شنوّا تعرف على تبييض الأموال؟    إعفاء عام من الضرائب على مداخيل الجالية التونسية بإستثناء العقارات    هل ترغب في كراء سيارة؟ احذر التعامل مع هؤلاء    الرابطة الأولى: إتحاد بن قردان يجدد عقد نجم الفريق    النادي الإفريقي: "أسامة الشريمي" يخضع اليوم إلى الفحوصات الطبية    بنزرت: القبض على 12 شخصا من دول إفريقيا جنوب الصحراء كانوا يستعدون"للحرقة"    أول تعليق من راغب علامة بعد منعه من الغناء في مصر    في سهرة استثنائية: إقبال كبير على تذاكر حفل زياد غرسة في بنزرت    غلطة يعملوها برشا: علاش ما يلزمكش تغسل الدجاج قبل ما تطيّبو؟    نواب يزورون مراد الحطاب تضامنًا بعد دخوله في إضراب جوع: دعم لمطالبه وتمسك بتطبيق القانون    جبنيانة: إزالة مكيفات المستشفى الجهوي من طرف المديرة والمرضى يحتجون    الرابطة الثانية: محيط قرقنة يعزز رصيده البشري ب5 انتدابات جديدة    الصوناد تدعو التونسيين إلى التبليغ عن الإشكاليات عبر هذا الرقم الأخضر    في نهار: 590 تدخل للحماية المدنية.. شنوا صاير؟    استقبله قيس سعيّد أمس: مسعد بولس، هو ''نسيب'' ترامب ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط    بزشكيان: الحديث عن إنهاء البرنامج النووي الإيراني "وهم"    الولايات المتحدة تعلن انسحابها مجددا من اليونسكو وتتهم المنظمة ب "التحيّز" ضد إسرائيل    للتونسيين: قائمة أسعار الأدوية متاحة بالموقع الرسمي للصيدلية المركزية    وفاة أسطورة الروك «أمير الظلام» أوزي أوزبورن    وزارة التربية تكشف عن قائمة المدراس الابتدائية والمدارس الاعدادية والمعاهد الفائزة بالجوائز الوطنية للتنشيط الثقافي    وزارة الفلاحة:جلسة عمل حول التقرير السنوي القطاعي للمياه 2024    التونسي عزيز دوقاز يواصل تألقه ويتأهل إلى الدور الثاني في دورة سيغوفي الإسبانية    ترامب يسعى لتخليد اسم زوجته    ترامب يعلن التوصل إلى اتفاق تجاري مع اليابان    طقس اليوم: الحرارة تصل الى 46 درجة مع ظهور الشهيلي    محرز الغنوشي: ''ينفخ الشاليمو من جديد...وتعاود تسخن''    Titre    أوروبا تطالب إسرائيل بالتوقف عن قتل الغزيين عند نقاط توزيع المساعدات    البرلمان يناقش اليوم الأربعاء اتفاقية ضمان لتعبئة 70 مليون دولار لتمويل شراءات الغاز الطبيعي    تأجيل محاكمة رضا شرف الدين في قضيّة فساد مالي إلى سبتمبر المقبل    "حوار الأوتار 2" لكمال الفرجاني على ركح مهرجان الحمامات: تحية لروح وناس خليجان وجسر ثقافي بين الشرق والغرب    عرض "سينوج-أوديسي" في مهرجان الحمامات الدولي: مزيج متقن بين التراث والتجريب    زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات - تاهل المغرب ونيجيريا الى الدور النهائي    أسبوع العمل من أربعة أيام.. تجربة ناجحة تعيد تشكيل بيئة العمل عالميا    موجة حرّ شديدة تضرب تونس من جديد    إيرادات رسوم ترامب الجمركية تقترب من 100 مليار دولار    تاريخ الخيانات السياسية (23)...فتنة الأمين و المأمون    كأس الأمم الأفريقية للسيدات 2025: المغرب في النهائي للمرة الثانية على التوالي    وزارة التعليم العالي تكشف موعد الاعلان عن نتائج المناظرات الوطنية للدخول إلى مراحل التكوين الهندسي    تعزيز السباحين المنقذين    عاجل/ الحرارة تصل 36 درجة هذه الليلة    توزر: اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث تقيّم الأضرار الناجمة عن العاصفة الرملية    عاجل/ تجاوزت معدلات ال5 سنوات الأخيرة: كميات الحبوب المجمعة الى حدود جويلية    وزير التجارة يتابع نسق التزود بالمواد الغذائية بجزيرة جربة    موهبة تونسية في مواجهة عمالقة الطاولة: وسيم الصيد يتحدّى ثلاث منافسات !    شمس تختفي لمدة طويلة.. الكسوف الكبير يجي على قريب    حجز أكثر من 17 ألف قارورة ماء معدني معروضة تحت أشعة الشمس بولاية صفاقس    هند صبري تودّع والدتها بكلمات مؤثرة: "كانت ابنتي وصديقتي ورفيقة دربي"    جامعة النزل : 25% من الوحدات السياحية أغلقت أبوابها خلال السنوات الأخيرة    تحذير يهم التونسيين : كيف تؤثر حرارة الصيف على جودة المياه المعدنية؟    بطولة سيغوفي الاسبانية للتنس - عزيز دوقاز يلاقي الفرنسي روبان ماتري في الدور الاول    بسبب ''قُبلة'' من فتاة: منع راغب علامة من الغناء في مصر    وزارة الصحة تحذّر: أدوية قد تصبح خطيرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة    تاريخ الخيانات السياسية (22) .. حكاية الرشيد وجعفر البرمكي    الأرض على موعد يومين من أقصر الأيام في تاريخ البشرية!    راغب علامة ممنوع من الغناء في مصر    عاجل: ما ينتظر التونسيين هذا الأسبوع..حرارة مرتفعة أجور تنتظر وعطلة قادمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



