تحت قيادته دمّر المقاومون 10 دبابات و17 طائرة فرنسية في ساعات بمناسبة ذكرى عيد الشهداء (9 أفريل 1938) شرعت عدة هياكل من المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات في تحضير عدة تظاهرات للاحتفال بهذه الذكرى، ومن بين هذه الفعاليات تظاهرة تندرج في إطار الوفاء لبعض أعلام النضال التونسي الذي فدوا تونس بأرواحهم وبدمائهم دون أن ينتظروا جزاء أو شكرا ومنها تلك التي تعنى بالشهيد الرائد محمد البجاوي تحت اسم «الرائد البجاوي.. الزحف نحو المربع الأخير» وهي من تنظيم الهلال الأخضر التونسي بمناسبة إعلانه بصفة رسمية عن تكوينه لفرقة ميدانية للإمدادات الإغاثية واللوجستية تحمل اسم الشهيد الرائد محمد البجاوي الذي ضحى من أجل الشعب، حيث أنه خلافا للبعض من نظرائه من ضباط معركة بنزرت لم يرض بفكرة الهزيمة والاندحار. «التونسية» واكبت معركة «الزحف نحو المربع الأخير» وبحثت في غمار شخصية الرائد البجاوي الذي مات وهو يقاتل في ساحة الوغى ضد المستعمر الفرنسي في معركة بنزرت. ولد الرائد محمد البجاوي بقرطاج بيرصة وهو أصيل عائلة عسكرية حيث كان أبوه حميدة البجاوي ضابطا بالجيش التونسي زوال تعليمه الابتدائي بمسقط رأسه وتعليمه الثانوي بالصادقية تحصل على الباكالوريا والتحق بصفوف الجيش وتحديدا بالمدرسة الخاصة العسكرية الفرنسية سان سير من الدورة 138من 1951-1953. وعلى إثر تأسيس الجيش التونسي سنة 1956 بادر الشهيد ببذل مجهود كبير في تنظيم سلاح المدفعية واظهر قدرة فائقة في هذا السلاح, كان ضمن لجنة المختصين العسكريين لدراسة المعدات التقنية لبعث النواة الأولى للجيش التونسي ونتيجة لتفانيه تمت ترقيته في 1 اكتوبر 1956 الى رتبة نقيب ثم ارسل إلى باريس ليدرس في مدرسة أركان الحرب الفرنسية ليتخرج بإجازة دولية تؤهله إلى ترقيات أخرى للتدرج في سلم الرتب العسكرية وقد كان مشهودا له بالكفاءة وعين أول قائد للمدفعية التونسية. في شهر أكتوبر 1959 تمت ترقيته إلى رتبة «بن باشي» أي رائد اصطحب الرئيس بورقيبة البجاوي في زيارته إلى فرنسا للتفاوض مع ديغول في 26 فيفري 1957 حول بنزرت خاصة بعد تصريحات جمال عبد الناصر عبر «صوت العرب» أن الاستقلال في تونس هو مجرد كذبة باعتبار أن فرنسا تستعمل بنزرت لضرب الأبرياء في الجزائر وقد طلب الزعيم بورقيبة من ديغول الخروج من بنزرت وكان رد ديغول انه سيتم ذلك في غضون خمس سنوات. حادث فتيل الحرب تعتبر بنزرت منطقة بالغة الاهمية بالنسبة لفرنسا إذ كانت تشكل احدى أضلع المثلث الاستراتيجي المتكون من بنزرت تولون والمرسى الكبير والذي كان يسمح بالسيطرة على الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط. وقد اتضحت نية فرنسا في تمديد وجودها ببنزرت لمدة طويلة عندما أقدمت على دعم تواجد قوتها بالقاعدة حيث مددت مدرج هبوط الطائرات بقاعدة سيدي أحمد حتى يمكنها استقبال الطائرات المقاتلة الجديدة عوضا عن طائرات «ميسترال» فتطلب ذلك تمديد مدرج الهبوط ب100متر خارج حدود القاعدة وداخل الأراضي التونسية لذا تم تحوير الأسلاك الشائكة على الأراضي المجاورة للقاعدة عندئذ قامت السلطات الجهوية ببنزرت باعلام السلطات التونسية وكان هذا بداية تسلسل الوقائع التي أدت إلى الحرب. في30 جوان 1961 اعترض أعوان الحرس الوطني على استمرار الاشغال وفي 1 جويلية 1961 صدر احتجاج القائم بالشؤون الفرنسية لدى السلطات التونسية وتهديده باستعمال القوة وأصبحت الوضعية التي فرضتها فرنسا على تونس تتمثل في إما سياسية الانحناء أو التهديد بشبح الحرب وقد