أن جهاز مخابرات المخلوع لا يزال يعمل حتى هذه اللحظة، ويدير المشهد ويخترق كافة الأطراف سواء مؤسسة الدولة أحيانًا أو المشهد الثوري أحيانًا أخرى ثم يصدر لنا هذه المشكلات التي لا تزال تنفذ وفق خطة نظام المخلوع، وهؤلاء رجال مبارك الذين كانوا يعملون في جهاز المخابرات يعملون حتى الآن ويخترقون هذا المشهد، أن المشهد يتكرر مرة أخرى، فما بدأ في 28 يناير 2011م مع القناصة وما تم من حرق أقسام الشرطة وتهريب المساجين وإثارة حالة الفوضى في البلد هو نفس المشهد الذي يحدث الآن من إثارة الفوضى عند ماسبيرو ومحمد محمود وأمام مجلس الوزراء وفي بورسعيد، وأكد أن اختراق المشهد يتم عن طريق استغلال العواطف، أنها يمكن أن تكون دينية بين مسلمين ومسيحيين، وهي ما رأيناه في إمبابة وأطفيح، وأحيانًا تكون وطنية مثل ما حدث أمام السفارة الصهيونية، وأحيانًا أخرى تكون سياسية بين الأطراف كما رأيناها مؤخرًا رياضية. أن بعض قيادات جهاز المخابرات التابع لنظام مبارك يعاونه مجموعة من قيادات أمنية بعضها لا تزال موجودة في الداخلية والبعض الآخر خارج موقع المسئولية ولكن لديه معلومات، وقيادات أمنية أخرى كان بعضها جزء من توظيف البلطجة طوال السنين الماضية، أن خريطة البلطجة عندنا خريطة سياسية ومعروفة لدى رجال المباحث في كل مكان في مصر...وفي النهاية يأتون بمحمود وجدي لكي يعيد إنتاج وزارة الداخلية ؛ هذا الذي قال فيه حبيب العدلي ( وسمعته بأذني في أحدي الحفلات الخاصة حينما سأله أحد المداهنين عنه ) قال – محمود وجدي ده جزار في المباحث كنت حاطه كل يوم يروح يقتلي واحد جه في يوم قتل أبن واحد معرفه وكان هيخليها لنا ضلمه قلت أوديه السجون ؛ بقي يقلع للمساجين هدومه وكل يوم قاتل ده وكاسر رجل ده ومعور ده ؛ قلت بقي أكفياه – وهو حبيب العدلي مؤمن عندكم واسألوه والكلام عليه شهود ؛ أنا لا أعرف شخصيا محمود وجدي هذا للحق ولكن الكلام ده سمعته بودني ؛ ولا أعرف أيضا إذا كان محمود وجدي هذا هو المقصود أم غيره وإذا كان هناك محمود وجدي أخر فعل ما قاله حبيب أم لا ؛ فالمسئولين عن تحري ذلك يروحوا يتحققوا من الأمر ؛ نحن نتكلم عن وقائع وليس خيالات ؛ أما والواضح من محمود وجدي هذا أنه في أول عهده ارتكبت مجزرة التحرير ثم والواحات ثم وديروط هذا عدي حوادث القنص فلماذا لا يحاسب عن ذلك ؟ وهل هذا بمقدوره أن يعيد مؤسسة وزارة متيرفض؛جهاز متخم بالفساد كهذا الجهاز ؟ ثم ؟ وان كان سيتم بطريقة حديثة وسليمة فسوف يرفض ؛ وإذا وعلي أيه لماذا لا يوضع دستورا جديدا للبلاد ؟ ود . لم تكن الجماهير المصرية لتحتشد من جديد في ميدان التحرير في القاهرة وتستمر في تظاهراتها في العاصمة ومدن مصرية أخرى، لولا هذا الشعور المتولد لديها: بأن الثورة المصرية في خطر حقيقي، فحجم المنجزات منذ تسلم المجلس العسكري لزمام الأمور،لا يتواءم وحجم التضحيات التي قدمها الشعب المصري ولا يلبي الآمال التي عقدتها هذه الجماهير على التغيير. المجلس العسكري المصري وفي أسابيعه الأخيرة، مستاء تماماً من تجدد الحركة الشعبية وتظاهراتها وهو على استعداد