عن دار المهى للنشر صدرت للاديب محمد بوعمود مجموعته الادبية الخامسة باللغة الفرنسية في طبعة أنيقة يتصدرها صورة الشهيد محمد البوعزيزي قدم الكاتب من خلالها جردا شاملا لمدينة سيدي بوزيد من كل النواحي الاقتصادية منها او الاجتماعية مع مقارنتها بمختلف الولايات الاخرى ليتضح جليّا ان هذه الولاية تقبع فعلا في القاع من كل النواحي وان اهاليها يعانون الامرّين وحادثة البوعزيزي مثالا لذلك من المآسي الحياتية المعيشة بسيدي بوزيد وانت تتجول في شوارع المدينة يتراءى لك بعض الكهول وهم بصدد احتساء اشيائهم المختلفة منذ الساعات الاولى من الصباح وتلك نتيجة حتمية لبطالتهم الدائمة ويأسهم المفرط.. او يتراءى لك طفل لا يتجاوز ال 11 عشر سنة وهو يشتغل حمالا او طفلة تعمل من 8 إلى 16 ساعة باحدى المعامل المجاورة باجر لا يتجاوز ال 50 دينارا في الشهر شكري العامري مثلا ذو 29 سنة يقطن على بُعْد كيلومترات من المدينة في بيت يتيم يتسع ل 9 اشخاص، الرجال في مكان والنساء في مكان آخر. الماء الصالح للشراب يشترونه عبر صهريج ب 20 دينارا. احدى النساء اكدت انها لم تغسل شعرها منذ اكثر من 20 يوما.. هم يقولون ان يتندرون ان لسدي بوزيد ايضا طرابلسيتها وهم طبعا العمد ورؤساء الشعب والجامعات والمعتمد وخاصة الوالي. وإذا عدنا الى موضوع الكتاب فنجد ان الكاتب طرح مأساة محمد البوعزيزي منذ بدايتها الى حدود فرار الرئيس المخلوع. طارق بن الطيب البوعزيزي او محمد كما يسمونه من مواليد 1984 له اخ اكبر واخت صغرى فقد والده وعمره انذاك 3 سنوات.. بعد 6 اشهر تزوج عمه من امه ربما حماية للابناء ورأفة بهم وقد اثمر هذا الزواج 4 أطفال. تعود محمد منذ صغره (10 سنوات) على ممارسة التجارة الخفيفة أو الطفولية ان صح التعبير كشرائه للحلويات المختلفة والبسكويت (والشنقوم) وبيع بضاعته تلك بين ازقة وشوارع المدينة لم يستطع محمد ان يكمل دراسته الثانوية في المعاهد العمومية فاضطرت والدته الى ترسيمه بمعهد خاص حتى السابعة ثانوي ولم يفلح في اجتياز شهادة الباكالوريا اذ انقطع قبل موعدها باربعة اشهر ليمتهن فعليا تجارة الخضر والغلال من سوق الجملة بالمدينة نحو الاحياء المجاورة لها ولم تكن هذه المهنة بالسهولة التي كان يتصورها فقد لاحقه اعوان التراتيب البلدية وافتكوا منه عديد المرات بضاعته او ادوات عمله (الميزان وما تابعه) مع تخطئته مرارا بمئات الدنانير. الجمعة 17 ديسمبر 2010 الساعة السادسة والنصف صباحا محمد يدفع عربته في اتجاه سوق الجملة التاسعة صباحا كان محمد يتنقل بين الانهج والازقة متفاديا اعوان البلدية الساعة الحادية عشر صباحا رآها ورأته عون البلدية لا مفر من مجابهتها لانها قررت يومها ان توقفه فلاحقته جهارا وكانت المواجهة التاريخية حاول بكل الطرق اقناعها بانه العائل الوحيد للعائلة وليس له من عمل سوى هذه المهنة ليرتزق والعائلة منا ولكنها تمسكت بإيقافه وافتكاك بضاعته حينها نطق تجاهها بكلمة غير اخلاقية نوع ما حسب رواية احد الشهود... حينها صفعته بكل قواها على مرأى من المارة لم ينبس محمد بكلمة ولم يرد الفعل بل توجه مباشرة الى الولاية لتقديم شكوى في الغرض لكن لا احد سمعه ولا احد اهتم بأمره. (الهمامة) لا يُصفعون وخاصة من قبل النساء كان يدرك ذلك جيدا، تدبر امره في لحظات وتحصل على كمية من (الديليون) وسكبها على جسمه لتشتعل النار فيه وهو يصيح بكل قواه اشهد لا إلا الا الله واشهد ان محمد رسول الله وبينما كانت النيران تشتعل في جسده المنهوك كان اعوان البلدية يضحكون نعم هكذا الا امرأة كانت مارة من هناك فرقت لحاله وجرت نحوه لتطفئ النار بمعطفها ونزل الخبر نزول الصاعقة على أهالي المدينة و(اشتعلت) في مدن كثيرة من الولاية لتنتقل العدوى إلى جل الولايات الاخرى. يوم 4 جانفي نزل الخبر الفاجعة محمد البوعزيزي يفارق الحياة ورغم الخطب الثلاثة للرئيس المخلوع فان ذلك لم يمنع الثورة من الاشتعال يوم الجمعة 14 جانفي الخامسة مساء الرئيس المخلوع يهرب في اتجاه المجهول وعلى الساعة 7 مساء يتولى الوزيرالاول الرئاسة بسبب الفراغ وتولاها بعدهُ رئيس مجلس النواب بعد تأكد فرار بن علي.