اختارت الحكومة المواجهة رغم التفاوت الشاسع في ميزان القوى وبتاريخ 4 جويلية 1961 قام كاتب الدولة للدفاع بزيارة مفاجئة لبنزرت واجتمع بالإطارات الجهوية كما اصدر الديوان السياسي قرارا بالمواجهة قصد تحرير البلاد. في نفس اليوم قام 1000 مدني مسلحين بالمعاول بإرجاع الأسلاك الشائكة إلى موقعها الأصلي بالقاعدة, وقام مواطنون بحفر الخنادق وهذه الفكرة نسبت للجنرال الطبيب. من 6 الى 12 جويلية 1961 راسلت الحكومة التونسية باريس لطرح موضوع يخص تواجد القوات الفرنسية ببنزرت داعية اياها للحوار لتجنيب إراقة الدماء وبالتوازي مع ذلك واصل المتطوعون حفر الخنادق وتعددت المظاهرات الاحتجاجية وتحسبا للطوارئ قررت تونس وضع المستشفيات في حالة استنفار... إثر ذلك تكتلت كل القوى الحية رافعة شعار «الجلاء والسلاح» في نفس الوقت جرت بمنطقة ريّانة مناورات عسكرية واسعة النطاق شاركت فيها وحدات اسلحة المشاة وفرق المدفعية. في 13 جويلية 1961 كرد على رسالة السلطات التونسية أصدرت السلطات الفرنسية قرارا يرفض الحوار والتفاوض حول بنزرت معلنة أن المفاوضات لا يمكن أن تتم في جو من المظاهرات وكردة فعل على ذلك انتظمت مظاهرة بالعاصمة شارك فيها أكثر من 100 ألف شخص ألقى فيها بورقيبة خطبته التي أعلن فيها انطلاق معركة الجلاء. وكان بورقيبة يعلم أن الجيش التونسي غير جاهز للحرب وبدهائه السياسي قام باستعمال هؤلاء المتطوعين متوقعا انه بذلك سيشل فرنسا التي قامت بإنزال 600 جندي من المظليين ببنزرت ووضعت وحدات جوية على أهبة الاستعداد بعنابة. فرنسا تقرع طبول الحرب بدأت السلط الفرنسية تستعمل القوة وتعد بوارج حربية على طول سواحل بنزرت التي طوقت بأكملها. ويوم الاثنين 17 جويلية 1961 قرر مجلس الأمة إمهال السلطات الفرنسية 24 ساعة كأجل للركون للمفاوضة وإلا فسيقع عزل القاعدة فعليا يوم 18 جويلية الأمر لم تقبله فرنسا نهائيا وفي 19 جويلية 1961 صدرت الأوامر للقوات التونسية بفتح النار على أية طائرة أجنبية تمر بالفضاء التونسي وقد تم ذلك فعلا حيث فتحت النار على مروحية فأسقطتها وعلى بعض الطائرات الأخرى المحلقة ولكن الحرب الحقيقية كانت في آخر النهار وتحديدا على الساعة السادسة مساء. الاحداث السابقة لمعركة بنزرت عاد الرائد محمد البجاوي قبل اندلاع معركة بنزرت من مناورة قامت بها المدفعية بمجاز الباب ووصلت السرية إلى مستوى القاعدة الجوية بسيدي أحمد وكانت تنوي الالتحاق بالمدينة فاعترضتها طائرة مقاتلة فدمرتها واستشهد أكثر من ثلاثة أرباع أفرادها. اتصل البجاوي في 20 جويلية 1961 بالباهي الأدغم وزير الدفاع آنذاك واعلمه انه لا يمكن المرور إلى بنزرت لكن وزير الدفاع وعلى الرغم من محبته له أصر على إرساله إلى بنزرت وأعطاه مهمة ربط الاتصال بزملائه في المعركة فأجاب الرائد «أن الأمر صعب وان الخطة لم تعد مجدية» لكن الباهي الأدغم أصر على عودته إلى بنزرت وإمكانية مزيد التشاور مع الضباط وطلب منه أن يختار بين مكتبه وساحة المعركة. رجع الرائد البجاوي إلى منزله بصلامبو فاستحم ولبس بدلة مدنية ثم قال لامه «سي الباهي لم يفهمني بعثني للموت» ثم توجه إلى بنزرت وكتمويه لدخوله المدينة التي كانت محاصرة من قبل فرنسا ارتدى الزي المدني «دينقري» واصطحب معه ابنه الصغير الذي لم يتجاوز 6 سنوات وتسلل إلى بنزرت عبر القنال بزورق صغير وهناك شرع يبحث بين جموع المتطوعين والعسكريين عن الضباط التابعين له اعترضه جندي فسأله عن مكان وجود «الملازم أول البشير بن عيسي» فقاده إلى هناك ولما استبين الملازم الاول شخصيته