المغترب للمغترب... وطن! قد يبدو هذا الكلام مبهما وغريبا على مستوى المنطوق، ولكنه عميق وبليغ على مستوى المدلول. قد تدفع الظروف المهنية أو الاجتماعية بالفرد إلى السفر بحثا عن الاستقرار أو زيادة الخبرة أو تمتين العلاقات بعالم الثروة... تتنوع الأسباب وتتعدّد والنتيجة واحدة، حيث يجد المرء نفسه في عالم جديد وبعيد عن المحيط المألوف. وفي هذه الحالات، هناك من يتأقلم بالسرعة المطلوبة مع الظروف المهنية والمعيشية الجديدة، وهناك أيضا من يجد صعوبات جمّة في النفاذ إلى الأوساط الطارئة في حياته بعيدا عن الأهل والأحباب. ولأن الغريب للغريب حبيب كثيرا ما تجمع الظروف الجديدة بين الوافدين على عالم غير عالمهم وتؤلّف بينهم حدّ التوحّد في حلقات تعكس خصوصياتهم ومرجعياتهم الأصلية. ولكن، يحدث أحيانا أن تتولّد عن بعض الاختلافات في الأمزجة أو في الاختيارات توجهات متضاربة قد تتطوّر بفعل التراكمات لتصبح خلافات معلنة على الملإ. وهذا ما حدث فعلا في أوساط بعض الإعلاميين التونسيين الذين تحوّلوا للعمل في وسائل إعلامية عربية خارج الحدود. ولئن اتسم الفصل الأول من هذه التجربة خلال السنوات الأولى بالانسجام الظاهري فإن الأمور تغيّرت نحو الأسوإ مع تزايد عدد هؤلاء ودخولهم في معارك وهمية لفرض الذات بطرق وأساليب بعيدة عن المنافسة المهنية الشريفة والنظيفة. وقد تطوّر الأمر حدّ الخروج إلى العلن من خلال التصريحات العدائية والردود النارية التي تسيء إلى أصحابها من حيث أرادوا نيل الاستحسان، فكان نصيبهم الاستهجان! ودون ذكر أسماء، فإن القاصي والداني ومن بينهما يعلمون بتفاصيل الخلافات القائمة بين أبناء الوطن الواحد... في صراع الزعامة لجيل حقق الكثير من التميّز في مستوى المهنة في حين فشل فشلا ذريعا على مستوى اللُحمة (بضم اللام) التي يُفترض أن تكون قائمة بينهم بدل نهش اللّحمة (بفتح اللام). فهل يعود الرشد إلى «الأبناء الضالين» ليودّعوا دائرة اللّكمات ويعوّضوها بورد الكلمات... وليتذكّروا أن المغترب للمغترب وطن... بمعنى أن الوطن يتجسّم في كل فرد منهم.. يشمّ رائحته ويستلهم من مبادئه ومقوّماته الحضارية. أنتم الوطن.. فاتقوا الله في أنفسكم... ويبقى نصف الكلام... ومنّي عليكم السلام.