سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المفكر العربي محمد جابر الأنصاري في حديث خاص : للزمن التونسي في مجتمعاتنا العربية ما زلنا لم نفصل قضايا كثيرة عن الماضي مجتمعاتنا العربية مبنية في أغلبها على أنظمة قبلية تحول دون تطورها المنشود
هو أحد المفكرين العرب الكبار، صاحب تآليف عديدة في علم الاجتماع والعلوم السياسية... وهو أستاذ جامعي بجامعة الخليج العربي بالبحرين، من آخر تآليفه كتاب "الفكر العربي" وصراع الأضداد الصادر في بداية 1998 وصاحب بحوث عديدة منشورة بأهم الدوريات العربية... التقيناه في بيروت، وحاورناه في عديد المسائل... وقد أكد إيمانه بقدرة الشعوب على التطور شريطة انخراطها الواعي في مسيرة التحول العالمي... وفي ما يلي الحوار الذي أجريناه معه : الدكتور محمد جابر الأنصاري... في البداية نود أن نعرف رأيكم في دور المثقف العربي في الظرف الراهن وفي ضوء التحولات الكبرى التي يشهدها العالم ؟ أنا أعتقد أن أهم دور يجب أن يقوم به المثقف العرب اليوم هو الدور المعرفي، وأنا أسمي المرحلة الحالية بعد هزيمة 67 مرحلة ثورة العلوم الاجتماعية فالمنحى الاجتماعي في الفكر العربي كان أضعف المناحي إلى ما قبل هزيمة 67. إذ كانت فيه الغلبة للجانب الإيديولوجي والجانب الذاتي والجانب الشعري والجانب الأدبي... والذي كان غالبا في الثقافة العربية الحديثة هو التفكير الاجتماعي الرصين الذي يدرس خصوصية المجتمع العربي... وأعتقد أن المثقف العربي إذا قصر في القيام بالجانب المعرفي تكون كل الأدوار الأخرى منقوصة. ما هي العوائق التي تحول دون تطوير المجتمع العربي حسب رأيكم ؟ نلاحظ عودة النظام القبلي في المجتمعات العربية لأنها القوة الفاعلة رغم وجود مقومات أخرى فاعلة أيضا في الدولة كالبرلمان... وهذا الواقع هو واقع تاريخي، وأول شرط لتطويره هو أن تدرسه بموضوعية وألا نتهرب من هذا الواقع فالمعضلة التي نعاني منها وتعوق تقدمنا هي أن الخطاب العربي لا يسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية فنحن نتكلم عن الوحدة العربية وهي تصور نبيل، ولكن هناك عوامل عديدة تعرقل تحقيقها، مما جعل من المواطن العربي إنسانا وحدويا في جانب من تركيبته وانفصاليا في نفس الوقت... ولذلك أدعو إلى دراسة هذا الواقع قدر الإمكان لنترك الرغبات والشعارات والإيديولوجيات جانبا حتى نستطيع أن نتقدم وأنا أعتقد أن أية حركة سياسية وإصلاحية تتجاهل هذا الواقع سوف يمنى علمها بالفشل لأن الوقع يجب أن يكون منطلق الجميع لنتجنب الأخطاء لا بد أن ننظر إلى هذا الواقع بموضوعية... ومن هذا المنطلق أنبه إلى خطورة ظاهرة انفصال المدينة عن الريف في المجتمعات العربية وترك الريف بدون عناية وأعتقد أن من أشد الأخطار على تطور الشعوب العربية هو ترك الهوة الكبيرة بين المدينة والريف. يقول ابن خلدون "الإنسان مدني بطبعه" فهل يعني ما ذكرتموه غياب البعد المديني في تكوين الإنسان العربي ؟ البعد المدني بمعناه المدني هو بعد غائب لأن المدينة في بداية النهضة العربية اهتمت بتكوين نفسها، وترك الريف مهمشا، ولم يعمل حسابه لتنمية الريف فإذا ترك على حاله فسوف يأتي يوم يزحف فيه هذا الريف على المدينة مشكلا خطرا كبيرا. ما هي أدوات تحصين المدينة من غزو الريف حسب رأيكم ؟ أولا نؤكد قيم المدينة في المدينة العربية التي لها مواصفات معينة في الإنتاج الاقتصادي وفي التفكير الفعلي وفي الثقافة وفي العلاقات عندما تكون المدينة مدينة بالفعل ولا تعيش في ظل ريف مصنع، ونحن نعرف أنه عندما ظهرت المدينة في الريف في أوروبا... كان من أهم التطورات أن ظهر في المدينة التي ندافع عنها وأنت تلاحظ معي أن كلمة مواطن في معانيها الغربية تعني المدني le citoyen هي مشتقة من كلمة cité، إذن فالمواطن ابن المدينة الحق فإذا أردنا بناء مجتمع حديث يجب أن نبدأ ببناء المدينة ونحن نلاحظ بروز البعد المدني في تركيبته لدى عديد الشعوب العربية مثل المغرب وتونس ومصر... فالمدينة في هذه الدول هي مفهوم حضاري وثقافي قائم الذات وهذا يساعد هذه الشعوب على التطور والتقدم. دكتور أثرتم في ردودكم مسألة العولمة كيف تنظرون إلى هذه المسألة ؟ أولا العولمة هي واقع مفروض وظاهرة تاريخية ويجب ألا نبدأ بمعاداة هذه الظاهرة فنحن يجب ألا نعادي التقدم العلمي بدعوى التحصن ضد أخطار العولمة، ذلك أن كل حضارة تملك وسائل سيطرة تستعملها في مد نفوذها. ونحن كمسلمين كنا أصحاب مبادرة في هذا باعتبار أن الإسلام حاول أن يعولم العالم... واليوم يحاول الغرب أن يعولم العالم ولا بد أن نساير هذا التطور ونستعد له. نحن نخشى أن تكون العولمة تبعية للغرب في بعض معاينها ؟ التبعية تنشأ من ضعف المجتمعات الأخرى وليس هناك من حل لمواجهة العولمة إلا بتطوير الإمكانيات الذاتية لأنها زحف قادم حتى نقدر على المنافسة... فهل نستمر في هجاء هذه الظاهرة مثلما هو سائد اليوم في الخطاب العربي ؟ نحن هجونا الاستعمار ونحن نهجو العولمة... لذلك أقول إن سلاح مقاومة العولمة ليس الهجاء... هو تحصين أنفسنا بما يكفي، ودعني أعود إلى الواقع لأقول لك أن أهم حصانة ضد العولمة هي تطوير الواقع العربي، وأنا أعتقد أننا أمة عربية لم تحسم علاقتها بالتاريخ اليوم وما زال هذا التاريخ يحكمها. هل نحن ماضاويون يا أستاذ بمعنى أننا ننظر إلى الماضي أكثر مما ننظر إلى المستقبل ؟ أنا أقول أننا ما زلنا نضيع وقتا كبيرا في حسم مسائل الماضي وتتبعات التاريخ وهذا يرهقنا... وفي اعتقادي أنه لا بد أن نجسم علاقتنا بالتاريخ حتى نستطيع أن نتقدم أنا أدعو إلى ثورة على التراث الذي هو مكون من مكونات شخصيتنا. أستاذ مشروعكم هذا مر حتما عبر نهضة تربوية في الوطن العربي، من خلال اطلاعكم على عديد التجارب العربية في المسألة التربوية إلى أي حد ترون أن هذه البرامج قادرة على صيانة عقل عربي جديد ؟ أنا أعتقد أن النظم التعليمية مهمة للغاية وهي إحدى الأولويات لصياغة عقل عربي جديد ويجب أن تتفوق هذه القيادات العربية إلى صياغة مشروع تربوي كفيل بأن ينهض بالعقل العربي ولا يجب أن نبني هذه النهضة كأنها جزيرة منعزلة وسط بحر معاد لها، ومن تجاربنا التربوية أننا أقمنا مشاريع تربوية متقدمة في بيئة عربية ترفض هذا التقدم، وخذ مثلا على ذلك مشروع طه حسين التربوي الذي بدا جزيرة منعزلة وسط السلوك المجتمعي الذي رفضه، إن البناء التربوي وحده لا يصنع نهضة المجتمعات العربية. أستاذ نود أن نأخذ رأيكم اليوم في هذه الثورة الاعلامية والاتصالية التي يعيشها العالم ودورها في الرقي بالإنسان العربية ؟ أنا أعتقد أن التقدم ليس فترينات فضائية... فما نلاحظه هو أن كل دولة عربية تقيم فترينة فضائية فيها نقاش وفيها جدل وعندما تنزل إلى الواقع تجد تضاربا غريبا بين ما يردد في هذه الفضائيات من نقاشات ساخنة أحيانا والواقع العربية في هذا القطر أو ذاك ففي بعض الشعوب تجد أن القناة الفضائية تحلق في الفضاء والواقع محكوم بأشياء أخرى عديدة والإعلام الحقيقي المطلوب هو الذي يغوص في الواقع ولا يقدم صورة مخالفة للحقيقة... لذلك أدعو أن تكون برامج هذه الفضائيات مرتبطة بواقع شعوبها وقادرة على نقل الواقع حتى تكون أداة لهذه الشعوب لا أن تكون كل فضائية مختصة في شتم البلد الآخر عاجزة على أن تقول نصف الحقيقة فيما يتعلق بواقع شعوبها، فالمفروض أن الإعلام يجب أن يتحالف مع التربية لصياغة مجتمع عربي جديد. فالتلفزيون حل اليوم محل المؤسسة التربوية... فالمرجعية الإعلامية المعاصرة في اعتقادي يجب أن تكون مرجعية تربوية بالأساس ووطنية بالضرورة. أجرى الحديث في بيروت