اثر انتهاء الرؤساء الثلاثة من القاء كلمتهم الخاصة بالاحتفال بالذكرى السادسة والخمسين لعيد الجمهورية، وإعلان رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر رفع الجلسة العامة الممتازة، نزل الخبر الصاعقة الذي حوّل عيد الجمهورية إلى مأتم، عيد جمهورية ملطخ بدماء الشهيد محمد براهمي الأمين العام السابق لحركة الشعب ونائب المجلس التأسيسي. فبعد أن أعلن مصطفى بن جعفر عن رفع الجلسة، خرج النواب إلى بهو المجلس ككل مناسبةللإدلاء بدلوهم في ما يتعلق بالذكرى السادسة والخمسين لعيد الجمهورية، غير أن المفاجأة كانت في انتظار الجميع، مفاجأة لم تكن في الحسبان أحدثت حالة من الهلع والحزن والأسى في قلوب الجميع، إنه خبر اغتيال زميلهم وصديقهم النائب محمد براهمي. الخبر نزل كالصاعقة وأحدث رجة داخل المجلس التأسيسي، حتى أنه فاجأ وزير الداخلية لطفي بن جدو أحد المدعوين للاحتفال بعيد الجمهورية والذي غادر المجلس في لمح البصر والصدمة تعلو محياه في اتجاه الوزارة لمتابعة الحادث الأليم. الكل بكى من هول المفاجأة بعدما أكدت الخبر النائبة الأولى لرئيس المجلس محرزية العبيدي للنواب الذين تأكد لديهم اليقين بعد أن كانوا يتخبطون بين الشك والحقيقة، لتتحول تصريحاتهم الإعلامية من موضوع الاحتفال بعيد الجمهورية إلى حادثة اغتيال الشهيد محمد الرباهمي. جريمة في حق البلاد ومؤامرة على تونس وفي تصريح له قال الأمين العام لحركة «النهضة» حمادي الجبالي إن اغتيال محمد براهمي جريمة في حق البلاد واصفا اياهابالخطيرة جدا خاصة أنها حدثت في يوم تحتفل فيه تونس بعيد الجمهورية. كما اعتبر رئيس كتلة «النهضة» الصحبي عتيق اغتيال الشهيد محمد براهمي مؤامرة على تونس مشيرا إلى أن توقيت الاغتيال لم يكن بمحض الصدفة إنما هو لمحاولة الارباك وافشال الثورة التونسية لأنها التجربة الوحيدة التي بقيت مضيئة بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى التي شهدت ثورات. وأضاف أن أعداء الثورة وأعداء الجمهورية هم من خططوا ونفذوا عملية الاغتيال، وقال في ذات السياق «لا يمكننا إلا أن ندين هذه الجريمة لأنها تمهد لجريمة أفظع وأكبر ألا وهي اغتيال المسار الديمقراطي وادخال البلاد في المجهول». من جهته أكد النائب عن «حركة وفاء» أزاد بادي أن اغتيال الشهيد محمد البراهمي هي رسالة واضحة وصريحة في عيد الجمهورية مفادها أنه لا يراد لتونس وللثورة التونسية خيرا وأن هناك أطرافا تعمل جاهزة على افشال هذا المسار بكل الطرق حتى وإن كانت بإراقة الدماء التونسي من جديد. وأضاف أنها رسالة إلى النخبة السياسية حتى تنأى عن تجاذباتها وحساباتها الحزبية الضيقة وأن تبحث عن أرضية توافق تكون فيها راية تونس هي الجامع، كما أنها رسالة إلى رئاسة الحكومة ووزير الداخلية لضرورة اماطة اللثام عن قتلة شكري بلعيد بالأمس ومحمد براهمي اليوم حتى لا يتواصل مسلسل الاغتيالات فيظل بطله مجهولا، على حد قوله. وبدوره اعتبر رئيس كتلة التكتل المولدي الرياحي أن اغتيال الشهيد محمد براهمي هو اغتيال آخر لصوت حر داخل المجلس التأسيسي خاصة أن جرح الشهيد شكري بلعيد مازال ينزف. وأشار إلى أن مسلسل الاغتيالات يستهدف تونس كلما تقدمت خطوة نحو إنهاء المرحلة الانتقالية وأضاف قائلا «ان كانت رسالتكم إسكاتنا بالدم فرسالتنا ستكون الوحدة والمضي قدما نحو إنهاء المرحلة الانتقالية وعلى أجهزة الأمن والاستعلامات ان تبذل قصارى جهدها لإلقاء القبض على هؤلاء المجرمين المتآمرين على تونس». ودعا الرياحي كل القوى السياسية في تونس داخل المجلس وخارجه إلى التوحد من اجل إفشال كل المخططات التي من شأنها أن تستهدف تونس وثورتها. إخماد الأصوات المناهضة للحكومة غير أن النائب المستقل هشام حسني، أبدى استغرابه متسائلا «لماذا يقع اغتيال كل صوت مناهض للحكومة» مشيرا إلى أن الشهيد محمد براهي كان من أكثر الأطراف معارضة لها. وأضاف حسني أن الأطراف التي أقدمت على اغتيال براهمي في ذكرى عيد الجمهورية إنما تريد توجيه رسالة معينة، خاصة أن وزارة الداخلية لم تتوصل إلى حد اليوم الى الكشف عن قتلة بلعيد مما يطلق العنان للعنف والاغتيالات السياسية، بينما ذهبت النائبة عن المسار الديمقراطي نادية شعبان إلى أبعد من ذلك متهمة حركة «النهضة» بضلوعها في هذا الاغتيال. من جهته قال النائب عن حزب العمال حطاب البركاتي إن عيد الجمهورية قد تلطخ بالدماء، مشيرا إلى أن الحكومة لم تسع قيد أنملة للكشف عن الاغتيال الأول. وأضاف أن خطابات الرؤساء الثلاثة تمحورت حول رفضهم الزحف على الشرعية متسائلا عن أي شرعية يتحدثون ولماذا يستهدف مناضلو «الجبهة الشعبية»؟. وذكّر النائب عن الكتلة الديمقراطية فؤاد ثامر بسعي المعارضة في كل مرة إلى تنبيه الحكومة إلى ضرورة التصدي للجماعات الارهابية التي تريد ادخال البلاد في ما لا تحمد عقباه، مشيرا بكل أسف إلى أن «الأيادي المرتعشة التي تحكم البلاد تتعامل مع هذه المجموعات بتراخ كبير»، على حد تعبيره. واضاف أن التراخي في التعاطي مع ملف اغتيال شكري بلعيد هو الذي أوصل البلاد إلى اغتيال سياسي ثان. وتجدر الإشارة إلى أن الرؤساء الثلاثة شددوا في خطاباتهم على مسألة الشرعية فقد أكد بن جعفر أن الشرعية كانت ومازالت وستبقى في كل الأوقات والمراحل الصعبة السفينة المنقذة للجميع وتحول دون انفراط العقد الاجتماعي وتمنع السقوط في الفوضى والانهيار إلى بؤر الفتنة المدمرة. كما أكد رئيس الحكومة علي العريض أن ثمن انزلاق الأوضاع نحو العنف والفوضى أو الفراغ سيكون الالتفاف على الثورة وعلى التجربة الديمقراطية الناشئة. من جهته شدد رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي على أن المجلس الوطني التأسيسي قام بدور كبير في تمثيل الشرعية ، مشيرا إلى أنه لولا المجلس لكان الشارع هو الذي يتفجر فيه الاحتقان.