راشد الغنّوشي لم يلتق الهاشمي الحامدي... وتمويل السعودية لنا إشاعة لن نصادق على الدستور طالما لم يلبّ أهم المطالب الثورية هل سمعتم يوما ب «العريضة» توزع «المقرونة» و«القفاف»؟ النجاح الوحيد الذي حققته «النهضة» هو تجاهل أكبر قوة شعبية في البلاد جلب أعضاء حزب العريضة الشعبية في المجلس الوطني التأسيسي وكذلك البعض من انصاره لهم الأنظار على الأقل داخل مؤسسة التلفزة التونسية خلال نهاية الأسبوع الفارط وتحديدا يوم السبت 30 مارس الفارط لما قاموا بتنفيذ وقفة احتجاجية، ليست الأولى، أمام مقر التلفزة الوطنية للتنديد بما اعتبروه اقصاء ممنهجا وظالما لهم من المشهد الإعلامي العمومي. «التونسية» التقت عشية هذا التحرك الناطق الرسمي باسم حزب «العريضة الشعبية» المشهور أكثر تحت اسم «حزب الحامدي» وتحدثت معه عن هذه الوضعية وغيرها من المسائل ذات العلاقة بالراهن السياسي فكان الحوار التالي. نظمتم وقفة احتجاجية أمام مقر التلفزة الوطنية... ما هي أهم مطالبكم في هذا السياق؟ بالنسبة إلينا في حزب «العريضة الشعبية» نريد أن نؤكد على أننا مع حرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام ولنا في هذا الإطار مواقف جد مشرفة أبرزها مشروع قانون كنا قد تقدمنا به منذ الأشهر الأولى لعمل المجلس الوطني التأسيسي ينص على تجريم قضايا النشر ضدّ الصحافيين وهو مشروع لم يمرر للمناقشة إلى حد الآن نظرا لانشغال المجلس بالعمل التشريعي. ومما يحسب أيضا ل«العريضة» أنها كانت أول حزب سياسي ساند التلفزة الوطنية ضد الحملة التي شنت عليها في الفترة السابقة واتهامها ب«إعلام العار» ليلحق بنا في ما بعد «الحزب الجمهوري» و«المسار الاجتماعي» و«الكتلة الديمقراطية» وعديد الأحزاب الأخرى. وكان ذلك في إطار حرصنا على حرية العمل الصحفي وتأكيدا على أن الإعلام هو فعلا السلطة الرابعة. ومقابل كل ذلك نجد اليوم أنفسنا نواجه الأحزاب الأخرى من ناحية، والحال أن التنافس بين الأحزاب يجب أن يكون على أساس برامج أو عمل ميداني، ومن ناحية ثانية نجد الإعلام يقف ضدنا ونراه يقدم خدمات كبيرة لعديد الأحزاب بل حتى ساهم في صعود بعضها وهذا لا يخفى على أحد في حين نقصى نحن من الظهور وهذه مظلمة كبيرة نتعرض إليها. فبالنسبة ل«العريضة الشعبية»، إذا استثنينا القنوات الخاصة والتي لا أريد التحدث عنها باعتبارها تخدم أجندات خاصة لأحزاب معينة، لم يكن لها أي مرور على القناة الوطنية، التي هي مرفق عمومي يقع تمويله من عموم التونسيين، لا قبل انتخابات 23 أكتوبر ولا بعدها رغم أننا فزنا بالمركز الثاني من حيث عدد الأصوات والثالث من حيث عدد المقاعد وأثبتنا أننا حزب قوي وكان من الطبيعي أن نسجل حضورنا على القناة الوطنية وذلك ما هو معمول به في الدول الأوروبية والديمقراطيات المتقدمة على غرار فرنسا والتي يكون ظهور الأحزاب فيها حسب الترتيب الذي سجلته في الانتخابات ولكننا لسنا بمتشددين ونؤمن بحق كل الأحزاب في الظهور على قدر المساواة.. فهل طبقت القناة الوطنية هذا..؟ ونريد أن نذكّر هنا أن نتيجة الانتخابات منحت «العريضة الشعبية» قرابة ال 400 ألف صوت أي 13,8 بالمائة من عدد الأصوات ولكننا نتفاجأ اليوم بإحصائيات أخيرة تفيد أن نسبة الظهور التلفزي لحزبنا لا تتجاوز ال 1,13 بالمائة وهذا يدعو حقا للاستغراب. بخصوص حزبكم ما الذي بينكم وبين حزب «العريضة الشعبية» التيار الإصلاحي..؟ حزب «العريضة الشعبية التيار الإصلاحي» كونته مجموعة من الناشطين من بينهم محمد الذيبي. وهذا الشخص لم يكن له وجود قبل الانتخابات وإنما قدم إلينا في فترة لاحقة معبرا عن إعجابه ببرنامج «العريضة الشعبية» ومبديا رغبته في الانضمام إلينا. وبوصفه دكتورا في الاقتصاد تمكن من الصعود إلى المكتب التنفيذي لكن بعد ذلك تبين أننا نختلف معه فكريا وأراد تغيير كامل إطار الحزب ولكنه لم يستطع ذلك فأسس حزبا جديدا بنفس اسم وشعار «العريضة» خارقا بذلك قانون الأحزاب. وهي قمة الانتهازية ومحاولة بائسة من حركة «النهضة» التي لا يخفى على أحد الخلافات الموجودة بيننا للتشويش على التونسيين وضرب «العريضة الشعبية» وهذه العملية لم يقم بها حتى الرئيس السابق. ولما كان هناك خرق لقانون الأحزاب ارتأينا رفع قضية في هذا الشأن لضمان حقوقنا وسيتم النظر فيها خلال هذا الشهر وإذا ما أقرت المحكمة هذا الخرق فسيتوجب عليه حينها تغيير الاسم والشعار. لو تشرح لنا ما حصل في الفترة الأخيرة وكيف أنكم أعلنتم عن تعليق نشاطكم ثم تراجعتم عن ذلك؟ الجميع يعلم أن «العريضة الشعبية» فازت في الانتخابات الفارطة ب 28 مقعدا والذين صوتوا لفائدتنا صوّتوا لبرنامج واضح ولقائمات واضحة. ولكن وقع انشقاق بعض النواب وكان الهاشمي الحامدي واضحا في خصوص هذه المسألة وأعلن عن ذلك في عدد من وسائل الإعلام قائلا أنه لا يستطيع العمل في إطار سياسة بلا أخلاق مطالبا بقانون يضبط ويمنع ويجرم هذه الممارسات وإصرارا منه على ذلك قام بتجميد نشاطه السياسي. وقد طالبنا في المجلس الوطني التأسيسي بقانون يحمي حق الناخب التونسي ومن حسن حظنا أن لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما أقرت في ظرف وجيز هذا القانون وبذلك سيكون هناك نص دستوري يمنع مستقبلا تماما مثل هذه العمليات من التحيل على التونسيين ويضمن إرادة الناخبين وهو مكسب عظيم وضمان للانتخابات القادمة. ونحن كمكتب تنفيذي رأينا أن تجميد الهاشمي الحامدي لنشاطه أمر وجيه جدا ولذلك أيدناه وجمدنا نحن أيضا نشاطنا. ولكننا كنواب رفعنا هذا التعليق بعد إقرار القانون الذي طالبنا به في حين لا يزال رئيس الحزب مجمدا نشاطه ولكنه سيرفع هذا التجميد مستقبلا خاصة وأنه سيقع النظر في القضية التي رفعناها أمام أنظار المحكمة الإدارية ضد المنشقين عن الحزب والمطالبة بتغييرهم بنواب آخرين في الأيام القليلة القادمة. وقد أكد لنا عديد المحامين كسبنا لهذه القضية وحتى إن لم نكسبها فيكفينا أننا ظللنا ندافع عن إرادة من صوتوا ل«العريضة» وهو مكسب في حد ذاته وأقل جميل يمكننا أن نرده لأنصارنا. والجدير بالذكر وما أراد الهاشمي الحامدي أن يثبته أكثر وينبه إلى خطورته من خلال الموقف الذي اتخذه بشأن