كثر اللغط والتكهنات والتجاذبات حول حقيقة الكتلة الدستورية منذ تاريخ الإعلان عن تشكلها وذهب البعض يبحث لها عن موقع في المشهد السياسي فتم تقاذفها يمينا ووسطا ويسارا دون البحث في الجذور التاريخية للحركة الدستورية وتموقعها منذ نشأتها في أوائل القرن الماضي. وفي ظل صمت رهيب لمؤسسي هذه الكتلة ومنسقها، كثرت الإشاعات وعمت الفوضى المجال الافتراضي وتعددت التصريحات النارية. فمن زاعم الى تنسيق الكتلة مع حركة «النهضة» قصد ضرب وتحجيم تواجد الدستوريين في حركة «نداء تونس» وبالتالي محاولة إضعاف هذه الحركة التي يبدو أنها بدأت تمثل قلقا كبيرا لمن يرغبون في احتكار المشهد السياسي التونسي بعد الثورة ، إلى رأي آخر يقول إن الدستوريين وبعد حالة التشرذم التي عاشوها منذ 14 جانفي 2011 التي ادت إلى تغيير كلي وعدم توازن في المشهد السياسي الحقيقي وبعد فشلهم المتكرر منذ الثورة في توحيد صفوفهم في حزب واحد نتيجة بعض التجاذبات داخلهم أيقنوا اليوم، أنه لا مستقبل لهم إلا بتوحدهم وتنسيق جهودهم قصد التأثير في الواقع السياسي التونسي ما بعد ثورة 17 ديسمبر 2010. وفي الحقيقية لم تكن هذه رغبة بعض القيادات وإنما كانت رغبة جامحة من القواعد الدستورية التي كثيرا ما عانت من هذه القيادات في الفترة السابقة من حياة الحزب الاشتراكي الدستوري ومن بعده التجمع الدستوري الديمقراطي ، لذلك كان لا بد من تشكل الكتلة الدستورية والمتكونة أساسا من ستة أحزاب ذات مرجعية دستورية أو قريبة منها وهي منفتحة ومفتوحة لكل من يرغب في الإلتحاق بها ومن يؤمن بمرجعيتها أو يتعاطف معها . منذ نشأتها أحدثت الكتلة الدستورية لنفسها تنسيقية وطنية تعمل في صمت و يديرها بإقتدار الأخ الدكتور طارق بن مبارك الذي يعتبر من خلال استقلاليته الحزبية على الأقل في هذه المرحلة على نفس المسافة من جميع مكونات الكتلة وهو ما سرع عملها وجعل النقاشات تتقدم حثيثا نوح بناء حزب دستوري المرجعية والهوى يقطع مع كل سلبيات المرحلة الماضية منفتح على غيره من العائلات الفكرية والسياسية في المشهد السياسي التونسي وقادر على تقديم نقد ذاتي جارح ومؤلم لهم في بعض الأحيان يؤسس من خلاله الى انطلاقة فعلية للحركة الدستورية والدستوريين في البناء والمساهمة في رسم ملامح تونس الديمقراطية والتعديية عبر تحقيق أهداف الثورة من حرية وكرامة . هكذا كانت الولادة العسيرة للكتلة الدستورية . فما هي الانتظارات ؟ وما هي حقيقة علاقتها بحركة «النهضة» وبحركة «نداء تونس»؟ - ينتظر الدستوريون ومن يتعاطف معهم وحتى بقية الفرقاء السياسيين في الساحة الوطنية وكذلك الملاحظون الخارجيون الظهور الأول لهذه الكتلة الدستورية وما ستطرحه ، لذلك كان من الأوكد على تنسيقيتها عقد ندوة صحفية قصد التعريف بنفسها وأهدافها وتحدد موقعها في الخارطة الجيو سياسية تبعا لما تعهدت به أمام عموم مريدي الكتلة الدستورية في اجتماع التأسيس بمدينة سوسة . - يترقب الدستوريون ومن يتعاطف معهم الإعلان الرسمي لتكوين هذا الحزب الدستوري الجامع والموحد أو على الأقل تحديد المدة الزمنية القصوى لقيام هذا الحزب حتى تطمئن القلوب ولا تتعمق هوة تشرذمهم وتنقلهم من حزب إلى آخر . - ينتظر الدستوريون وعموم النخبة السياسية قراءة نقدية من داخل الصف الدستوري للمرحلة الساسية السابقة والوقوف عند سلبياتها وإيجابياتها . - ينتظر الدستوريون وغيرهم ما سيطرحه هذا الحزب الجديد من برامج قصد معالجة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية الهشة التي تعيشها تونس وهنا تتعاظم مسؤولية الدستوريين من خلال تجربتهم في الحكم ومعرفتهم بباطن الأشياء وحقيقة الأمور . أما في ما يخص علاقة الكتلة ببعض القيادات