شهدت الأسابيع الماضية أحداث عنف بين تكسير وتهشيم لوسائل النقل، أما «المجرمون» فهم من المراهقين. وهو ما يلفت الانتباه إلى ارتفاع منسوب العنف في هذه الشريحة. فهل أفرزت الثورة جيلا عنيفا؟ تونس الشروق: تنامت ظاهرة العنف في صفوف الأجيال الجديدة من الأطفال والقاصرين حسب ما يؤكده المختصون. وتتنوع أشكال وأماكن ممارسة العنف من المدرسة إلى الفضاءات العمومية والملاعب والشارع. تلاميذ ولكن منحرفون حسب دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية حول العنف الحضري بتونس صدرت في أكتوبر 2017، تنامت ظاهرة العنف اللفظي والجسدي داخل المؤسسات التربوية. ووصلت إلى حدود غير معقولة فاقت المتوقع. وبيّنت الدراسة تواصل ارتفاع عدد حالات العنف داخل المؤسسات التربوية في 2017 الصادرة عن التلاميذ. وتمّ تسجيل 14792 حالة عنف مادي و5552 حالة. وتم ما بين2011 و2017 تسجيل حوالي 135 ألف قضية في الوسط الحضري في حين تمّ تسجيل حوالي 80 ألف قضية في الوسط الريفي. وتمثل الفئة الأقل من 18 بالمائة 5 بالمائة من نسبة «المجرمين». وهي نسبة تستدعي الدراسة حسب المختصين. وتشير دراسات لوزارة المرأة إلى وجود حوالي 10 آلاف طفل «جانح» يحاول قضاة الطفل ومندوبو حماية الطفولة إيجاد حل لهم سنويا. ويفسر الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أسباب انتشار العنف في جيل «الثورة» قائلا :»جيل برمته يتكون اليوم من أطفال وشباب يجد نفسه ضحية ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هشة وخارج منظومات الدراسة والحماية والاقتصاد. ويواجه المجتمع بكل قسوته وأمراضه، فليس من الغريب إذن أن يجد نفسه إما ضحية إحدى وضعيات التهديد أو أحد المتسببين فيها، بين التطرف والانحراف». ويضيف أنه وسط ظروف استثنائية واستقالة عائلية وآفاق مستقبلية غامضة نجد أطفالنا وشبابنا إما ضحية الانحراف والشذوذ أو ضحية الجريمة المنظمة والإرهاب. وكلها أشكال من العنف تعكس أزمة مجتمع وأجيال ترزح تحت وطأة الإحساس بالضياع وسوء الاندماج والتهميش وغياب الأمل وضعف الإحساس بالانتماء والأهمية والرغبة الفردية والجماعية للهروب من مواجهة الواقع وتعقيداته. كما تعكس أزمة دولة لم تقدم مقاربة شاملة يتضافر فيها البعد الوقائي والعلاجي والقانوني والجزائي. تطبيع مع العنف نبه باحث علم الاجتماع من تعرض الطفل للضغط منذ سن مبكرة. وهو ما يؤدي إلى حالة من «التطبيع» مع الجريمة والبذاءة والتجاوز والتسلط. فتغدو مع الوقت عادية ومألوفة وبالتالي فلا نستغرب أن تنتج مؤسساتنا التربوية وعائلاتنا الجريمة والإرهاب اللذين أصبحا جزءا من ثقافة الأجيال الصاعدة. وقال إن الجنوح والانحراف يعنيان حالة صراع بين الفرد ونفسه والفرد ومحيطه الاجتماعي بمكوناته المختلفة. ويبدأ الصراع داخليا وسرعان ما يقع تصديره الى الآخر والمجتمع ومؤسساته ليشمل التوتر الأسرة فيناصبها العداء والمدرسة فيستخف بها وبدروسها وبقوانينها ليصل إلى المجتمع فيناصبه العداء. وتزداد مظاهر التوتر والصراع والحقد لإثبات الثورة والنقمة إما رغبة في الانتقام أو رغبة في التنفيس أو رغبة في الاعتراف. وقد تصل الرغبة إلى حدود تقويض هذا العالم برمته دون غاية محددة. فانحراف الأحداث من وجهة النظر السيكولوجية هو سلوك لا اجتماعي أو مضاد للمجتمع يمس سلوك الطفل الانفعالي والأخلاقي والقيمي والتربوي فيشمل بذلك الاضطراب مستوى الفكر والوجدان والانفعال والفعل والسلوك بشكل قار ودائم بحيث يمثل كل ذلك السمات الأساسية للشخصية المنحرفة. واعتبر أن الأطفال الذين يمارسون العنف هم أشخاص في مقتبل العمر. ولكنهم يعانون من الألم الحرمان والتوتر والتعاسة بشكل لا يقدر الكهول على تحمله فما بالنا بهم وهم فئة هشة على جميع المستويات. وحين لا يجدون منفذا ينفجرون في وجه المجتمع. من المدرسة إلى الشارع تتعدد أسباب عنف جيل الثورة بين أسباب متعلقة بالسياق العام وسط سياق استثنائي حيث ضربت الأزمة الاقتصادية طبقات جديدة. كما أن بعض الشبكات الأخرى ومنها الشبكات الارهابية والتكفيرية استغلت عدم النضج النفسي والفكري لهذه الشريحة وحالة القلق وغياب الأمل في المستقبل وغياب أهداف كبرى في الحياة لتقوم بتجنيدهم والدفع بهم في أنشطة إرهابية وحروب محلية وإقليمية ودولية. كما اعتبر طارق بالحاج أن البيئة التربوية تشتكي من نقائص عديدة تؤثر في إفراز أجيال غير متوازنة. وأشار إلى ما يتعلمه التلاميذ في ساعات الفراغ إذ يتعلمون التدخين والمخدرات والانحراف والشذوذ. ويبدو أن المخدرات قد أصبحت أيضا آفة تتسبب في عنف وضياع هذه الأجيال. ويعكس تفشي ظاهرة المخدرات أزمة مجتمع وواقعا مأزوما لأجيال ترزح تحت وطأة الإحساس بالضياع وسوء الاندماج والتهميش وغياب الأمل وضعف الإحساس بالانتماء والأهمية والرغبة الفردية والجماعية للهروب من مواجهة الواقع وصعوباته وتعقيداته. وهي أزمة دولة عاجزة عن تحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها وإنتاج مقاربة شاملة يتضافر فيها البعد الوقائي والعلاجي والقانوني والجزائي. أجيال ثورة ال"فايسبوك" ولم يغفل الباحث في علم الاجتماع ما يعيشه جيل الثورة التي استغلت الفايسبوك، بالعنف الذي تعيد إنتاجه التكنولوجيات الحديثة. وتأثيره سيكون مضاعفا على فئة الأطفال والشباب لأنها تستجيب لكثير من احتياجاتهم النفسية ولعل أهمها رغبتهم في التميز وإشباع الشهوات الحسية المباشرة خاصة أن الطفولة والشباب في سن الشهوات العارمة بامتياز وحب الاكتشاف مما يجعلهم أكثر الضحايا المحتملين للعنف. كما يعاني الجيل من استهلاك مفزع للأفلام العنيفة والصور المتحركة الدموية. أرقام ودلالات 5 ٪ من قضايا العنف بين 2011 و2017 قام بها من هم دون 18 سنة 10 آلاف قضية لأطفال جانحين في المحاكم 15 ألف تلميذ مارسوا العنف في 2017