منارة تونس تعود للإشعاع بتعليم زيتوني جدي وحازم انطلقت منذ أسابيع بجامع الزيتونة المعمور السنة الدراسية للتعليم الزيتوني الأكاديمي لينهل الطلبة مجددا من منبع العلم النقي في رحاب هذا الصرح الإسلامي العريق بعد ستين عاما من الهجر والمنع. وبذلك عاد الطلبة للجلوس أمام شيوخهم في لحظة تاريخية فارقة اعتبرتها مشيخة الجامع الأعظم منطلقا جديدا نحو استعادة أمجاد الزيتونة من خلال دوره في نشر العلم والإشعاع على كامل العالم الإسلامي. على الساعة الثامنة صباحا انطلق درس الفقه كأول دروس التعليم الزيتوني الأكاديمي لهذا العامفتوزع الطلبة الذكور على ثلاث مجموعات تسمى كل مجموعة بالطريقة، في حين التحق الإناث بجامع الزيتونة مؤقتا بعد أن كان مقررا أن تسير الدروس في جامع سيدي يوسف المجاور. وقد تم تحديد نظام التدريس الأكاديمي بحساب أربعة أيام في الأسبوع وبمعدل ساعة لكل مادة من المواد المقررة في برنامج السنة الأولى من التعليم الزيتوني. وكان الطلبة قد تذوقوا في أول أيام السنة الدراسية دروس العقيدة والنحو والأخلاق والقراءات والتاريخ في انتظار أن يتم تدريس باقي المواد تباعا حسب الجداول المعتمدة. وحول هذه الأجواء العلمية قال الشيخ سالم العدالي مدرس العقيدة والفقه انه "مضى على الطلبة زمن وهم ينتظرون هذا اليوم المبارك فكان يوما تارخيا تميز بابتهاج الطلبة وتحمس المشايخ حيث أخذ كل شيخ طريقته و تم سير الدروس وفقا للساعات المخصصة لها وتأكد الجميع أن التعليم الزيتوني الأصلي تعليم يتصف بالجدية والحزم ثقة بالله وأملا كبيرا في النجاح". أما من الناحية التنظيمية فقد تم توزيع بطاقات صغيرة على الطلبة الحاضرين والمرسمون بالتعليم الزيتوني، تحدد رقم الطريقة المسجلين بها تمهيدا لتسجيل أسمائهم في دفاتر المناداة التي تم طبعها وتوزيعها على باقي الفروع الزيتونية في كامل تراب الجمهورية. كما ستسند للطلبة بطاقات طالب زيتوني وشهادات مدرسية في وقت لاحق لتسهيل عملية تنقلهم وقضاء شؤونهم اليومية. وعن النظام التأديبي فقد أكد شيخ الجامع أن النظام الداخلي ينص أساسا على الانضباط من ناحية الحضور ومواكبة الدروس إضافة إلى وجوب التحلي بالأخلاق الإسلامية. ليست سوى البداية حول محتوى الدروس الافتتاحية قال أستاذ التاريخ علي العويني أنه قام بشرح البرنامج لطلبة السنة الأولى والذي سيخصص لتدريس التاريخ القديم وعصور ما قبل التاريخ بالإضافة إلى شرح المصطلحات للطلبة تمهيدا لأولى الدروس في هذه المادة. وهو نفس الحال في درس العقيدة للشيخ حسين العبيدي الذي بدأ بشرح البرنامج والمقدمات والمدلولات اللفظية لمصطلح العقيدة بأسلوب يغلب عليه الحزم والطرافة في آن واحد داعيا الطلبة إلى التقيد بالمراجع المعتمدة في برنامج التعليم الزيتوني الأصلي. ومن الناحية الإجمالية لم يكن استئناف التعليم الزيتوني بالأمر الهين على كل المستويات إذ تطلب بذل مجهودات جبارة في ترسيم الطلبة و طبع الاستمارات و تحديد البرامج و لم شمل الزيتونيين. ورغم قلة الإمكانيات البشرية فإن القائمين على إدارة التعليم الزيتوني لم يفتروا على دفع عجلة الزيتونة للدوران من جديد معتبرين أن هذا الاستئناف ليس سوى بداية وخطوة أولى نحو مشروع الزيتونة الحضاري في انتظار أن يتطور التدريس بتطور المعدات والتجهيزات وبالحصول على قاعات مجهزة ومخابر لتدريس المواد العلمية الطبيعية. كما تسعى المشيخة في هذا الإطار إلى تدعيم الإطار التدريسي من المشايخ الزيتونيين في المواد الشرعية و قد أعلنت عن انتدابها لأصحاب الشهائد الزيتونية للتدريس بمقرات التعليم الزيتوني الأصلي. كما ترحب المشيخة بكل الترشحات للتدريس في عديد الاختصاصات كاللغات الحية والعلوم الطبيعية والرياضيات والخط العربي و كل المواد المدرجة بنظام التعليم الزيتوني في مراحله المتقدمة. هذا وقدمت مشيخة جامع الزيتونة تصورا مبدئيا للتعاون مع جامعة الزيتونة من خلال رسكلة المتخرجين من الجامعة الزيتونية والمتحصلين على شهائد معادلة للأستاذية و ذلك لتكوين إطارات تدريس للمرحلة الأولى والثانية من التعليم الزيتوني الأصلي. في مقابل قيمة هذا الحدث التاريخي بافتتاح أول سنة دراسية للتعليم الزيتوني في أول جامعة في العالم الإسلامي على مر التاريخ بعد ستين عاما من الإقفال، غابت وسائل الإعلام بصفة كلية ما عدا إذاعة الزيتونة، ولذلك ربما كانت قيمة الزيتونة التاريخية والحضارية والعلمية أثقل في قلوب الأجانب من بعض التونسيين أنفسهم. لكن الأهم من هذا أن بذور المشروع الحضاري للزيتونة قد زرعت من جديد في انتظار أن تثمر من سقيا العلم والمعرفة والتميز ما صامت عليه هذه البلاد دهرا.