لمواجهة كل ما يعتبره خرقاً للقانون، لأنه يرى فيها: قفزاً على السلطة، وهو يرمي بثقله اللامحدود وراء رئيس الوزراء المعين عصام شرف، وهذا الأخير وعلى ما يبدو يعمل على نارٍ هادئة، فلا القرارات التي اتخذها (بالتوافق مع المجلس العسكري بالطبع)، راديكالية ثورية، ولا التصدي لرجالات وأزلام النظام عملية قائمة، فهؤلاء لا يزالوا متنفذين ويعملون من أجل ثورة مضادة تُبقي القديم على قِدَمه وتُعيد مصر إلى العجلة الأمريكية - الإسرائيلية. ربما تكون إنجازات الثورة المصرية تتلخص: في الاستفتاء على الدستور في 19 / مارس وفي تحديد مواعيد (قابلة للتمديد) للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهذه كلها كان الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك سيوافق عليها في أية مساومة. قد تعتبر من الإنجازات أيضاً: تلك المحاكمات لبعض رموز النظام السابق على ما اقترفوه من فساد ونهب للأموال العامة، وما سببوه من ضحايا من خلال الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين، لكن الأحكام القضائية على هذه التهم من وجهة نظر الشعب المصري، مائعة ولا تتناسب مع حجم الجرائم التي ارتكبت بحق المصريين. أما ما يجري الحديث عنه: من تهم موجهة للرئيس ولنجليه ولزوجته، فتفيد التقارير بأنها ليست أكثر من رتوش يراد منها الإيحاء بجدية في توجيه التهم للرئيس وعائلته، وتفيد أيضاً نفس الأنباء والتقارير بأن حسني مبارك يعيش في القصر الرئاسي في شرم الشيخ معززاً مكرماً، وأن مجرد الحديث عن نقله أو زوجته إلى السجن يتبعها رأساً حديث عن تردي الأحوال الصحية للمعني ومنها ما تردد عن اصابته بغيبوبة، الأمر الذي يكون مبرراً لإبقائه على نفس الوضع. كثيرون من المراقبين يعتبرون: أن ترشيح نبيل العربي إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، هو محاولة لإبعاده عن الخارجية المصرية باعتباره وطنياً راديكالياً نال رضى قوى التغيير والثورة المصرية. نقول هذا لأن خلفه محمد العرابي (الذي استقال حديثا هو وأربعة وزراء آخرين) ومن خلال الأسابيع القليلة في منصبه تبين: أنه من مدرسة وزير الخارجية الأسبق أبو الغيط، المعروف عنه: دفاعه الشديد عن علاقات مصر مع إسرائيل ومع الولاياتالمتحدة ومع الدول الغربية عموماً، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان: مرحلة الرئيس مبارك. من زاوية ثانية: صحيح أنه لم يُسجّل على الجيش المصري انحيازه لنظام مبارك، وأنه لم يمارس القمع تجاه مظاهرات ثورة 25 يناير،غير أن وجهة نظر أخرى تستحق الاهتمام وهي تقول: بأن المجلس العسكري المصري برئيسه وأعضائه، هم حصيلة مرحلة مبارك، فهو من اختارهم في مناصبهم وبالتالي هم يُحسبون على النظام السابق لا على الثورة، الأمر الذي يشي بأن سقف المجلس العسكري المصري هو إجراء بعض الإصلاحات على مسيرة النظام السابق، وليس إجراءات القطع مع النظام المخلوع، وشتان ما بين المسألتين. كثيرون تصوروا بعد انتصار الثورة المصرية بأن المجلس العسكري الحالي هو شبيه بمجلس قيادة الثورة بعد انتصارها في