وزارة الشؤون الاجتماعية: الانطلاق بداية من 22 سبتمبر الجاري في صرف الدفعة الأولى من المساعدات المالية بمناسبة العودة المدرسية    أبرز الأحداث السياسية في تونس بين 13 و20 سبتمبر 2025    سليانة: وضع 8 ألاف و400 قنطار من البذور منذ بداية شهر سبتمبر    الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة ستتولى ابرام ملاحق لعقود برنامج "بروسول الاك الاقتصادي" بصفة استثنائية    رابطة الأبطال الافريقية: الترجي الرياضي والاتحاد المنستيري من أجل قطع خطوة هامة نحو الدور الثاني    قافلة صحية مجانية تحت شعار 'صحتك في قلبك' بالمستشفى المحلي بنبر من ولاية الكاف يوم السبت 27 سبتمبر الجاري    اليوم العالمي للزهايمر: التأكيد على أهمية حماية المُعين من العائلة ومن الإطار شبه الطبي للمصابين بالزهايمر من الانهيار النفسي    "يوتيوب" يحجب الحساب الرسمي لرئيس هذه الدولة.. #خبر_عاجل    غدا الأحد: هذه المناطق من العالم على موعد مع كسوف جزئي للشمس    عاجل/ حملة أمنية في أسواق الجُملة تُسفر عن إيقافات وقرارات بالإحتفاظ    جمعية المرسى الرياضية تنظم النسخة الرابعة من ماراطون مقاومة الانقطاع المبكر عن الدارسة    عاجل/ بشائر الأمطار بداية من هذا الموعد..    تكريم درة زروق في مهرجان بورسعيد السينمائي    قريبا في تونس: شركة الألبان تستأنف نشاطها    بنزرت: حجز أطنان من اللحوم والمواد الغذائية المخزّنة في ظروف غير صحية    من بينها تونس: 8 دول عربية تستقبل الخريف    عاجل: السجن لعاملين بمستشفى القصرين من أجل قضايا فساد ببنك الدّم    لكلّ من فهم بالغالط: المغرب فرضت ''الفيزا'' على هؤلاء التوانسة فقط    60 يوما فقط للمغادرة الطوعية.. إدارة ترامب تنهي وضع "الحماية المؤقتة" لآلاف السوريين    تدشين خط انتاج جديد لشركة القنوات بسوسة يوم الاثنين 22 سبتمبر الجاري    أكثر من 100 ألف تونسي مصاب بالزهايمر ومئات الآلاف من العائلات تعاني    الفيفا يتلقى 4.5 مليون طلب لشراء تذاكر مباريات كأس العالم 2026    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    ستة أشهر سجنا لشاب أشهر سلاحا ناريا مزيفا خلال فعاليات "أسطول الصمود"    عاجل/ عقوبة سجنية ضد الشاب الذي صوّب سلاحا مزيّفا تجاه أعوان أمن    اليوم: استقرار حراري وأمطار محدودة بهذه المناطق    مسؤول إيراني: لم نصنع سلاحا نوويا حتى الآن لكننا نمتلك القدرة على تصنيعه    بعد موجة من الانتقادات.. إيناس الدغيدي تلغي حفل زفافها وتكتفي بالاحتفال العائلي    وكالة إحياء التراث تحتفي باليوم العالمي للغة الإشارة تحت شعار "حتى التراث من حقي"    تركيا تعتزم إرسال مركبتين إلى القمر في عام 2029    "كنز القدس" يثير غضب إسرائيل.. وأردوغان يرفض تسليمه    لماذا يضعف الدينار رغم نموّ 3.2 بالمائة؟ قراءة معمّقة في تحليل العربي بن بوهالي    عاجل: تأخير وإلغاء رحلات جوية بسبب هجوم إلكتروني    منزل وزير الصحة الأمريكي يخضع للتفتيش بعد إنذار    القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    في عرض سمفوني بالمسرح البلدي...كاميليا مزاح وأشرف بطيبي يتداولان على العزف والقيادة    تتويج مسرحي تونسي جديد: «على وجه الخطأ» تحصد 3 جوائز في الأردن    نفذته عصابة في ولاية اريانة ... هجوم بأسلحة بيضاء على مكتب لصرف العملة    استراحة «الويكاند»    وزارة الدفاع تنتدب    توقّف مؤقت للخدمات    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    تراجع عائدات زيت الزيتون المصدّر ب29,5 % إلى موفى أوت 2025    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب ببلدية الزهراء في بن عروس    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الرابطة المحترفة الاولى : حكام مباريات الجولة السابعة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحكمة الإدارية تأكل نفسها
نشر في باب نات يوم 03 - 05 - 2020


إبراهيم البَرتاجي
أستاذ تعليم عال في القانون العامّ
ككلّ خيال، وبشكل خاصّ الخيال العلمي، ليس للخيال القضائي حدود. فإذا تجرّأ رئيس دائرة جهوية متفرّعة عن المحكمة الإدارية على إصدار حكم يقضي بتأجيل تنفيذ قرار إداري، ورأى الرّئيس الأوّل للمحكمة أنّه تجاوز بذلك اختصاصه، فأنّه يتصدّى له بالإلغاء، ولو لم يُطلب منه ذلك، ولو نصّ القانون على أنّ الحكم الصّادر عن رئيس الدّائرة الجهوية لا يقبل أيّ وجه من أوجه الطّعن. إنّه جنون العظمة، إذا أصاب القضاء، أتى على الأخضر واليابس.