التجميد هو أن التلاعب بإرادة الناخبين يمكنه أن يسمح لأي دكتاتور أن يفرض دكتاتورية لا تمثل الأغلبية الحقيقية وظهر ذلك جليا في التصويت على الحكومة الجديدة حيث صوت 18 نائبا منشقا لفائدة حكومة «النهضة» والحال أنه لو حذفنا هذا العدد من جملة المصوتين المؤيدين للحكومة والبالغ عددهم 139 لما كانت هناك أغلبية مريحة ولبقيت فقط أصوات «الترويكا»، وهذا أمر خطير. هل ما زال للهاشمي الحامدي طموح في أن يكون رئيسا للجمهورية..؟ نحن نرى أحزابا لم تتحصل على شيء خلال الانتخابات الفارطة بل ولم تكن حتى موجودة تطمح اليوم للترشح للرئاسة فلماذا لا يحق ل«العريضة» أن تطمح لذلك وهي المتحصلة على المرتبة الثانية من حيث عدد الأصوات في انتخابات 23 أكتوبر؟ ومن صوتوا لها لم يصوتوا لاسكندر بوعلاقي أو أيمن الزواغي وغيرهما بل صوتوا للهاشمي الحامدي أضف إلى ذلك أن استطلاعات الرأي بينت أن حزب «العريضة» هو في مرتبة متقدمة ولذلك يحق لرئيسه أن يطمح بأن يكون رئيسا للجمهورية. وكيف يسوس الهاشمي الحامدي الحزب من لندن..؟ وهل سنشهد عودته إلى تونس..؟ رغم وجوده في لندن ما زالت «العريضة الشعبية» متقدمة جدا في عمليات سبر الآراء وفي العمل الميداني في مختلف الولايات وما على المقتنعين ببرنامج الحزب وبصدق رئيسه إلا أن يصوتوا لنا. أما في ما يتعلق بعودته إلى تونس فقد أوضح الدكتور الحامدي هذا الأمر عديد المرات وبين أنه لا يستطيع العمل في هذه الظروف مع من يرفضون التعامل معه، بالرغم من أنه يمثل الحزب الثاني في تونس، وقد عبر عن ذلك من يحكمون اليوم وأعلنها صراحة رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي. هؤلاء غير مستعدين لاحترام إرادة الناخبين وهذا يعني أنهم لم يحترموا جزءا كبيرا من التونسيين ويعمدون إلى تجاهل هذه القوة الثانية في البلاد. أنت قلت ان «النهضة» ترفض التحاور معكم لكن في نفس الوقت يقال أن رئيس الحركة راشد الغنوشي قد يكون تقابل مع رئيس حزبكم في لندن مؤخرا؟ لا أبدا الهاشمي الحامدي لم يلتق الغنوشي إطلاقا وما قيل من قبيل الإشاعات لا غير، والذي يعرف الهاشمي الحامدي جيدا يعرف انه لا يكذب فلو تقابل مع الغنوشي لقال ذلك بكل وضوح، كل ما حصل بينهما هو اتصال هاتفي بعد الانتخابات لا غير أما المقابلة المباشرة فلم تحصل أبدا. لنعد لبرنامجكم الضخم، من أين يأتي المال الذي تغطون به نشاطكم؟ هل حقا تتقاضون تمويلا من السعودية كما يشاع؟ نحن لا نتلقى تمويلات من أحد وهذا الكلام وغيره هو من قبيل الاشاعات المغرضة التي تهدف لتشويه الحزب وتشويه قيادته. فالذي يعتقد أننا حزب غني مخطأ فتمويلاتنا كلها متأتية من انصار الحزب ومن قياداته الذين يدفعون من مالهم الشخصي وهنا سأكشف لك سرا قد يفاجئك فنحن نواب الحزب في المجلس الوطني التأسيسي نتقاضى نصف مرتباتنا فقط والنصف الآخر ندفعه لتمويل أنشطتنا وتغطية مصاريف الحزب وملتقياته ومعاليم كراء مقراته إلخ... لكن لم يتبق من نواب الحزب بالمجلس إلا سبعة أشخاص فحسب؟ بالفعل، وكما اسلفت الذكر فقد تسببت الساحة السياسية في إخلال عدد كبير من النواب بالتزاماتهم الذين قطعوها مع ناخبيهم فقد تناسوا ان الشعب انتخبهم على أساس البرنامج الذي اعده الحزب وليس لأشخاصهم واليوم تنكروا لمن انتخبهم وانبروا يبحثون عن مصالحهم الذاتية. وبالعودة لمسألة التمويل فبالفعل نحن الآن نمر بصعوبات وحتى المكاتب التي نشغلها كمقرات جهوية للحزب لم نعد قادرين على مجابهة مصاريفها وفيها ما أغلق وما قد يغلق قريبا. فهل سمعت يوما ان حزب «العريضة الشعبية» يوزع «المقرونة» و«القفاف» على غرار الأحزاب التي تحكم البلاد حاليا؟ وكأني بك تشكّك بهذا القول في الانتخابات الفارطة؟ لا نحن لا نشكك في الانتخابات الفارطة ولكني اردت ان أبين لك أننا تقريبا الحزب الوحيد الذي شارك في انتخابات 23 اكتوبر 2011 على أساس برنامج واضح وجلي ويلتقي مع احتياجات الشعب بالخصوص على المستوى الاجتماعي أما بقية الأحزاب وبالخصوص التي تحكم في السلطة الآن فقد قدمت وعودا وأشياء لم تف بها وهو ما يؤكد ان هدفها كان السلطة ولا شيء غير السلطة أما الحزب الوحيد الذي كان له برنامج ومستعد للحكم وتلبية حاجات الناس فقد وقع تهميشه وإقصاؤه بطريقة غير مفهومة. لنبقى مع نواب «العريضة» في المجلس التأسيسي، ماهو مدى مساهمتكم في صياغة الدستور الذي طال انتظاره اكثر من اللزوم؟ حاولنا قدر جهدنا المساهمة في صياغة دستور يلبي تطلعات كل فئات الشعب التونسي ويقترب أكثر ما يمكن من مطالب الثورة التي أنجزها الشباب لكن للأسف الصياغة التي توصلنا إليها لحد الآن لا تلبي أهم المطالب الثورية مع ضرورة الإشارة إلى أن المسودة الثانية للدستور كانت مرضية بنسبة تتجاوز سبعين بالمائة على مستوى الحقوق والحريات. ما هي احترازاتكم اذن؟ لدينا عديد الاحترازات، نحن مثلا طالبنا بإدراج فصل يؤكد على حرية الحركة الطلابية وفصل آخر خاص بالمواطنين بالخارج كما طالبنا بفصل يؤكد على جودة التعليم. فاليوم هناك فوارق كبيرة على مستوى البنية التحتية في المؤسسات التعليمية بين المناطق الساحلية وبقية المناطق داخل الجمهورية أين يعاني المواطنون من قلة المؤسسات التربوية وبعدها عن مقر سكناهم وعدم توفر وسائل النقل مما يجعل العملية التربوية تواجه العديد من العراقيل ويضعف من إقبال المواطنين عليه وقلة فرصهم في النجاح كما يمكن ان نظيف لذلك مسألة الصحة المجانية وكلها امور طالبنا بها لكن لم يقع إدراجها في الدستور. وإجمالا لا يكفي أن يضمن الدستور الحقوق والحريات بمستوى معين، فالحرية لم يأت بها السياسيون بل الشعب هو الذي أهداها لهم بثورته المجيدة وطالب مقابل الحرية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ولكنها بقيت للأسف المتن الضعيف في هذا الدستور الجديد فلا معنى لدستور في تونس اليوم لا يضمن حدا أدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكل فئات الشعب. وأذكر مثلا ان من اهم مطالب حزب «العريضة الشعبية» في هذا الدستور هو حق الشغل فلابد من إدراج فصل يجبر الدولة على توفير الشغل لكل مواطن ويقر بحقه في التعويض عن هذا الحق متى حرم منه... فالدستور