قام بتحيته فبادره البجاوي «أبحث لي خوذة وسلاح» وانطلاقا من تلك الساعة نظم المقاومة ودرس محاور تمركز الوحدات العسكرية الفرنسية وجمع من حوله كوكبة الضباط الذين بقوا في بنزرت. كانت المعلومات التي تحصلت عليها المخابرات الفرنسية من المساجين والتي وجدتها في مقر قيادة المدفعية رهيبة بالنسبة إليهم حيث تبين أن الرائد البجاوي كان عازما على قصف القاعدة يوم الجمعة 21 جويلية الثالثة صباحا, الذي كان اخطر أيام المعركة حيث تلقت القيادة الفرنسية إذنا باكتساح بنزرت في اليوم نفسه مهما كان الأمر حيث كانت تريد أن تسبق المجلس وتعلن إنهاء القتال بلا شروط. في المقابل تلقت القوات التونسية امرا بأن تستميت في الدفاع عن بنزرت ومنذ الفجر حمي وطيس المعركة واقتربت القوات الفرنسية من المدينة وكانت تناور على مستوى باب ماطر لكنها واجهت مقاومة شرسة من طرف المدفعية التي كبدتها خسائر فادحة... واصلت المدرعات الفرنسية تقدمها في محاولة لاحتلال مواقع حساسة وسط المدينة فيما بدأ انسحاب المقاومة في اتجاه المدينة العتيقة لشن حرب شوارع. كان الرائد البجاوي والملازم بن عيسي... يقودان العناصر على طول المحور الرئيسي بشارع الحبيب بورقيبة وبدأت معارك الشوارع واستطاع المقاومون التونسيون تدمير 10 دبابات فرنسية اضافة إلى 17 طائرة مقاتلة بالقاعدة العسكرية سيدي أحمد وبالرغم من تأثر البجاوي للخسائر التي تكبدتها المدفعية فإنه ظل يقاتل بشراسة على مستوى ساحة الشهداء بالتعاون مع الضباط الشبان. وأثناء بحثه عن زاوية أفضل للتمركز بمنطقة البياصة ظهرت أمامه فجأة مصفحة فأطلقت نحوه وابلا من الرصاص فسقط جريحا لكنه استجمع قواه وفاجأ العدو ووجه سلاحه نحوه وأطلق عليه النار فرد عليه العدو بوابل آخر من الطلقات اصيب على أثره في أماكن متفرقة من جسده, إثر ذلك كثف مرافقوه إطلاق النار على المصفحة مما اضطرها للانسحاب وقد تعالى صياح الجنود «لقد استشهد قائدنا» إثر ذلك قام الملازم بن عيسي صحبة الجنود بسحب جسد الرائد إلى المستوصف المجاور للساحة وكان ينزف دما لاحت على وجهه علامات الموت وأشار إلى رفاقه بيده بان يتركوه ويذهبوا إلى ساحة القتال ليقع لاحقا نقله إلى مستشفى بنزرت أين لفظ أنفاسه الأخيرة. وقد شيع الفقيد في جنازة مهيبة انطلقت من ساحة الحكومة بالقصبة بحضور بورقيبة ونظرا لما أظهره الرائد البجاوي من شجاعة ووفاء له لجهاده البطولي اسند له أثناء موكب الجنازة الوسام العسكري ووسام الاستقلال وقد نقل جثمانه إلى مسقط رأسه بقرطاج وكان خروجه من منزله باتجاه المقبرة مؤثرا جدا. تبقى الإشارة إلى أنه تم أول أمس السبت بمنطقة قرطاجبتونس العاصمة ضبط خطة مراسم تكريم الشهيد الرائد محمد البجاوي في إطار تظاهرة «الرائد البجاوي.. الزحف نحو المربع الأخير» التي من المفروض أن تكون قد انتظمت أمس بمناسبة عيد الشهداء 9 أفريل... وسوف يقع نقل أرملة الشهيد من مقر سكناها بضاحية قرطاج الى مقر الاحتفالية على متن سيارة عسكرية مرفوقة بضابط برتبة رائد، هذا بالإضافة الى حضور تشكيلة من فوج الشرف التي سوف تؤمن عزف النشيد الوطني في بداية التظاهرة وعزف موسيقى سلام الشهيد في نهاية التظاهرة... وبالمناسبة يتقدم كل منتسبى الهلال الأخضر التونسي الى قيادة المؤسسة العسكرية ببالغ عبارات الاحترام والتقدير لتجاوبهم معهم في إحياء ذكرى الشهيد الرائد البجاوي وتكريم أرملته بما تستحق من احترام وتقدير... ويتقدم الهلال الأخضر بالشكر الموصول الى عناية السيد وزير الدفاع الوطني الذي ساند الهلال الأخضر التونسي.