بحضور جمع من الأكادميين والمثقفين و النقابيين تم مساء الأربعاء 23 مارس حفل توقيع كتاب »المعادلة الصعبة فشل حركة الاستنارة الحديثة بالبلاد العربية« الصادر في جوان 2010 عن دار الساقي بلبنان و لكنه حُجز و مُنع من التوزيع في تونس جريدة الشعب واكبت الحدث و قامت بالحوار الآتي مع المؤلف: ❊ لو نستهل الحوار بتعريف الكتاب و صاحبه؟ الكتاب صدر في شهر جوان 2010 وعنوانه : »المعادلة الصعبة فشل حركة الاستنارة الحديثة بالبلاد العربية« وهو في 230 صفحة صدر عن رابطة العقلانيين العرب ودار الساقي في لبنان ويضم خمسة أبواب تُعنى بمسائل استعصاء نيل الحداثة و التنوير في البلاد العربية رغم مجهودات النخبة و فيه تركيز خاصة على دور العوامل الداخلية أو ما أسمّيه »التدمير الذاتي« في ترسيخ التخلّف والركو. وقد تم ترويج الكتاب في كامل البلاد العربية بما فيها فلسطين المحتلّة وفي فرنسا ولندن وبالمقابل فقد مُنع من الترويج في تونس بلد المؤلف ولم يقع إطلاق سراحه إلا بعد سقوط نظام بن علي مع جملة من »الكتب السجينة«. وأنا باحث مختصّ في التاريخ المعاصر و الأنتروبولوجيا التاريخية و أستاذ تعليم عال بكلية الاداب بصفاقس. حقل الاهتمام الأساسي هو التاريخ الاجتماعي من مؤلّفاتي : »الحياة العائلية بجهة صفاقس بين 1875 و1930 «، »شتات أهل وسلات بالبلاد التونسية من 1762 حتى مطلع القرن العشرين«، »النخب الاجتماعية التونسية زمن الاستعمار الفرنسي الأشراف والبلدية مثالا« وكنت في خاتمة هذا الكتاب قد أشرت إلى الغبن الذي لحق بفئة البلْدية و تكهنت بعودتهم إلى واجهة الأحداث . بالمناسبة لابد أن أذكر إني من الناشطين في الحقل الجمعياتي والنقابي وقد توليت الكتابة العامة لأول نقابة أساسية بكلية الآداب بصفاقس من 1996 حتى2000 . ❊ ما سبب منع الكتاب في عهد حكم بن علي؟ وجب القول إن مدة المنع لم تطل فقد دامت 6 أشهر فقط و الفضل في ذلك لثورة 14 جانفي المجيدة التي عصفت برموز الاستبداد في انتظار محاصرة العقلية والثقافة الاستبدادية . وعن سبب المنع فهو من المفروض أن يُطرح على جهاز الرقابة في عهد بن علي فأنا إلى حد الآن لا أعرف تحديدا سبب المنع فالكتاب عبارة عن دراسة فكرية تاريخية لأفكار الاستنارة والتحديث ويدرس ظواهر عامة تخترق كامل الفضاء العربي و حتى ما تناولته حول تاريح تونس فكله عبارة عن تحاليل وبيبلوغرافيات لرموز حركة الاستنارة والتحديث بداية من خير الدين و صولا الى الطاهر الحداد فالكتاب هو عبارة عن مقاربة تاريخية وانتروبولوجية شاملة وهو مثل أغلب كتابات الجامعيين لتونسيين فجلها لا تنتهج أساليب الثلب او الشتم أو التشهير. قد يكون السبب مناداتي بتكوين الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على المواطنة والتي أكدت في كتابي إنها مازالت مشروعا مجهضا في العربية وهذا كلام لا يعجب زبانية بن علي الذين اختصوا في المديح و التجميل و تزييف الأرقام لايهام الرأي العام الداخلي و الخارجي بأن تونس »جنّة و معجزة« بغية تأبيد الحكم و احتكاره عند بن علي وأقاربه و أصهاره. ❊ هل كانت الكتب الممنوعة -و منها كتابكم - تمثّل خطرا على تونس؟ لا بد من التشديد على إن الفكر و الثقافة لا يمكن منعهما من الرواج بسجن الكتب و القراطيس في المخازن و الموانئ فسلاح الانترنات موجود وها نحن نتخلّص من عمّار404 الافتراضي و عمّار الأرضي و أتمنّى أن يكون ذلك دون رجعة . كنت قد صرّحت في مناسبة سابقة بأن آخر اهتمامات بن علي هي قراءة الكتب والاهتمام بشان الفكر والثقافة ولكن جهازه الرقابي هو الذي يقوم بهذه التجاوزات ولا بد من العمل على القطع النهائي مع التسلًط والاعتداء على حرية المبدع والمفكر والجامعي ففي ذلك ضرر بالمجتمع الشّامل . إن ظاهرة الرقابة المسلّطة على الانتاج الأدبي و الفكري و الثقافي هي من مظاهر التخلف و الاستبداد و »التدمير الذاتي« لقوى المجتمع و هو فصل من فصول كتابي فليس الخطر الخارجي و الاستعمار وللامبريالية فقط مسؤولة عن تحلفنا و تهميشنا هناك ايضا نصيب للحكم غير الرشيد في السير إلى الوراء . هي مفارقة إذن ففي حين يؤكد الخطاب الرسمي في عهد بن علي على حرية الإبداع و الثقافة و الاحتفال بالمؤلفين كانت عمليات المنع و المصادرة تستهدف الكتّاب والمبدعين. في العهد السابق تشكّل مشهد ثقافي رسمي أثّثه »الانضباطيون« و »الغانمون« و »بعض الطامعين« في حقل الثقافة والفكر ورمزيته على قائمات المناشدين و لو إن بعضهم يذكر أنه زُجّ بإسمه عنوة ودون مشورته وهذا وارد ولكن كان بإمكانهم التكذيب حينها و لو أن بطش الجهاز السابق كان يمكن أن يطالهم بتلفيق تهم »المخدرات والعملة« والسيناريو معروف . بالمقابل كان هناك مشهد ثقافي مواز لم يكن ثوريا بل كان صامدا سواء في رحاب الجامعة التونسية أو في الأنشطة الجمعياتية المستقلة و التي رغم الحصار و التضييق تمكنت من الصمود وعدم الانخراط في ثقافة »التهليل« . وللتذكير فقد عاشت تونس نوعا من الانفراج النسبي في الأشهر الأولى لسنة 1988 و لكن سرعان ما انطلق نظام بن علي في المنع و الزجر و قد كانت الحركة الصحافية أوّل ضحاياه . فيما بعد أصبح التضييق هو القاعدة فقد كانت طرق المنع عديدة سواء عبر منع الكتب في الحدود أو عند عملية الايداع القانوني وممارسات أخرى مثل شراء كميات من المكتبات و إتلافها بالحرق وهو أسلوب متعمّد مع الكتب التي تروج في الخارج و صاحب هذه الحيل الرخيصة معروف عند الجميع. ❊ ما مستقبل النشر والإبداع في تونس الجديد؟ أكرر ما قلته سابقا الفكر والثقافة لا يمثلان أسلحة فتّاكة إلا للحاكم الاستبدادي فالكتب لم تسقط بن علي ونظامه لقد أسقطته عربة خضار و أسقطته أنات المحرومين و المهمشين . لقد ألجم الاستبداد أفواه الناس و منع عنهم القوت فكانت الثورة ذات مضمون اجتماعي هو الغبن الطبقي و ذات مفهوم فكري و ثقافي هو حرية التعبير وأي تظام حكم جديد يطمح إلى الرقي بالبلاد لابد ان يعمل على إرساء دعائم الحرية في محتلف أبعادها وعلى إرساء العدالة الاجتماعية والجهوية . لقد تعرّض عدّة باحثين ومبدعين ومدوّنين للمنع المباشر وغير المباشر او عاشوا نوعا آخر أخطر من المنع هو الرقابة الذاتية ومطمح كل المثقفين الآن هو حرية القول والكتابة دون منع ولا وصاية وبكل مسؤولية أيضا . وأعتقد جازما أن الاتحاد العام التونسي للشغل سيكون ويجب أن يكون له الدور الفعّال في نشر الثقافة الحرّة والبنّاءة ومثلما ركّز في السابق على الدراسات الاقتصادية والاجتماعية لا بد له الآن أن يخصص حيّزا للدراسات الثقافية والفكرية.