تحدث ربّ عائلة قال: حينما يحل شهر رمضان المعظم يتغير النظام في بيتنا حتى أنه ينقلب رأسا على عقب. وكل فرد في العائلة يصبح سلطة مستقلة ونصير جميعنا خطوطا مستقيمة لا نلتقي إلا على مائدة الإفطار، ومن النادر بل من المستحيل أن يقع التوفيق بيننا ولا أحد منا يتنازل عن عادات يكتسبها فقط خلال شهر رمضان الكريم ولو أني أنا الوحيد الذي تخلى عن تحقيق شهواته مباشرة وتنازل عن عاداته. تتكون عائلتي من ستة أفراد: أنا وزوجتي وثلاثة أولاد وبنت واحدة. والمتضرر الأول في هذه المجموعة هي زوجتي التي تمضي أكثر الوقت في المطبخ تصنف الأطعمة وتلبي الشهوات والرغبات دونما نقاش. أما المتضرر الثاني فهو أنا أو بالأحرى جيبي الذي يتعرض إلى أكبر عملية استنزاف في السنة خلال هذا الشهر الكريم، استنزاف يضاهي ما ننفقه عادة في أحد عشر شهرا. وهذا يعود بالأساس إلى اختلافنا الجذري في مشترياتنا وشهواتنا وعاداتنا على أكثر من مستوى. فالمستوى الأول يتصل بالخبز، فمنّا من لا يتناول إلا الخبز العربي مثل الطابونة و الملاوي ومنا من لا يشتهي إلا خبز الشعير ومنا من يعشق الخبز بالجلجلان أو الزيتون. أمّا زوجتي فتدّعي أنها لا تطمئن إلا إلى الخبز الذي تصنعه بيديها في البيت. وأما أنا فلا يشبعني إلا الخبز المستدير الطري المرشوش بالفاحات وهو شهوتي الوحيدة التي أعبر عنها صراحة. وهكذا يصير البيت كالمخبزة لما يوجد فيه من خبز على كل لون يا كريمة يكفي لإطعام حي سكني بأكمله. وعند الإفطار يُكرم الخبز أو يهان والحقيقة أن أكثره يبقى ليُتلف في اليوم الموالي!! أما المستوى الثاني في اختلافنا فيتصل بما نشتهيه من مأكولات أثناء الإفطار، ففينا من يعشق الشُربة حد الجنون ويضحي في سبيلها بكل شيء ولكن فينا من لا يريد أن يراها على المائدة مجرد الرؤية، وإذا صادف أن زرت بيتنا أثناء الإفطار فإنك سترى أصنافا لا تُحصى من "السلاطة"، فهذه متكونة من الجزر والطماطم والأخرى من الخس والفجل وتلك من الخس والطماطم وواحدة فيها الفلفل الأخضر والطماطم وواحدة أخرى تجمع بين تلك الخضر مع إضافة الخيار.أما المقرونة فهناك من لا تستهويه في رمضان بالمرة وثمة من يريدها سباقيتي والآخر لن يتناولها إلا إذا كانت من الماركة الفلانية ومن نوع الفل أو الببوش أو التليفون أو القراجم. وعن البريك في عائلتي حديث عجيب، فأحد الأولاد يحبذ أن تكون بريكته تحتوي على بيضة عربي دون أن تُخلط بالحشو مشترطا أن تُقلى جيدا وشقيقه يرغب في أن تكون بريكته مقتصرة على الحشو المخلوط بالبيض"السوري" دون تن وشقيقه الآخر يشترط أن تكون بريكته بلا بيض لأنه يسبب له "الجاير" كما يرفض الكبّار. أما أختهم فحكايتها مع البريك حكاية إذ أنها تريدها فارغة من كل شيء فقط ورقة من العجين تُطوى وتُقلى!! ولن أحدثك عن اختلافاتنا الجذرية في الأطباق الرئيسية الأخرى لأن المجال لا يتسع لكل ذلك . وأما المستوى الثالث في اختلافنا فهو الذي يتعلق بالحلويات و الغلال و المشروبات الغازية، ففي كل شهر رمضان وفي نفس الوقت تحضر الزلابية والمخارق والصمصة والقطايف والفطاير ووذنين القاضي وقرن الغزال والمقروض والهريسة والبوزة والدرع والشامية والبشكوتو والبسيسة والياغورت بحسب الإشهار في التلفزة وكل أنواع الغلال المتوفرة في السوق وجميع ماركات المشروبات الغازية. والمستوى الرابع الذي يعرف اختلافا كبيرا بيننا هو زمن السحور ومأكولاته ففينا من ينام ليستيقظ على الساعة الثانية صباحا وفينا من يستيقظ قبل الإمساك بقليل وفينا من يحبذ السهر حتى موعد السحور. و طعام السحور يتراوح بين المسفوف والبسيسة والرايب والحليب والياغورت من جهة و الأطعمة المطبوخة التي تبقى من طعام الإفطار من جهة أخرى. هذه حكايتي في شهر رمضان حيث بيني و بينكم نسيت شهواتي بما أن الأبناء تكفلوا بها وصاروا يتشهّون نيابة عني وصرت لا أغادر البيت أنتظر ما سيجلبونه حتى أني أحتج أحيانا على أحدهم إذا تناسى ما اعتاد شراءه !! ياسين الوسلاتي سبق أن نشر هذا المقال بجريدة الصريح .