هذا ما يجول بالخاطر عند الاطّلاع على الحكم الصّادر عن وكيل الرّئيس الأوّل للمحكمة الإدارية بتاريخ 17 أفريل 2020 والّذي تمّ بمقتضاه إلغاء الحكم الّذي أصدره رئيس الدّائرة الابتدائية للمحكمة الإدارية بالقيروان بتاريخ 2 أفريل 2020 والقاضي بتأجيل تنفيذ القرار الإداري الصّادر عن المحكمة الإدارية والصّادر ضدّ قاضية بنفس المحكمة.
يقضي هذا القرار الإداري بإلزام المعنية بأن تُرجع مبالغ ترى المحكمة أنّها صرفتها لها عن غير وجه حقّ. ارتأت القاضية المذكورة الطّعن في القرار المتّخذ أمام نفس المحكمة، كما طلبت من الرّئيس الأوّل للمحكمة أن يأذن بتأجيل وتوقيف تنفيذه. ثمّ بعد أن انتظرت فترة قرّرت التّراجع عمّا أقدمت عليه والتّوجّه نحو دائرة المحكمة الإدارية بالقيروان لتقديم نفس الطّلب. وقد استجابت هذه المحكمة لطلبها المتعلّق بتأجيل التّنفيذ، في انتظار النّظر في مطلب توقيف التّنفيذ. كان ذلك كافيا، مؤقّتا، لإيقاف إجراءات الاستخلاص الّتي تمّ اتّخاذها ضدّ المدّعية ورفع الحجر عن حسابها البنكي.
لكن عوض أن تذعن إدارة المحكمة الإدارية لما قُضي به، أقدم وكيل رئيسها الأوّل على النّظر في المسألة وقرّر أنّ ما صدر عن رئيس الدّائرة الجهوية بالقيروان لاغ ولا عمل عليه ! كيف أمكن له ذلك والحال أنّ المحكمة الإدارية بتونس لم تعد متعهّدة بالقضية بعد الطّرح الّذي قامت به المدّعية، كما أنّ حكم رئيس دائرة القيروان لا يقبل، قانونا، أيّ وجه من أوجه الطّعن ؟
تعاملت المحكمة الإدارية بتونس، مجسّمة في وكيل رئيسها الأوّل، مع هاتين المسألتين بقدر كبير من التّعالي. فبالرّغم من إقرارها بأنّ المدّعية سحبت طلبها الأوّل الّذي قدّمته في تونس عندما قرّرت التّوجّه نحو القيروان، فإنّها لم تر حرجا في أن تعتبر نفسها مازالت متعهّدة بالقضية، دون أن تكلّف نفسها عناء تبرير ذلك. وهو ما يمثّل تنكّرا لما استقرّ عليه الفقه وفقه القضاء الإداري من أنّ سحب القضية يضع حدّا للنّظر فيها، فالأمر هنا بيد المدّعي لا بيد القاضي الّذي لا يحقّ له أن يحوّل الأمر إلى نزاع شخصي مع من أصدر الحكم الّذي يريد الإطاحة به.
