في إطار تجسيم اختيارات تونس في مجال حماية الطفل بتخليص منظومة العدالة الجزائية من الأحكام التي لم تعد متلائمة وخاصة حذف العذر القانوني لفائدة الأشخاص الذين لهم سلطة على الطفل واستعمال العنف البدني كوسيلة لتأديبه تمت مؤخرا المصادقة على قانون يهدف الى إلغاء عبارة «وتأديب الصبي ممن له سلطة عليه لا يستوجب العقاب» الواردة بالفصل 319 من المجلة الجزائية. وبمقتضى هذا الإلغاء تصبح بمقتضى التنقيح المقترح حالات التأديب الخفيف والمألوف انتهاك لحقوق الطفل و محل متابعة ومعاقبة بالسجن مدة خمسة عشر يوما كما يستشف من مشروع النص الجديد.. مشروع هذا القانون المتعلق باستعمال الضرب ضد الأبناء والأطفال أثار ردود فعل متباينة بين مرحبة به ومستنكرة له. الذين رحبوا بمشروع القانون رأوا فيه مكسبا جديدا يضاف إلى ترسانة القوانين الهادفة إلى حماية الطفل التونسي من العنف وكل اشكال الاعتداء، في حين أن الذين استنكروه لم يستوعبوا تفاصيله وظنوا أن تأديب الأبناء باستعمال الضرب «الخفيف» يؤدي إلى سجن الأبوين وهو ما يعني التهديد بتفكك الأسر وتمرد الأبناء. جريدة الشروق رصدت آراء بعض الأولياء حول الموضوع وسجلت ملاحظاتهم وتخوفاتهم عبر تحقيق شمل عديد المدن التونسية. في القيروان تباينت الآراء بخصوص مشروع القانون بينما أكد بعض من التقتهم الشروق عدم علمهم بالأمر معربين عن تفاجئهم بالمسألة بينما أكد البعض الآخر أن هذا القانون نسخ وتقليد عن الغرب في حين أكد آخرون على حق الطفل في التربية والمعاملة الحسنة بعيدا عن العنف. «لا لم أسمع عنه» يؤكد الوالد الشاب منصور بن عثمان (أستاذ ووالد طفلين) قبل أن يؤكد أن الضرب التعسفي والضرب العنيف والشديد غير مقبول أصلا أخلاقيا وشرعيا مستدركا قوله أنه كذلك من غير المقبول بالنسبة إليه شخصيا أن يتم سجن الوالدين لأنهما يرغبان في تربية أطفالهما بالطرق المتعارف عليها ومن بينها «التربية بالضرب» وبين منصور أنه سيربي أبناءه كما تربى هو. في مدينة قفصة لاقى مشروع القانون معارضة قد يكون مؤداها عدم فهم القانون أو الاطلاع على كامل تفاصيله. ورأى أغلب المستجوبين ان اعتماد الضرب الخفيف لتربية وتأديب الأبناء محبّذ لكنه يصبح غير مقبول إذا تحول إلى عنف شديد. يقول السيد : عبد الله عمار (أستاذ تعليم ثانوي) بقفصة : من موقعي كمرب أستغرب تمام الإستغراب لوجود مثل هذا القانون، ويكفي ما نعيشه من تدهور العلاقة ما بين المربي والتلميذ حتى تطال المسألة الأسرة وتمس بعلاقة الأب بأبنائه، وإني أرى في هذا القانون غربة كبيرة عن واقعنا ولا يتلاءم مع مجتمعنا ذلك أنه حتى في المجتمعات الغربية التي تدعي تطورا في مسائل حقوق الإنسان قد أدت مثل هذه القوانين على مستوى بلدانها إلى نتائج وخيمة وسلبية من خلال تفشي العديد من المظاهر السلبية من أهمها تفكك الروابط الأسرية. «الأمر يدعو الى الاستغراب فعلا الى هذا الحد وصل بنا الأمر حتى نتنازل عن عاداتنا وتقاليدنا وخاصة المتعلقة بتربية أبنائنا؟». هكذا استهل السيد أحمد سهيل صاحب مطعم بسوسة وهو أب لأربعة أبناء حديثه مع «الشروق» وأضاف أنه من أسباب الإنحطاط المتفشي في الشارع التونسي هو عدم اهتمام الأولياء بأبنائهم وعدم السهر على تربيتهم ويؤكد أن مثل هذه القوانين تزيد في الطين بلة وستصبح ظاهرة عقوق الوالدين متفشية أكثر مما هي عليه الآن. السيد أحمد أكد أنه سيواصل تربية أبنائه بالطريقة التي يراها صالحة مثلما رباه والداه خاصة وأنه ينحدر من منطقة محافظة ويعيش أطفالها وشبابها وحتى كهولها على مبدإ الإحترام التام للوالدين وذكر أنه وإلى حدود يومنا هذا يتعرض الى التأنيب من والديه حتى أنه تلقى صفعة من والده لأنه لم يمتثل لأمره. في ولاية سيدي بوزيد رصدت الشروق أراء بعض المواطنين حول هذا الإجراء القانوني الذين أكدوا على أهمية هذا القانون الذي من شأنه أن يحمي الأطفال ويجنبهم الاعتداءات التي عانوا منها كثيرا وهي بالأساس نتيجة قلة وعي المربي سواء كان الأب أو الأم في مرحلة أولى أو حتى المدرس والمربي في مراحل تالية : محمد ن (موظف) : هذا الإجراء يؤكد بصورة قاطعة حرص تونس على مصلحة مختلف الشرائح الاجتماعية وخاصة الطفل الذي حظي في السنوات الأخيرة بامتيازات من شأنها أن تغرس فيه الاعتزاز بهويته الوطنية وتنشئه على خصال العمل والمبادرة والتعويل على الذات. كما تؤكد هذه المبادرة السعي الدؤوب إلى أن تنعم الطفولة بالأمان النفسي والمادي وتوفير المحيط الملائم للطفل لكي يبرز قدراته ومهارته والخروج به من متاهات الخوف والقلق.