الدستورية وغيرها وعلى خلاف ما اشار إليه الصحفي نورالدين بالطيب في جريدة «الشروق» منذ أسبوعين فوجب التأكيد على أن لا علاقة للسادة عبد الرحيم الزواري وكذلك منذر الزنايدي بهذه الكتلة الدستورية. فالأول كان بالسجن إبان تأسيس الكتلة الدستورية والثاني على ما يبدو ومن خلال الأخبار المتداولة متواجد خارج أرض الوطن منذ شهر فيفري 2011 لذلك يرجى الكف عن المزايدات والشحن غير المبررين عدا وضع العصي في الدواليب والبحث عن الإثارة والتشويه. وفي ما يخص علاقة الكتلة الدستورية بحركة «النهضة» فأجزم وأنا على اطلاع بمجريات الأمور داخل الكتلة الدستورية بأن لا تنسيق ولا لقاءات ولا تواصل إلى حد هذا التاريخ وإن كان في السياسة لا شيء يمنع الفرقاء السياسيين من اللقاء والتحاور بحثا عن التوافق وخدمة لمصلحة تونس فقط و بعيدا عن منطق الغنيمة الحزبية أو المحاصصة السياسية مع اعتقادي الجازم أن حركة «النهضة» كانت أرحم على الدستوريين من بعض فتات الأحزاب السياسية الأخرى المعروفة على الساحة دون ذكر للأسماء ، ولا أرى شخصيا أي مستقبل للتقارب بين الدستوريين وحركة «النهضة» إلا من خلال او بعد إجراء مكاشفة ومصارحة وقراءة من الجانبين للمرحلة السابقة و خاصة ال 23 سنة الفارطة . وفي كل الأحوال لا يجب أن يكون ولن يكون هناك اي تقارب مع اي طرف ضد طرف آخر مهما كانت التضحيات والتحديات وهذا ثابت وراسخ عند جميع قيادات الكتلة الدستورية. أما عن علاقة الكتلة الدستورية بحزب حركة «نداء تونس» فهذه قصة طويلة ومعقدة في نفس الوقت وتعقيداتها ناتجة عن بعض التصريحات المتعددة والمتضاربة لبعض الأصدقاء القياديين في حركة «نداء تونس» وطريقة تعاملهم مع موضوع التجمعيين داخل حركتهم وخارجها . فلقد كان أمل كل الدستوريين في أن يتجه السيد الباجي قائد السبسي منذ الإعلان عن مبادرته الأولى في جانفي 2012 إلى توحيد العائلة الدستوريية والتي لم يكن ينازعه في قيادتها أحد في ذلك الوقت وقدمت له العديد من العروض والمبادرات من طرف الدستوريين فرادى وأحزابا غير أنه خير بعد طول انتظار وترقب أن يؤسس حزبا جديدا بقيادات متعددة المشارب والأفكار السياسية ولا تمت للعائلة الدستورية بصلة ( وهو من حقه لا محالة ) بل أن من بين قياداته المقررة والنافذة اليوم من خاضوا حملاتهم الانتخابية للمجلس الوطني التأسيسي بشعارات «اجتثاث التجمعيين والدستوريين وسحلهم»، اضافة إلى المواقف المترددة والمتضاربة لجل قيادات الصف الأول فيه من موضوع التجمعيين ، حتى أن أحد قياداته طلع علينا أخيرا بمصطلح جديد لهذه الكتلة الدستورية وسمّى أهلها ومحبيها بالبورقيبيين واتهمهم بأبشع النعوت السياسية في هذه المرحلة على الأقل. شرف لنا أن نكون بورقيبيين نحن معشر الدستوريين مع اعتقادي أيضا إنه ما كان يمكن للسيد الباجي قائد السبسي أن يلقى كل هذه الهالة لو لم يكن بورقيبيا كما قالها بنفسه في اجتماع 24 مارس بمدينة المنستير ، لكن ورغم ذلك نبقى نحن في الكتلة الدستورية نعتبر أن حزب حركة «نداء تونس» حزب صديق وليست لنا معه عداوة ولنا فيه العديد من الأخوة والأصدقاء يجمعنا معهم التاريخ والحاضر ومؤشرات الالتقاء معه يسيرة وليست صعبة المنال متى توفرت النية الصادقة وغلبت المصلحة العليا للبلاد ونظرنا مليا الى الأمام بعين ثاقبة بعيدا عن الأنانية وحب الذات. وأعتقد ان توحد الدستوريين في حزب واحد يمكن أن يسهل فعليا عملية تكوين جبهة انتخابية في قادم الأشهر مع أي طرف يحترمهم وينزلهم المنزلة التي يستحقون وعليه متى عوملت الكتلة الدستورية باحترام من أي طرف فستبادله نفس السلوك باليد الممدودة والقول الحسن لما فيه خير تونس وتونس فقط ونحن بذلك لا نستجدي أحدا .