مروان قاسمي (*) تابعت بشغف ما جرى في الساحة السياسية هذه الأيام من تطورات و لعل ما شد انتباهي حقيقة مقال السيد صلاح الدين الجورشي في موقع عربي 21 و الذي تطرق فيه لحجم الضغوطات و التهديدات التي انهالت عليه بعد مقترح لجنة الحريات الفردية و المساواة التي تترأسها الاستاذة بشرى بالحاج حميدة و حسب تعبيره فان هذه الاقتراحات و التعديلات التي تقدمت بها اللجنة تدخل في باب الاجتهادات و الحريات و لم ينسى سي صلاح ان يضرب لنا مثال المصلح الكبير الطاهر الحداد و ما عاشه في تلك الفترة من انتقادات و لغو من مشائخ الزيتونة وصلت حد التكفير . و فيما تعبر بعض الأحزاب عن صمتها تجاه هذه المسألة معتبرة اياها معركة مجتمع يرى البعض الآخر ان تقرير اللجنة مسألة حسمها الدستور تندرج في باب الحريات الفردية و حرية الضمير باعتبار ان بعض النقاط التي تضمنتها هذه المبادرة لا يمكن الخلاف حولها كالحقوق و الحريات و هو ما يدعونا لتجاوزها صراحة . 1- مقترحات خطيرة توحي بازمة عسيرة : بالرجوع للتقرير المقدم لرئاسة الجمهورية و ما تضمنه من اجتهادات سابقة لأوانها وصف الكثيرون ما جاء فيه بالكارثة و بتحليل للحرام و تحريم للحلال فيما اعتبرها البعض الاخر أبعد من جرائم قوم لوط ان جاز التعبير . و من الوهلة الاولى قد يبدو هذا الامر تحاملا و سخطا على هذه المقترحات الا أن الملاحظ لما تضمنته هذه المبادرة و خاصة فيما يتعلق بالغاء عقوبة ممارسة البغاء السري بمقابل و السماح للشاذين بتكوين أسرة و تبني أبناء لهم مما يعني ترك اطفال قصّر بين أيدي اشخاص غير اسوياء مطالب فاقت حد المعقول و هي دعوة صريحة للانحلال الأخلاقي و الفساد المجتمعي و لعل من بين النقاط الاخرى التي اثارت جدلا واسعا نجد تمكين المرأة من اعطاء لقبها العائلي بدون إذن زوجها حتى و ان زنت فلا يجوز السؤال عن أب اللقيط . و اقترحت اللجنة كذلك الغاء المهر و عدة المرأة بعد موت زوجها ... كما عبرت اللجنة صراحة في تقريرها عن عدم ارتياحها لاستعمال القانون التونسي للفظ مسلمين و طالبت باستبدالها استبدال بكلمة مواطن من جميع القوانين و منها الدستور كما دعت صراحة الى رفع ولاية الزوج و الاب و الاخ عن المراة و طالبت بحقها في الميراث و المساواة مع الرجل و في صورة الطلاق يصبح المنزل على ملك الزوجة رغم ان القانون الحالي يمكنهم من الاشتراك في الملكية . كل هذه الاجتهادات كانت بدون رجوع او اعتبار لاي نص ديني او حتى استعانة باي راي من المختصين و الفقهاء وهو ما اثار هذه الزوبعة و هذا الجدل الواسع لدى النخبة و مختلف الفئات الشعبية . 2 - بين التأييد و الرفض : اعتبرت النخب الحداثية اليسارية ما جاء في التقرير بالثورة الفكرية و عبرت عن تاييدها المطلق لمثل هذه المبادرات و وصفت من لا يقبلها بالداعشي و المتطرف و هو ما جاء على لسان المفكرة رجاء بن سلامة فيما اعتبرت الفة يوسف ان مثل هذه القراءات و المقترحات تتماشى مع عصرنا وعبرت عن تضامنها الكامل ضد الهجمة الشرسة التي تتعرض اليها لجنة الحريات الفردية و المساواة و على راسها الاستاذة بشرى بالحاج حميدة و دعت كل من يخالفها الى التفكير و البحث قبل السب و الشتم و تجاوز المرجعية الدينية و النظر من زاوية اخرى على غرار المنهج الاسلامي في محاولة منها ايهام الناس ان ما جاء في التقرير يدخل من باب الاجتهاد و لا يتعارض مع تعاليم الاسلام و المسلمين على حد قولها . لكن ردود فعل أهل الاختصاص لم تتأخر طويلا فجاء الرد اولا من مشائخ الزيتونة فنفوا اي صلة او استشارة كانت لهم بهذا التقرير المزعوم و اعتبروا ان كل ما جاء فيه مخالف مخالفة صريحة لقيم الاسلام و المسلمين و هو ما أكده مفتي الجمهورية السابق " حمدة سعيد" بدعمه لهذا الرأي . كما دعى الأكاديمي و الباحث سامي براهم عبر تدوينة له بعنوان " قيمون على الدين و قيمون على التاريخ " الى الابتعاد عن الحسابات الايديولوجية فليس هنالك كهنوت في الدين و للجميع الحق في التفكير و التأويل و التعبير طالما هنالك احترام للقانون . و بين رافض لمقترح اللجنة و داعم لها سادت حالة من الهيجان عمت مواقع التواصل الاجتماعي معتبرين ان فرنسا و جرأتها عند الاحتلال لم تتجرأ كما تجرء اعضاء لجنة الحقوق الفردية و المساواة على المساس بهذه المقدسات و عليه حملوا مجلس النواب المسؤولية في الموافقة او عرض هذا التقرير على الاستفتاء الشعبي و هو ما يخشاه اعضاء اللجنة و يتحاشونه لعلمهم المسبق ان الرفض الشعبي سيسقطه بالتأكيد . يذكر ان لجنة الحريات الفردية و المساوات احدثت بموجب امر رئاسي صدر في 13 اوت 2017 وقدمت تقريرها النهائي لرئاسة الجمهورية في 8 جوان 2018 في شكل مشاريع قوانين . * باحث