في البدء لا بد من أن نرحب أشد الترحاب بأبنائنا و إخواننا و أصدقائنا المهاجرين العائدين إلى أرض الوطن ليقضوا معنا و بيننا عطلتهم الصيفية و ليستمتعوا بما حبا الله هذه الأرض من جمال و سحر و روعة .... الصيف عندنا لا يكون صيفا إلا إذا آب هؤلاء إلى مدننا و قرانا فيضفون عليها حركية و نشاطا و أجواء ممتعة من الفرحة و السعادة و الغبطة التي تضمنها " لمة الأقارب والأحباب و الأصدقاء " .... الصيف عندنا لا يكون صيفا إلا إذا جاء هؤلاء " من غادي " ، و غادي هذه تعني في ما تعني فرنسا و إيطاليا و ألمانيا و إسبانيا و بلجيكا و الولاياتالمتحدةالأمريكية ... أكثر أحبائنا من الجيل الأول و من الجيل الثاني و حتى من الجيل الثالث يعودون إلينا من غادي بسياراتهم و دراجاتهم النارية فتغدو الطرقات و أشباه الطرقات في مدننا و قرانا حلبات مفتوحة على الآخر للسباقات غير المعلنة و للسرعة القصوى الجنونية و للاستعراضات الخطرة .... هذا يمتطي دراجة نارية ضخمة بعجلتين ، و لكنه يكاد يطير على عجلة واحدة ، فيقود " طيارته " على العجلة الخلفية رافعا إلى أعلى العجلة الأمامية ، و لنتصور مدى الخطر الذي يمثله هذا السلوك على ممتطي الطيارة النارية و على المارة المساكين .... و ذاك و على الساعة الثانية صباحا يقود سيارته بجنون ، فيتخير ساحة كبيرة و يأخذ في الدوران بسيارته داخلها عشرات المرات محدثا ألوانا شتى من الهدير و الأزيز و الصفير و " التزرييط " بفعل الاستعمال المفرط للمكابح ، و المواطنون في منازلهم يلعنون فصل الصيف و من اقترح عليهم السكن في هذه المناطق ... و آخر يسوق سيارته في طريق لا يتعدى عرضها ستة أمتار تاركا وراءه الغبار في الأجواء و الرعب في القلوب .... نحن و لا شك نحب مهاجرينا بلا حدود لأنهم قطعة منا و لأننا قطعن منهم و لأنهم سفراؤنا في الخارج و نأمل أن يستمتعوا بوطنهم و هم يعودون إليه كل الاستمتاع ، و نحن مستعدون أن نضعهم في عيوننا و على رؤوسنا و هم قبل ذلك في قلوبنا و هذا " ما هوش مزية " .... و لكن أن تقترن عودتهم إلينا بالموت الزؤام لهم و لنا بسبب تهور عدد منهم و ميلهم إلى الاستعراض في أماكن لا تحتمل الاستعراض و بوسائل لم تصنع للاستعراض فهذا ما لا نقبل به أبدا أبدا و ينبغي أن يقع التصدي له بكل الوسائل لأننا ببساطة نريد عودة أبنائنا إلينا فرصة للتلاقي و اللمة و لا مناسبة للفراق إلى الأبد و الحزن و الغمة، فكم من عائلة عادت إلى الوطن بفرح غامر و غادرته بكل حزن و ألم و أسى لأنها تركت أحد أفرادها أو أكثر تحت الثرى في أرض الوطن و تركت عائلات أخرى ملتاعة يغمرها الحزن لأنها فقدت ابنا لها أو أكثر ، و كم من عائلة جاءت أرض الوطن لتقيم الأفراح و الليالي الملاح فإذا بالأمر ينقلب إلى جنائز و مآتم و بكاء و نواح .... ياسين الوسلاتي نشر هذا المقال بجريدة الصريح