في اطار نشاطها الرمضاني نظمت ليلة اول امس «حركة وفاء» محاضرة فكرية بعنوان «حاجتنا الى فكر دولة « بمقرها المركزي بالعاصمة افتتحها رئيسها «عبد الرؤوف العيادي» وحضرها قياديو الحركة واعضائها بالمجلس الوطني التأسيسي. وأكد العيادي في مداخلته ان بلادنا تمر بمأزق حقيقي نتيجة السنوات العجاف التي خلت وما رافقها من تصحر سياسي على امتداد60 عاما حسب تقديره , مضيفا ان الوضع الحالي يحتم على كل سياسي استنباط حلول ومقترحات للنهوض بواقع البلاد وبناء مجال سياسي نقي يتوج بدولة ذات اسس صلبة, قائلا: «بعد هروب الطاغية غلب التجاذب الايديولوجي وانشطر المشهد السياسي على اساس عقائدي : مسلمون وعلمانيون ... وليس لدينا سياسيون لهم تجارب ورصيد من البرامج والاستراتيجيات ...» و اوضح العيادي ان تونس افتقدت الى كيان الدولة طيلة الحقبتين البورقيبية والنوفمبرية وتواصلت بعد الثورة بسبب الاستعانة بخبراء في القانون والقانون الدستوري واقحامهم في الحقل السياسي والحال ان لاعلاقة لهم بهذا المجال , مشيرا الى وجود حلقة مفقودة في المسار الذي مرت به تونس منذ سقوط النظام السابق وهو مسار الثورة , مقترحا عقد سلسلة حوارات واجتماعات لبحث برامج الثورة وخياراتها ومناقشة مشاريع اصلاحية , مضيفا: «مسار الثورة يكون البوابة لبناء المشهد السياسي وهذا لم يحصل ... وانما وجدت حرب مبكرة وصراع مفتوح بين عديد الاطراف ...» وارجع العيادي بروز الصراعات والحركات الايديولوجية على سطح الساحة السياسية الى استحالة ممارسة العمل الحزبي زمن بن علي مما نتج عنه ولادة المعارضة الشكلية واحزاب القصر . الثورة لم تقم من أجل الشغل والخبز وفي سياق متصل ابرز رئيس «حركة وفاء» ان الساحة السياسية بعد الثورة شهدت دخول نخبة خالية من السياسيين المحنكين القادرين على تعديل مسار الثورة , مبينا وجود قوى دولية في مقدمتها فرنسا وبالاشتراك مع قوى من حزب التجمع المحل غزت الساحة الوطنية بغية عرقلة البناء السياسي , قائلا: «لقد اسموه ربيعا عربيا وافرغوه من اي اشارة تدل على الثورة واستحقاقاتها ...». ورأى العيادي ان الثورة اندلعت ضد مشروع تغريبي فاشل جثم على صدور التونسيين عقودا عمل على ضرب «جامع الزيتونة» وانتهج سياسة تجفيف المنابع وسعى الى تكوين عقول غربية من خلال تسليط رقابة على المساجد مما تولد عنه بروز تيارات تعنى بالدفاع عن الهوية العربية الاسلامية للمجتمع , مضيفا : «الغزو الثقافي جعل قضية الهوية تطرح ... الثورة لم تقم من اجل الشغل والخبز , يجب ان ننظر الى حركة المجتمع بعد الثورة حتى نفهم, هناك موجة كبيرة من التدين وأراد الشعب استعادة دوره ...». وفي هذا السياق اعتبر العيادي ان الزعيم «الحبيب بورقيبة» اراد صناعة امة حسب تصوره الخاص وتمثله للواقع وانه يرى التيارات الاخرى مجرد كم مهمل من الذرات مضيفا ان هذه الفكرة تواصلت في عهد بن علي الذي اتى بنظرية جديدة تقوم على تحويل المجتمع الى صلصال حتى يسهل تحويله وتطويعه , مضيفا: «هذه النخبة التي ادعت البناء تحمل فكرا استعماريا وصائيا ...». هناك من حول الثورة الى لعنة وكشف رئيس حركة وفاء ان بعض الاطراف بالتعاون مع وسائل اعلامية حولت الثورة الى لعنة وعملت على ادخال اليأس والاحباط في نفوس التونسيين من الثورة , مضيفا ان الاعلام لا يهتم سوى بالقضايا الهامشية التي لا تهم الشعب في شيء . وبخصوص ما يحدث في مصر قال العيادي ان ما يحصل هو رشوة لما اسماه عصابة وللجيش من اجل اسقاط الحكم , قائلا : «الجيش ليس ملتزما بالدفاع عن مصر وانما عن اتفاقية كامب ديفيد وحماية اسرائيل ... مصر ليس لها سيادة على اراضيها وتنتظر موافقة اسرائيل حتى تدخل صحراء سيناء ...». كشف أرشيف النظام السابق لمعرفة الحقيقة وطالب العيادي بضرورة فتح ملفات النظام السابق وكشف اسراره وفتح ارشيف عدد من الشخصيات , لمعرفة عديد الحقائق التي ظلت طي الكتمان ولتهيئة المناخ المناسب للمحاسبة , مجددا دعوته الى تفكيك منظومة الاستبداد والفساد . و في سياق آخر هاجم العيادي انظمة الحكم التي كانت قائمة قبل الثورة معتبرا انها دكتاتورية غايتها خدمة الفرد الواحد والحزب الاوحد , مشيرا الى ان النظامين السابقين لم يمتلكا تصورا للدولة ورؤية او مشروع واضح للبلاد وان خطاباتهم كانت تجيب على على مشاكل آنية وغير متواصلة في الزمن . المسجد لا يجب ان يكون محايدا أمام مجتمع مريض و عارض رئيس حركة وفاء بشدة فكرة تحييد المساجد التي اطلقتها مجموعة من الاحزاب السياسية والنأي بها عن العمل الحزبي, قائلا: «لا يمكن تحييد المساجد امام مجتمع مريض فهي مجعولة لإعادة الاخلاق والقيم ... انهم يتخوفن من المساجد ويعتبرونها مصدرا للارهاب شأنهم شأن القوى الخارجية . لدينا «حزب فرنسا» وله مشكلة مع الشعب و انتقد العيادي بعض الاحزاب السياسية التي اعتبرها تتخذ من فرنسا نموذجا وتتبجح بالديمقراطية والحرية مع انها لا تمتلك برنامجا سياسيا واضحا , حسب تعبيره. واعتبر ان هذه التشكيلات الحزبية التي تضم رموزا من النظام السابق كثفت زياراتها الى فرنسا في الآونة الاخيرة دون ايلاء اي اهتمام لقضايا المجتمع, قائلا : «لدينا حزب فرنسا ولا علاقة لهم بتونس , هؤلاء لهم مشكلة مع الشعب التونسي ومؤسساته ...» متهما هذه الاطراف بحياكة مؤامرة لاجهاض البناء السياسي والديمقراطي بالتعاون مع فرنسا على حد قوله . منتصر الاسودي