددة في قراءة وتحليل النص القرآني ؟
إنّ باب الاجتهاد يبقى دائما مفتوحا سواء في قراءة النصوص التأسيسية من قرآن وسنّة وكذلك في المسائل الفقهية والنوازل الحديثة ..وان تعددت فذلك ثراء شريطة الانضباط وفق الشروط العلمية والتخصصات الفطرية ونشير الى وجود مساحات من تراثنا في حاجة إلى إعادة فهم، وداعيا إلى جعل العقل، بمفهومه الإيجابي، أساسا ومنطلقا لمراجعة القديم والحديث معا.مع ضرورة تنقية تراثنا الكلامي من الفكر الإقصائي،علما أن الاجتهاد المعاصر.. واستعادة الوعي بالسياق يجعلنا نحتاج إلى إعادة قراءة متطوّرة للنص (القرآن والسنة الصحيحة) حتى تكون منطلقات أساسية لاكتشاف معان قرآنيّة ونبويّة جديدة قادرة على المساهمة في ترشيد مسيرة الحضارة الإسلامية والإنسانية على حد سواء.حتى يكون الاجتهاد المعاصر في مستوى التحديات والمتطلبات الراهنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.