الجديد وبالصيغة التي وقع تقديمها به لحد الآن هو خيبة أمل كبرى بالنسبة للشعب ولعامة الناس. ونحن كنواب العريضة الشعبية سنرفض المصادقة على هذا الدستور ما لم يقع تحويره بما يحقق اهداف الثورة. وبتضمينه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي طالبنا بها بكل وضوح. ونحن نعتبره لحد الآن دستورا لا علاقة له بالثورة بل هو دستور عادي وأقل من عادي ودستور 1959 أفضل منه على العديد من المستويات. الاتحاد العام التونسي للشغل بدوره طالب في رسالة موجهة مؤخرا لمجلسكم بضرورة دسترة الحق في الإضراب ورفع القيود عنه... فما هو تعليقكم؟ نساند الاتحاد في هذا المطلب الشرعي، فهناك العديد من التضييقات المفروضة على الحق النقابي على عكس ما هو موجود في الديمقراطيات كما لدينا ضعف في مستوى شرعنة التعددية النقابية وهو أمر موكول للدستور كذلك. وبالعودة للاتحاد العام التونسي للشغل أريد ان أؤكد على ان حق الإضراب هو حق لابد أن يكفله الدستور دون سواه كما ان للاتحاد كافة المشروعية في المطالبة بذلك باعتباره أكبر منظمة نقابية في البلاد وله دور في التأطير وفي البناء. فلا احد يمكنه ان ينكر اليوم الدور الذي يقوم به الإتحاد في تأطير وعقلنة المطالب النقابية ويكفي ان أذكر ان الإضراب العام الذي شهدته ولاية الكاف كان إضرابا حضاريا ولم تسجل فيه تجاوزات وعلى نقيض ذلك كان الإضراب الذي عاشته ولاية مدنين والذي جرت خلاله تجاوزات خطيرة والسبب أن الإتحاد لم يقم بتأطير هذا الإضراب. ونحن في حزب «العريضة الشعبية» موقفنا واضح في ما يخص الدور الريادي الذي يلعبه الإتحاد العام التونسي للشغل. ما هو موقف «العريضة الشعبية» من الحكومة الجديدة... وما هي انتظاراتها منها؟ بالنسبة لحزبنا أذكر أننا وصلنا للمجلس التأسيسي على إثر انتخابات شاركنا فيها ببرنامج يقترب أكثر مما هو ممكن من انتظارات الشعب وانطلاقا من موقفنا هذا نرى أن الحكومات المتعاقبة منذ الثورة لم تحقق المطالب المشروعة التي قامت على اساسها الثورة وهو ما جعلها جميعا تفشل في تحقيق السلم الاجتماعي. وحتى حكومة الجبالي التي أتت إثر انتخابات لم تحد عن هذا الخط من حيث فشلها في تلبية المطالب الشعبية. فمن العار اليوم ألاّ توفر الحكومة حدا أدنى من الحقوق الاجتماعية وليس أقلها مطلب الصحة المجانية. فهل يعقل ان تنجح حكومة بورقيبة مع صعوبة فترة ما بعد الاستقلال في تحقيق مجانية التعليم وتفشل حكومات بعد الثورة في تحقيق مجانية الصحة مثلا؟ من جانب آخر نحن كحزب طالبنا بحكومة كفاءات تقوم بتسيير دواليب الدولة بعيدا عن كل تجاذب سياسي ويكتفي المجلس التأسيسي بكتابة الدستور ومن تأتي به الانتخابات بعد كتابة الدستور له الحق في الحكم وفق وجهة نظره. وعليه واعتبارا لكون الحكومة الجديدة لم تخرج عن نطاق المحاصصة السياسية فإنه لا يمكن ان ننتظر منها النجاح. فالأغلبية الحاكمة اليوم هي حكومة تحالف لكنها تحالفت على الفشل اختارت إقصاء خصومها السياسين في تمش غير مفهوم وغير معلل. ولابد ان أذكر هنا ان حركة «النهضة» نجحت في