ثمّ حتّى وإن اعتقد وكيل الرئيس الأوّل، خطأ، أنّ محكمته مازالت متعهّدة بالقضية، فكلّ ما كان بإمكانه القيام به هو إمّا الاستجابة لطلب المدّعية أو رفضه، شريطة أن لا يكون قد صدر حكم في المسألة، وهي غير صورة الحال. وبذلك بعدم نظره في طلب المدّعية وبإنكاره، في نفس الوقت، على غيره أن يقوم بذلك، ارتكب القاضي نكرانا للعدالة يُظهره في موقف المعادي للمتقاضي، لا ينصفه ولا يترك سبيلا لإنصافه.
في الحقيقة، ترك وكيل الرّئيس الأوّل طلب المدّعية جانبا واهتمّ بالإذن الصّادر عن رئيس دائرة القيروان بغية إسقاطه، وهو أمر لا يستقيم لسببين على الأقلّ. أوّلهما أنّ الفصل 41 من قانون المحكمة الإدارية يمنع كلّ طعن في أذون تأجيل وتوقيف التّنفيذ، ولم تر المحكمة حرجا البتّة في التّذكير بذلك بكامل الصّراحة. ويتمثّل السّبب الثّاني في أنّه لم يتمّ الطّعن في حكم القيروان، فيكون بذلك قاضي تونس قد تعهّد بالأمر من تلقاء نفسه وهو ما يتعارض بداهة مع مبادئ التّقاضي ومع ما استقرّ عليه عمل المحاكم.
وبالرّغم من كلّ هذا، وجد وكيل الرّئيس الأوّل سبيلا لتعليل حكمه وذلك بأن عاب أوّلا على محكمة القيروان تجاوز اختصاصها باعتبار وجود طرفي النّزاع (الطّالبة وإدارة المحكمة الإدارية) في تونس، وهي مسألة يمكن مجاراته فيها. لكن أن يمرّ بعد ذلك إلى الحديث عن " إرجاع الأمور إلى نصابها " وعن منع " أن يتولّى القاضي الأدنى النّيل من صلاحيات القاضي الأعلى "، فذاك ما يُدخلنا في عالم الخيال القضائي في أحلك صوره. وقد بلغ ذلك أوجه عندما أشار وكيل الرّئيس الأوّل إلى حرصه على ضمان " مبدإ الثّقة المشروعة في القضاء "، والحال أنّه أتى بما من شأنه أن ينسفها. فلا شيء يمكن أن يبرّر التّصدّي لخطإ عادي يتعلّق بتقدير مسألة الاختصاص بخطإ جسيم يتمثّل في التّنكّر كلّيا لمفهوم العمل القضائي. ومع مثل هذا التّصرّف، نرى أنّ المحكمة الإدارية ليست في حاجة لمن يحطّمها، فهي ستحطّم نفسها بنفسها.
وإذا كان المقصود هو ترهيب دائرة المحكمة الإدارية بالقيروان، فإنّ وكيل الرّئيس الأوّل لم يفلح في ذلك، فقد واصل رئيس الدّائرة عمله وذلك بأن نظر في مطلب توقيف التّنفيذ واستجاب له في حكم بتاريخ 23 أفريل 2020 امتدّ على 17 صفحة، سعى فيها للإقناع ونجح في ذلك بقدر كبير. وعسى أن تُغلّب إدارة المحكمة الإدارية صوت العقل والقانون، فتذعن لهذا الحكم ويتمّ بذلك غلق قوس كنّا نتمنّى أنّه لم يُفتح، لكن بما أنّه أُغلق سنتذكّر غلقه دون فتحه. وبكلّ صفة، ليس في الأمر خطورة، باعتبار أنّه إذا تبيّن عند النّظر في أصل القضية أنّ المدّعية مطالبة بإرجاع ما قبضته فهي ستقوم بذلك لا محالة.
إمّا إذا تمّ اتّباع سياسة الهروب إلى الأمام وأقدم الرّئيس الأوّل ... على إلغاء حكم توقيف التّنفيذ الصّادر حديثا، فكيف نضمن أن لا يتّبع قاضي القيروان نفس النّهج فيقوم بإلغاء ما يكون قد صدر عن محكمة تونس، دفاعا عن حكمه الوقتي الّذي يحصّنه القانون من كلّ طعن ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.