عقب اندلاع الثورة الإيرانية سنة 1979 بات مطلب إقامة الدولة الإسلامية ضرورة ملحة تنادي تحقيقها اغلب الحركات الإسلامية -إن لم نقل جلها- ، إلا أن حركة الاتجاه الإسلامي لم تكن منذ البدء متحمسة لفكرة الجهاد كخيار امثل لإقامة دولة الإسلام وارتأت أن تسلك نهج الديمقراطيّة في رحلة التوجه نحو نظام الخلافة ودولة الالتزام بالشّرع والشريعة دون طرق باب الجهاد وإن طال أمد البحث عن الضالة المنشودة...ديمقراطية تعارضت مع إخلاص البعض من منخرطي الاتجاه الإسلامية وتصورهم لأحقية الجهاد بغية الظفر بالحكم الإسلامي العاجل ، مما اضطرهم للانشقاق عن الحركة وتكوين أولى نواتات حزب «التحرير» بالأردن قبل أن ينتشر فكره وتكتسح مبادئه وبرامجه العديد من الدول الإسلامية ومنها تونس. طالما اتسمت العلاقة بين حركة الاتجاه الإسلامي و«حزب تحرير» بالمساندة والتعاون حيث جهرت الحركة في أكثر من مناسبة بحق «التحرير» في ممارسة العمل الحزبي والسياسي ورغم ذلك فان الحزب ظل لعقود محروما من تأشيرة العمل القانوني باعتباره امتدادا لحزب محظور في عدد من الدول العربية...إلى أن هبت رياح الثورات العربية جالبة معها نظاما إسلاميا يحكمها بقيادة حركة النهضة التي عانت الإقصاء من العمل السياسي لسنين طوال لتتحول بعد الثورة إلى أولى الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية الحاكمة ببلدان الربيع العربي...و حكم الأحزاب الإسلامية بدوره فرض على الساحة السياسية حزب «التحرير» الذي يحظى بشعبية كبيرة، الأمر الذي فرض حزبين إسلاميين كبيرين أولهما حاكم وثانيهما لم يعوزه قرار رفض منحه التأشيرة في مناسبة أولى من العمل المنظم وإبداء رأيه في بعض المسائل ذات الصلة بالشأن العام وفرضها في بعض الأحيان... تميزت علاقة حزب حركة «النهضة» بحزب التحرير التونسي في زمن ما بعد الثورة بالتذبذب والتوتر حد التراشق بالتهم والتكفير حينا وبالاستقرار والهدوء والاستجابة لطلبات بعضهما البعض أحيانا أخرى ، ولعل من أهم العوامل المسببة الاختلاف والائتلاف بين الحزبين الإسلاميين والتي جرّت كلا الطرفين إلى الفضاءات الإعلامية وجعلتهما يعتليان منابرها، هو ذاك القرار الحكومي بمنح «التحرير» ترخيص العمل القانوني من عدمه. حتى قرار منح «التحرير» تأشيرة العمل القانوني خلال اليومين القليلين الماضيين بعد أشهر طوال من الشد والجذب، لم يقطع مع القراءات والتحليلات التي يرى فيها بعض المحللين والمطلعين على المشهد السياسي العام أن قرار النهضة القاضي بمنح التأشيرة يعد قرارا حكيما، والمقصود منه لم شتات أبناء العائلة الإسلامية الواحدة والنهوض بالبلاد لما للعمل المشترك من إثراء وإنماء ...في حين يرى البعض أن هذا القرار هو قرار متسرع وغير محسوب وقد يكبد الحركة خسائر لا طاقة لها بها خاصة بقرب أجال الاستحقاق الانتخابي الذي لا تفصلنا عنه سوى أشهر قليلة وهو في نظر البعض تاريخ تنتهي معه شرعية الحكومة الحالية. وما فتئ «رضا بلحاج» الناطق الرسمي لحزب التحرير قبل حصول حزبه على التأشيرة يؤكد ان رفض تمكينهم منها يعود الى تأثير الحكومات الغربية ورغم ذلك فان الحكومة التي تقودها «النهضة» قد وافقت على تمكين التحرير من الترخيص وهو الامر الذي ذهب بالساسة والمحللين الى اعتبار ان «النهضة» تستخدم التأشيرة بمثابة وسيلة ضغط على حزب التحرير اما لكسب وده والتنسيق معه لخلق صورة اقوى للاتجاه الاسلامي او للحد من ظاهرة العنف والخراب التي يمكن ان يخلفها تيار سلفي لمجرد الاحساس انه ثمة من يلاحقه ويسعى الى كبح جماحه. لا يخيفنا التنافس بقدر ما يحفزنا! من جانبه اعتبر السيد «عبد الحميد الجلاصي» المنسق العام لحركة النهضة ونائب رئيسها،قرار النهضة بمنح التأشيرة لحزب «التحرير» فرصة لمزيد تطوير المشهد السياسي من مقتضيات اللعبة الديمقراطية الحقة، قائلا: «نحن في حركة النهضة نحترم مبدا التنافس السلمي ونكفله ولكننا نرفض وبشدة كل من يلجأ الى العنف وهتك الاعراض». و بخصوص ما ان كان لقرار منح التأشيرة من أثار سلبية قد تنعكس على أصوات النهضة بصناديق الاقتراع،فقد قال «الجلاصي»: «ان مناخ المنافسة يفرض على مختلف الأحزاب ان تعمل على صياغة برامجها، التحسين من أدائها والتحسين من قدرتها على الاستقطاب والوصول إلى الجماهير... لا يخيفنا التنافس بقدر ما يحفزنا ويفرض علينا التطور والتجديد، كما ان التنافس سيؤثر في جمهور الناخبين وسيفرض تفاعلا ما بين مختلف مكونات الساحة السياسية».