يوم 23 يوليو 1952،حتى أن وجهات نظرهم ساوت بين الثورتين. بموضوعية نقول: لا يمكن مقاربة الثورتين، فالأولى قام بها ضباط أحرار، نُظموا بشكل سري ولم يكونوا من صنيعة عهد الملك فاروق، ثم بعد الثورة: كان القطع بالتمام والكمال مع العهد السابق شكلاً ومضموناً، شكلاً من خلال تحطيم آلة الدولة في العهد السابق، ومضموناً من حيث السياسة والشكل الاقتصادي والاجتماعي والمسلك الثوري الجديد جملة وتفصيلاً المختلف تماماً والمعاكس تماماً لشكل ومضامين هذه المجالات في العهد السابق. بالتالي لا يمكن للمجلس العسكري الحالي أن يكون بذات مضامين مجلس قيادة الثورة بعد 23 يوليو 1952. ولأنه لا يمكنه ذلك فالمجلس العسكري الحالي، هو أولاً وأخيراً جاء من رحم نظام مبارك، فمن الطبيعي أن يرى أسس هذا النظام فيما يتوجب أن يجري التمسك به مع وجود بعض المظاهر الإصلاحية. صحيح أن تصريحات المجلس العسكري تؤكد 'أنه سيسلم السلطة إلى سلطة منتخبة'، ولكن أيضاً فإن أقصى طموحات المجلس هو تسليم السلطة إلى شَكِلْ مَحسَّنْ من نظام مبارك، من هنا فإن التناقض القائم حالياً بين المجلس وبين الجماهير الشعبية المصرية هو تناقض منطقي، وكان بالضرورة أن يصل إلى شكل الصدام السلمي الحالي، والذي نرجو أن لا يتحول إلى شكل صدامي دموي آخر. من زاوية أخرى، فإن المستقبل بتحقيق منجزات الثورة مرهون في جزء كبير منه، بالحركة الشعبية المصرية وبمدى وعيها ووحدة شعاراتها وخطواتها، وهذه الحركة تظل بمثابة صمام أمان التغييرات في مصر. هذه الحركة يمكن القول أنها منقسمة إلى أربعة اتجاهات عامة: حركة الشباب وهي وطنية عفوية،القوى الوطنية والتقدمية المصرية (أحزاب وطنية عامة، قومية، يسارية) الإخوان المسلمون، الرابع والأخير هو الاتجاه السلفي. الجزءان الأخيران سجلا نجاحات لا بأس بها في استفتاء 19 /مارس. وإذا ما طرحنا السؤال:هل يمكن لكل هذه القوى الاتفاق؟ الجواب نعم ولا. نعم، من خلال الاتفاق على مرحلة التغيير. لا، من خلال الاتفاق حتى النهاية وفي كل المراحل. مرحلة التغيير والهدف منها الوصول إلى قيادة ثورية منتخبة، يمكن لكافة هذه القوى الاتفاق على شعاراتها، أما بالنسبة للمراحل الأخرى (تجاوزاً نقول: النهائية) فيمكن الاحتكام خلالها إلى صناديق الاقتراع، وليقرر الشعب المصري شكل الحكم الذي يريده، فهو في النهاية من يتحمل مسؤولية هذا الخيار. المرحلة التي تمر بها مصر، مرحلة حرجة ودقيقة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. الآفاق مفتوحة على سيناريوهات عديدة، منها ما هو قاس وشديد الألم، ومنها ما هو شعبي، ديمقراطي ثوري. مصر بحجمها الديموغرافي والجغرافي والمنطقي هي الدولة العربية الأكبر والأقوى، بالتالي فنتائج مرحلة التغيير فيها ستؤثر على نتائج الثورات في كل دول الثورات العربية، وسيعتمد على نتائجها بالضرورة, طبيعة الصراع العربي-الصهيوني، والعلاقات مع الولاياتالمتحدة والدول الغربية عموماً، ومن الطبيعي أن تدعم كل هاتين الأخيرتين حكماً محسناً من نظام حسني مبارك. يبقى القول: أن ثورة مصر في خطر حقيقي.