الوفاء بوعد وحيد من وعودها الانتخابية هو إقصاء أكبر قوة جاءت بعدها في الانتخابات حيث مازالت إلى حد الآن مصرة على ما قالته ذات يوم «نحن لن نتعامل مع هذا الحزب» وهو ما وفت به لحدّ الآن وحتى في عملية تشكيل الحكومة الأخيرة فقد خيرت تجاهل أكبر قوة شعبية في البلاد وهما حزبنا وحركة «نداء تونس» وفضلت التعامل مع أحزاب «كرتونية» لم يعد لها أي وزن في البلاد وهو ما سيؤشر على فشلها. طيب وهل لديكم على غرار بقية التيارات السياسية برنامج للدخول في تحالف ما؟ بالنسبة لنا لن نتحالف إلا مع أنصارنا ومع برنامجنا فقط. سعينا لتوسيع شبكة من الصداقات السياسية لا غير، ونحن إن دخلنا الانتخابات القادمة فإننا سنفوز وسنحصل على الأغلبية التي ستمكننا من تشكيل حكومتنا وإن فشلنا في ذلك وكنا بحاجة لتحالف مع غيرنا لتكوين الحكومة فإننا لن نتحالف مع احد إلا على أساس برنامجنا ولا شيء غيره. ما هو موقفكم من مشروع قانون تحصين الثورة الذي عاد المجلس لمناقشته مؤخرا؟ بالنسبة لنا الثورة تحصّن نفسها بنفسها وتحصن نفسها بإنجازاتها، فهذا القانون الذي وقع اقتراحه وقع تقديمه الان لإقصاء منافس سياسي بعينه وهو حركة «نداء تونس» دون سواه فمقترحو هذا القانون قالوا انهم يريدون إقصاء التجمعيين بينما هم يقومون بإقصاء كل من عساه ينافسهم. فحزب العريضة الشعبية ليس فيه تجمعيون ومع ذلك حركة «النهضة» قامت بإقصائه ودون قانون إقصاء. فقانون الإقصاء هو في الحقيقة منطق موجود في أذهان الأغلبية الموجودة اليوم لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية لا غير. والدليل على ذلك أن هذا القانون مبرمج لإقصاء الباجي قائد السبسي دون غيره وليكن في معلومك كصحافي أن «النهضة» وعدت الباجي قائد السبسي بالرئاسة بعد الانتخابات وهو بدوره قام بالترويج لها ايجابيا في عديد الأوساط الغربية والأمريكية والهيئات الدولية ولما فازت «النهضة» في الانتخابات تنكرت له مما دفعه لتكوين حزب ولما أدركت «النهضة» حجمه السياسي فكرت في إقصائه بما سمته قانون تحصين الثورة وهو ما اعتبره من قبيل «النفاق» ولكنه فات أصحاب سياسة النفاق هذه أن هذا الشعب ملّ من سياسة النفاق التي كان يعتمدها «التجمع» ونظام الحكم وقتها مما دفعه للقيام بثورة ضده لكن هذا الشعب شعب «فايق» ولن تنطلي عليه عملية التحيل هذه. وإرادة الشعب تبقى أعلى إرادة ولابد من ترك الفرصة له لإقصاء من يريد من خلال صناديق الاقتراع وسترون كيف انه سيقوم بإقصاء الأحزاب «المتأسلمة» التي رأت تونس الخراب على ايديها. أما الدليل الثاني على كون المقصود بهذا القانون فهو الباجي قائد السبسي وليس التجمعيين فهو ان هذه الحكومة قامت بالإعداد لحملاتها الانتخابية بقيادات تجمعية وبدعم من رجال أعمال فاسدين مازالوا متنفذين حتى الآن وهذا ليس بسر. فالسياسة المتبعة الان هي التجمعي اللي معايا نظيف واللي «موش معايا امسّخ» وهذا عين النفاق. ووفق تقديري اليوم لو ترك للشعب ان يحكم من خلال صندوق الاقتراع فإنه سيقوم حتما بإقصاء التجمعيين والنهضويين على حد السواء؟