... للجريد كنوزه، الظاهرة والخفية.. بعضها تم اكتشافه ودخل طي النسيان .. وبعضها أسيء استغلاله.. وكثيرها ينتظر أن ينفض عنه الغبار. هذا ما جاء على لسان عدد كبير من قراء «التونسية» على إثر ما نشرناه حول الثروات النفطية والمنجمية بمنطقة الجريد «التونسية» نبشت في الذاكرة الجماعية، واتصلت بعدد من الخبراء وشهود عيان عايشوا لحظات خاصة في اكتشاف ثروات الجريد... وكان الاتفاق في جل الشهادات على أن الجريد يحتوي على أربعة كنوز، هي: الفسفاط، والبوطاس، والملح، والنخيل. مهندس أصيل الجهة يعمل بالقطاع المنجمي، أكد ل«التونسية» ثبوت توفر مخزون هام من الفسفاط في منطقة تحاذي الطريق الرابطة بين توزر ونفطة. ويضيف المهندس أن ما تم اكتشافه في وقت ما بتلك المنطقة هي مناجم سطحية لصنف رفيع من الفسفاط. وذلك يعني أن عملية استخراجه لا تتطلب تكلفة باهظة... ويستغرب غياب مشروع لاستغلال هذه الثروة، وما يمكن أن توفره من كسب مادي ومعنوي للجهة. لكن أهالي الجريد يذكرون أن الدراسات التي قامت بها خلال الستينات شركة أمريكية أثبتت توفر مادة البوطاس بشط الجريد.. وهو ما شجع تلك الشركة، حسب ما جاء في شهادة واحد من عمالها في تلك الفترة، على مواصلة بحوثها.. ثم شرعت في عمليات التنقيب، وبدأت في حفر الأحواض.. ودار الحديث وقتها عن تفكير الشركة الأمريكية في مد خطوط للسكك الحديدية لشحن البوطاس.. بل أن أحد العارفين يتذكر أن المبلغ المرصود لاستغلال تلك الثروة وقتها حدد ب82 مليون دينار ثم فجأة وبلا سبب واضح تم العدول عن تنفيذ ذلك المشروع الذي كان من المفروض أن يشغل عددا لا بأس به من العاطلين عن العمل وبعد وقت طويل، علم أهالي الجريد ان العدول عن هذا المشروع كان نتيجة عدم التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والشركة منفذة المشروع، بعد إصرار هذه الأخيرة على أن تكون نسبة قسطها في الأرباح 51%، مقابل 49% للدولة. الملاحة الطبيعية كان شط الجريد يمثل لتونس كلها الملاّحة الطبيعية الأولى المزودة بملح الاستهلاك المنزلي.. وتتأكد الآن، بفعل تنامي البحيرات المنتجة لمادة الملح، أهمية الدخول في مراحل عصرية لاستغلال هذه الثروة الطبيعية، وإقامة صناعة متطورة لذلك.. كما أن أستاذا في العلوم الطبيعية بالجهة حدث «التونسية» أيضا عن خلو ملح الجريد من مادة «اليود» وهو ما يشجع أكثر على التصنيع.. التجربة العراقية تحدث عدد كبير من الفنيين في غراسة النخيل ممن زاروا الجهة،أكدوا أن إمكانيات استغلال ثروة النخيل والتمور هي أوسع أفقا بكثير مما هو معمول به الآن وأكدوا أن شجر النخيل أصبح اليوم يستعمل في توفير علف الحيوانات، وصنع الأدوية، ومستحضرات التجميل، والصابون. ويضيفون بأن تجربة العراقيين في هذا المجال أثبتت التوصل إلى استخدام نوى التمور كوقود في الأفران لتبييض النحاس، كما توصلوا إلى استغلال زيت النوى في انتاج العطورات والمراهم الخاصة بالمحافظة على شباب البشرة.. أما خشب النخيل، فهو قابل لأن يحوّل إلى خشب مضغوط Contre plaqué. كما أنه بات من الممكن، علميا صنع السكر السائل، من التمور، وتصنيع النوى لتحويله إلى بنّ قهوة، كما صنّعت منه أصناف من الكحول القابلة للاستعمال كمستحضرات طبية، أو كوقود. نوى التمور دخل أيضا، وبنجاعة، ميدان صناعة النسيج الاصطناعي والمطاط والبلاستيك، وأصبح سعف النخيل يستعمل منذ فترة في صناعة الورق. وإذا تأملنا الأرقام، وجدنا أن منطقة الجريد تعدّ الآن مليون و600 ألف نخلة، دون اعتبار الأحياءات الجديدة.. ويوجد بالجهة مركز للبحوث وغراسة النخيل يقوم بالتجارب، ويعمل على صيانة الواحات.. وهو نواة حقيقية يمكن تدعيمها، حسب عديد الأوساط عن طريق خبراء وفنيين وتجهيزات أساسية للقيام بمثل هذه التجارب التي أعطت نتائج مثيرة في بلدان شقيقة، في مقدمتها العراق..