قدم الدكتور ماهر تريمش استاذ بالمعهد العالي للغات بتونس (قسم علم الاجتماع) مساء السبت مداخلة حول «تجليات الخطاب الديني في المواقع الاجتماعية» أثناء مشاركته بالمركب الثقافي بالمنستير في مائدة مستديرة انتظمت بمناسبة انعقاد الدورة الأولى لملتقى الإمام المازري. واوضح تريمش ان الخطاب الديني اصبح يسجل حضوره بكثافة على مواقع الشبكة العنكبوتية مقارنة بما كان عليه قبل الثورة ، مؤكدا ان الواقع الديني يشهد انفصاما واضحا على شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفايس بوك في حين يعرف الخطاب الديني تجانسا تاما يصل إلى الدعوة لتغذية العداوة مع الغرب وإلى تكفير الآخر . وبيّن تريمش ان الفايس بوك اصبح مجالا للتدين وفضاء واسعا للاشهار الديني للافراد مما جعل التدين فرديا متعلقا بالشخص اكثر من تعلقه بثقافة او حضارة او مجتمع وفي ذلك رغبة جامحة من الفرد للاعلان والاعتراف للملإ عن دينه والتعريف بنفسه بانه مسلم ملاحظا أن هذا شكل من اشكال التدين الافقي . كما بين الدكتور تريمش ان الخطاب الديني المتبادل على صفحات الفايس بوك لا يحمل افكارا وانما هو خطاب دعائي مشاعري تفاعلي يركز على الشكل دون المضمون مما جعل التدين هشا وليس فيه انخراط كبير بأصول الدين والفقه وبالحياة السياسية. وقد أجمع العديد من الحضور أثناء النقاش على ان هشاشة الخطاب الديني مقابل الضعف في علاقة الفرد بالدين جعلت العديد منا وخاصة الشباب يتسابقون على صفحات المواقع الاجتماعية نحو الخطاب الشيعي والسلفي تسابقا وصل إلى درجة التكفير والصراع في تصنيف الأشخاص من سلفي علماني وآخر لائكي حتى الوصول إلى التناحر والتقاتل وبث البلبلة والدعوة للفتنة التي قد تؤدي إلى الحروب الاهلية او تجرّ بعض المتشددين إلى الاعتداء على مقامات الأولياء الصالحين مثلما كان الحال بالنسبة لمقام السيدة المنوبية ومقام سيدي محارب بالمنستير ومقام ولي صالح بسيدي بوزيد بتعلة ان مقامات الأولياء بدعة او كفر مشيرين إلى أن في ذلك تداخلا بين ما هو ديني وسياسي. كما أشار بعض المشاركين إلى ان غياب النخبة من شيوخ الدين على الساحة التي من المفروض ان تنشر الخطاب الديني المستنير ، يعتبر من اهم الاسباب التي ولّدت خطابا دينيا سطحيا يميل احيانا إلى التكفير وحتى رفض الآخر . وفي هذا السياق دعا المشاركون إلى ضرورة تجند اساتذة العلوم الدينية ومشايخ الزيتونة لبث الموعظة والارشاد والدعوة إلى احكام العقل في معالجة مختلف المسائل والعمل على التقريب بين مختلف مكونات المجتمع على اختلاف مشاربه وإيديولوجياته. وقد انطلقت فعاليات ملتقى الإمام المازري الذي تنظمه المندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير بالتعاون مع جمعية منتدى الثقافة والحوار بتونس وجمعية منتدى الإمام المازري بالمنستير ، بجلسة علمية صباحية بعنوان «ندوة حول الابتكار التشريعي في مؤلفات الإمام المازري» برئاسة الاستاذ محمد بو هلال مدير عام مركز الدراسات والبحوث في الثقافات والأديان المقارنة. وقدم الدكتور عادل يوسف استاذ بكلية الآداب والعلوم الانسانية بسوسة مداخلة بعنوان «جرد لأهم المؤلفات والدراسات المتصلة بالإمام المازري وفكره» بيّن خلالها ان دخول الإسلام افريقيا في منتصف القرن السابع ميلادي افرز ظهور عديد الوجوه السياسية والعسكرية والفكرية والإسلامية ، سيما رمز مدينة المنستير الفقيه والطبيب والاديب الإمام المازري الذي قدم من مدينة صقلية الايطالية إلى السواحل التونسية حيث عاش في مدينة المهدية بين 453 – 536 هجري ثم دفن بمدينة المنستير اين يقبع مقامه الطاهر إلى اليوم . كما تحدث الدكتور عادل يوسف عن الصعوبات التي عرفها الإمام المازري وعن عصره وأهم مؤلفاته على غرار «المعلم بفوائد مسلم» و«التعليقة على المدونة» و«شرح التلقين في الفروع» و«كشف الغطاء عن لمس الخطا» وكتاب «فتاوى المازري» الذي يعتبر من الكتب النفيسة في الفتوى على مذهب الإمام مالك الذي تناول فيه جملة وافرة من المواضيع المهمة كالعبادات والمعاملات وبعض القضايا العقيدية والغيبية. و تحت عنوان «هاجس الابتكار التشريعي في المدرسة الفقهية التونسية: من المنوال الاصولي إلى المنوال المقاصدي» قدم الدكتور جمال الدين دراويل استاذ بكلية الآداب بالقيروان ورئيس جمعية منتدى الثقافة والحوار فكرة عن المؤسسين للثقافة الإسلامية عامة والمدرسة الفقهية خاصة بالبلاد التونسية مثل أسد ابن الفرات والإمام سحنون والإمام المازري وابن خلدون وابن عرفة وصولا إلى الاستاذ الفاضل ابن عاشور الذين اتبعوا منحى الاجتهاد والابتكار . كما اكد الدكتور جمال ان جلّ من ترجم للإمام المازري أجمع على انه مجتهد مطلقا ضمن المنوال الاصولي رغم احترامه الكبير للمذهب المالكي . وأوضح الدكتور منير الرويس استاذ بالمعهد العالي لأصول الدين في مداخلته بعنوان «الوافدون من صقلية واثارهم في افريقيا» ان جزيرة صقلية تملك موقعا متميزا في قلب حوض البحر الابيض المتوسط مكنها من ان تكون مركز التقاء الحضارات اذ ان مختلف القوى التي مرت بها وحكمتها تركت فيها بصماتها الحضارية المختلفة. وأشار إلى أن الحضور الإسلامي كان مميزا في جزيرة صقلية بما نشره المسلمون فيها من مظاهر النهضة الثقافية والعلمية ، وإلى أن قاعدتها غدت قطبا ثقافيا مشعا بالمغرب الإسلامي ساهم إلى جانب القيروان وقرطبة وطليطلة في بناء الحضارة الانسانية المترابطة عبر العصور . ودعا الحضور إلى ضرورة البحث في ذاكرة التاريخ الإسلامي بهدف تجذير مفهوم الهوية العربية الإسلامية من خلال مزيد التعريف بأعلام تونس الذين اجتهدوا في نشر الثقافة الإسلامية.