❊ تبحث النخبة التونسية عن ثقافة بديلة أو بديل ثقافيّ في ظل ركود سيطر عليها سنوات طويلة، كيف ترى هذا البديل مستقبلا؟ عن أية نخبة نتحدث لا سيما أن نبض الشارع تجاوزها!؟ عن أية نخبة نتحدث وهي في الحقيقة أَوْهَن من بيت العنكبوت، أَوْهَن من الوهن في حدّ ذاته، لأنها ابتليت بالتملق والمحسوبية والادعاء، فباتت هذه الصفات المشينة علامات عالمية مسجلة تدل عليهم واحدا واحدا... عن أية نخبة نتحدث؟ هل هي تلك التي ناشدت وبايعت واستحوذت وما زالت على كل المنابر الاعلامية والهياكل الثقافية والمهرجانات والندوات والامسيات باسم الشعر، يسألونك عن الشعر التونسي: قل قليل قلة ماء الوجه هذه الايام! شعبنا الأبيّ خاض معركة مصيره أعزل من طليعته ومن نخبه فهل يحق لهذه النخبة اليوم ان تنادي بثقافة مغايرة!؟ وهل يحق لها ان تطل فجأة كالفطر فارضة نفسها ملهمة ومرشدة لآلام الجماهير وآمالها!؟ في خضم هذا كله أؤكد ان الثقافة مشجب للثورة والثورة هي الثقافة بعينها وما على المثقف العضويّ الا ان يذهب بعيدا في ممارسة دوره التنويري والتثويري لا كإلاه أو نبيّ وإنما كإنسان يٌنشد إنسانيّته في الآخرين تضحيةً. وما الحديث عن ثقافة بديلة أو عن بديل ثقافي الا حديث عن مشروع ثقافي وطني متكامل.ومن متطلبات ان تكون الثقافة وطنية نابعة من رحم هذه الأرض التونسية ان يكون القرار السياسي للبلاد وطنيا فأنت عندما تكون سيد نفسك تكون حرا وان تكون حرا معناه ان تكون انسانا له حق الاختلاف في شكل الاقامة على هذه الارض. فالسياسي والثقافي يتعاضدان ويتكاملان. ان بيان حزب مّا هو في الحقيقة لا يتعارض وقصيدة مّا، لكن في تونس الاحزاب تعمل بجد دائما على ترويض المثقف وتدجينه، وبالتالي هذه الأحزاب تحمل مشاريع مبتورة لا يمكنها ان تذهب في لجّة العملية السياسية بعيدا. إن هي ظلت تعتبر المثقف (الشاعر والكاتب والمفكر) تابعا وبوقًا لها! ❊ تَسْعَوْنَ منذ مدة إلى تأسيس حركة شعرية جديدة ضد السائد والمألوف، ما هي آفاق هذه الحركة في ظل تهميش الأحزاب للعمل الثقافي؟ أمس عندما أفضى بي قطار الانفاق الى الجامعة كما لو أنني كسْر عروضيّ طارئ طال جمجمة المدينة كنت اعتقد وما أزال انا وجيلي جيلُ الألفية الثالثة جيل الغربة والتشرد، جيل الثورة، أننا نقطع نهائيا مع بؤس المشهد، مع سكونيته الحادة كشفرة حلاقة صدئة، مع فراغه المتلف للبصر والبصيرة لنؤسس مرحلة ابداعية جديدة خصبة تستمد من الحداثة أنوارها .وَعْينا ان القصيدة أمضى من سلاح .وَعْينا الانفلات من عقال المطلقات الثابتة. وَعْينا في أن القصيدة تخلق قوانينها لحظة انكتابها. تبين لي تجربةً وممارسةً ان المشهد الشعري التونسي يرزح منذ عقود تحت وطأة الموت والموتى، يشكو عطالة طالت دورته الدموية فتبدّى منكفئا مٌقْعدًا لا يكِفّ عن كونه طلسما باعثا للرّيْبة ومُقرفا، مقفرا باعتباره مرتَعا مروعًا للرّذائل والبذاءات في أبهى أبّهة، مما يفرض علينا وصفه بالمدجنة او لنقل انه بركة آسنة متعفّنة راكدة ركود الميّتين في مقابرهم... أرى أن الحرس القديم موبوء بالعقم فتراهم ولن تراهم الا غرقى لعابهم المسموم يتحفّزون للاقتتال سلاحهم عوراتهم اي قصائدهم أعني نفاياتهم التي لا تعدو ان تكون إلاَّ سعالا وشعوذات وطلاسم لا تجمعهم الا حياكة الدسائس والشائعات والأباطيل لا يتورعون عن إسقاط كل عصفور قروي لا يقلّد نعيقهم ولا ينحٌو عاداتِهم! كل ذلك يحدث تحت وقع المحاباة تصفيقًا وتهليلا من جهة ومن جهة أخرى يندرج ضمن »لعبة إغماض العينين« إضحاكًا وتَسليةً. باختصار شديد ما من شيء يسر أحدا ولا نملك، نحن الجيل الجديد، الا ان نعْمد الى رشق تلك البركة بالحجارة والبيض واعقاب السجائر ولن نتردد أو نتكاسل في اقتلاع تلك الطفيليات والطحالب الهشّة. فهي مأهولة بالنكوص تحمل داخلها مشروع اندحارها بلا رجعة وما علينا انسانيا الا مساعدتها على ان تمضي قٌدٌمًا نحو أفولها المفرح حتما! ما يلزمنا فعله بالضبط بوصف أولئك عميانا في حضرة النور ان نكسر عكاكيزهم ونشعل النار في تلابيبهم ونرشدهم الى مقابرهم كرما منّا. نعدهم بتماثيل ومدائح، نعدهم بأوسمة وأشرطة ملوّنة تزركش توابيتهم نعدهم بجنازات باذخة لن نَمْشِي فيها الا مصفّرين مقهقهين راقصين رقص الدّبكة.ان تأسيس حركة شعرية فكرية معناه انبعاث جديد لثقافة وطنية سوف يعمُ خيرٌها العالمَ! ❊ يرى البعض أن الإعلام كان حلقة الفراغ التي عمّقت قتامة المشهد الثقافي، ما هي شروط نهوضه؟ ان الاعلام التونسي بعد الثورة واندلاعها أخطر من النظام البائد في حد ذاته، لئن تعددت الصحف والوسائل والوسائط في نقل الوقائع ومحايثة الشأن الوطني الا أنها مَشٌوبة باللّبس من حيث التعامل والتناول بمعنى ان الاعلام الثقافي ظل رهين الرقابة والتعتيم وعاش رهين طغمة تابعة وموالية لأجندة أجنبية!؟ فكيف نطالبها ببثّ ثقافة وطنية وهي المجتهدة بكل حزم في حجب الحقيقة، كيف نطالب الجلاد ان يكون وردة او عصفورا؟ شخصيا أقرأ الصحف اليومية لكني لا ألمس تحوّلا جذريا في متابعتها لواقع الجماهير الثائرة لا ألمس الا تسطيحا وتهميشا. ان الاعلام الحر والوطني من شأنه ان يعيد للعقل مكانته وللانسان التونسي مواطنته وانسانيّته! وبالتالي يعدّ الاعلامٌ السلطةَ الأولى في تغيير نظرة المجتمع للعالم والاشياء والقيم والممارسة فمن لا يملك اعلاما وطنيا حرا لا يمكنه ان يؤسس لثقافة جماهيرية وطنيّة تعانق الانسانية!