و تلك الأيّام...غول العنف
نشر في التونسية يوم 12 - 05 - 2012

يقول عبد الرحمان ابن خلدون في مقدّمته «إنّ العمران البشري ضروري للإنسان...وأنّ الاجتماع البشري يحتاج إلى وازع يمنع اعتداء أفراد ذلك الاجتماع على بعضهم البعض»... ويبيّن في ذات المقدمة «أنّ الوازع الأخلاقي والديني غير كاف لتحقيق هذه الحاجة لذا فإنّ الوازع السلطاني هو الوازع الذي من شأنه ضمان التعايش السلمي بين أفراد المجموعة البشرية الواحدة كما أنّه الكفيل بحماية تلك المجموعة ضدّ الاعتداءات الخارجية»، مقولة ذات معاني عدة تنطبق تماما على الوضع الذي يعيشه المجتمع التونسي اليوم بعد تفشي ظاهرة العنف التي اكتسحت كل الفضاءات وطالت الجميع بما في ذلك القائمين على أمن البلاد وبلغ حدّا من الخطورة أصبحت تهدّد أركان المجتمع وأمن البلاد والعباد، أمام عجز هياكل الدولة والمجتمع على مجابهة هذا الغول وكأنّ الثورة شرّعت لكلّ شيء بما في ذلك الاعتداء على الأرواح والممتلكات. أقول هذا وقد اهتزت البلاد على خبر جريمة نكراء هي الثانية من نوعها في ظرف بضعة أيام استهدفت عون أمن في مدينة سيدي عمر بوحجلة من ولاية القيروان ومقتل طفلتين بمنطقة بهرة من ولاية الكاف على يد قريبتهما. يحدث هذا في بلد طالما تغنّينا بأنّ مواطنيه مسالمون ومثقّفون ويجيدون لغة الحوار أكثر من لغة العنف الذي كان إلى زمن غير بعيد حكرا على الدولة بحكم «طبيعتها البوليسية». فما الذي تغيّر بعد ذلك ولماذا تفشى العنف في ثنايا المجتمع التونسي وفي كلّ مفاصل الحياة?
سوف لن أخوض كثيرا في التعريف بهذه الظاهرة وفي أسبابها ومسبّباتها وأترك الأمر لأهل الذكر من علماء النفس والاجتماع ومن محترفي السياسة ولكن سأشير فقط إلى أنّ العنف وإن كان ظاهرة بشرية منذ الأزل فهو ينمو في المجتمعات التي تشكو من عديد الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهي ضغوطات تفضي إلى حالات من التوّتر والغبن واليأس والإحباط، ويتّخذ العنف أشكالا متنوعة من الشجار البسيط إلى العنف اللّفظي الذي غالبا ما يتطوّر إلى عنف مادّي يصل إلى حدّ القتل والانتحار. والعنف يمكن أن يكون فرديا أو جماعيا أو منظّما وهذا الصنف الأخير هو الأخطر لأنّه يتغذّى بدوافع دينية واديولوجية ويصبح أداة لتغيير نمط المجتمع بالقوّة تصل إلى حدّ استعمال السلاح في وجه الدولة. وفي كلّ الحالات فإنّ تفشّي العنف في المجتمع هو دليل على فشل لا الدولة فقط بل كافة مكوّنات المجتمع الحزبية والمدنية والإعلامية والمؤسّساتية وأعني بالمؤسساتية بالخصوص الأسرة والمدرسة.
في فرنسا قامت الدنيا ولم تقعد بعد إيقاف عون أمن بتهمة القتل المتعمّد حتى أنّ الحملة الانتخابية الرئاسية لم تخل من الجدل حول توفير الحماية القانونية والمادّية لرجال الشرطة أثناء قيامهم بواجبهم والتي أصبحت مطلبا أساسيا لنقابات الأمن الفرنسي. أمّا في تونس فإنّ الوضع أكثر سوءا حتى أنّ عون الأمن الذي كان مهابا أصبح عرضة لكل التجاوزات من تهديد وتعنيف وقتل وعاجزا حتّى على حماية نفسه فما بالك بحماية الآخرين في ظلّ غياب منظومة قانونية توفّر له الحماية أثناء أدائه لواجبه وتبعد عنه شبح الخوف من الوقوع في المحظور حتى في حالة الدفاع عن النّفس.
إنّ تصاعد ظاهرة العنف والجرائم في المجتمع التونسي أصبحت لافتة وتتطلب إجراءات عملية للحدّ من تناميها ومعالجة أسبابها ودوافعها فبلاغات الاستنكار والتنديد تبقى غير ذي بال في ظلّ غياب معالجة حقيقية من طرف الدولة أوّلا التي إذا لم تقم بحفظ الأمن تكون قد شرّعت للعنف بصفة غير مباشرة وفقدت بالتالي شرعيتها أمام مواطنيها وهيبتها أمام محترفي العنف.
ولعلّه من المفيد في هذا المجال التفكير في إحداث مرصد يتولّى تشخيص ظاهرة العنف وتفسير دوافعها واقتراح الحلول الملائمة للتصدّي لمخاطرها وانعكاساتها السلبية وهذا لا يمكن أن يبلغ مداه إذا لم يستند إلى خطّة عمل متكاملة تعتمد الرصد والمتابعة والتقييم والتخطيط والمراجعة الدائمة انطلاقا من أهداف السياسات العامة للدولة والثوابت القيمية للمجتمع وبمشاركة كلّ الأطراف ذات العلاقة بالشأن حتى لا تقتصر المعالجة على جوانب دون أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.