- كشفت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول "العنف الحضري بتونس"، أن المجموع العام لقضايا العنف في تونس تجاوز في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017 أكثر من 600 ألف قضية مسجلة، أي بمعدل 25% من العدد الجملي للقضايا، وهو ما يعكس إرتفاع مؤشر العنف بالبلاد. وبينت الدراسة، أن جرائم العنف يمكن أن تقترن بجرائم أخرى كالسرقة والقتل والسلب، وهو ما يرفع معدل إرتكابها إلى نسب "مفزعة"، مشيرة إلى أن العدد الجملي لقضايا العنف والجرائم المتفرّعة عنه في الفترة الممتدة من سنة 2006 إلى 2010 بلغ أكثر من 500 ألف قضية، وتمثل قضايا العنف لوحدها حوالي 20% من هذا العدد الجملي للقضايا. كما أوردت الدراسة المنجزة خلال شهر أكتوبر الماضي، أن عدد قضايا القتل قد ارتفع في الفترة المتراوحة من سنة 2006 إلى 2010 ، وبلغ حوالي 1000 قضية، في حين تجاوز عددها 1550 قضية من سنة 2011 إلى حدود 2016 ، ويمكن أن يرتفع عددها إلى 1700 قضية قتل موفى السنة الجارية. وذكرت الدراسة أن ظاهرة العنف ليست دخيلة على المجتمع التونسي بعد ثورة 14 جانفي 2011 ، فلطالما شغلت قضايا العنف الرأي العام، مبينة أنه منذ سنة 2006 والى غاية 2010 تمّ تسجيل حوالي 180 ألف قضية عنف على المستوى الوطني، دون احتساب عدد الاعتداءات الجسدية واللفظية التي تمّ فضّها سواء داخل العائلة أو عن طريق إجراء تدخل لدى السلطة الأمنية. وأضافت أنه تم إلى حدود السنة الجارية تسجيل أكثر من 200 ألف قضية عنف على المستوى الوطني، دون اعتبار عدد الاعتداءات الجسدية واللفظية التي تمّ فضها وعدم تسجيل قضايا في شأنها، والتي يمكن أن تكون ثلاثة أضعاف الأرقام المسجلة، حسب الدراسة. وخلصت الدراسة إلى أن عدد قضايا العنف يختلف من الوسط الحضرى إلى الوسط الريفي، فبالنسبة إلى الوسط الحضري تمّ في الفترة الممتدة من 2006 إلى 2010 تسجيل حوالي 110 ألف قضية، في حين تمّ تسجيل حوالي 70 ألف قضية في الوسط الريفي. ومنذ سنة 2011 إلى غاية السنة الجارية، تمّ تسجيل حوالي 135 ألف قضية في الوسط الحضري، مقابل 80 ألف قضية في الوسط الريفي. وفسرت الدراسة هذا الاختلاف، بالتفاوت في المستوى التعليمي للأشخاص الذين تورطوا في قضايا العنف خلال العشر سنوات الأخيرة (من 2007 إلى 2017)، حيث أنّ 66 بالمائة منهم مستواهم لا يتجاوز التعليم الأساسي، في حين أن 34 بالمائة منهم مستواهم ثانوي وجامعي. كما بينت الدراسة، أنّ ارتفاع مؤشّرات العنف في الوسط الحضري مقارنة بالعنف في الوسط الريفي، يعود إلى عدّة اعتبارات من بينها الكثافة السكانية في بعض الأحياء (دوار هيشر، حي التضامن، الكرم، سيدي حسين السيجومي... )، والخليط المجتمعي وتكريس فكرة الجهويات لدى البعض، بالإضافة إلى ظاهرة التفكّك الأسري والانقطاع المبكر عن الدراسة والهشاشة الأسرية في بعض الأحيان، وتراجع دور المدرسة والضعف الاقتصادي والهشاشة الاجتماعية والبطالة، وكذلك ارتفاع منسوب العنف الثوري والاحتجاجات بعد ثورة 14 جانفي. وأبرزت الدراسة في توصياتها بالخصوص، ضرورة التفكير في اتخاذ إجراءات عاجلة، من خلال فرض احترام القانون والتراتيب والمناشير، وتطبيقها حينيا في جميع الوزارات، وتفعيل الدور الأساسي لوزارة التربية، وتنقية محيط المؤسسات التربوية، والعمل على توسيع الفضاء البيداغوجي واحترامه، فضلا عن تجهيز الفضاءات العمومية تقنيا (شبكة كاميرات مراقبة) ومراجعة الدروس البيداغوجية في النظام التعليمي، وإعادة مكانة المربّي كمثال يقتدي به من كل النواحي (الانضباط، المظهر الخارجي). كما أوصت بتنظيم حوار مجتمعي حول ظاهرة العنف بمشاركة جميع الأطراف المتداخلة، وانتهاج سياسة اعلامية تحسس بأهمية تجنب العنف، والعمل على صياغة استراتيجية وطنية لمكافحة العنف وتعزيز الدور الوقائي من خلال تطوير المشهد الثقافي (دور ثقافة، مسارح، سينما... )، وتوفير الحماية الاجتماعية لمختلف الفئات الاجتماعية الهشة. وأكد المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، أهمية تعزيز الخطة الوطنية للدفاع الاجتماعي، ودعم الإحاطة بالفئات الاجتماعية ذات السلوكيات الخصوصية، والعمل على توحيد قاعدة بيانات حول ظاهرة العنف وتوفير الإحصائيات في الغرض، بالإضافة إلى تكثيف المراقبة الأمنية بمختلف وسائل النقل، وتفعيل السياسة الجنائية في مقاومة العنف من خلال التطبيق الصارم للقانون. هند