»وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق من زهرة يربها الفرات بالندى...« علت الامواج وتلاطمت عل صخور (كهف الهندي) هذا الجبل الذي يتوّج عروسة قربص إلى ان ابتلعتها الا تلك الصخرة الصلدة الشامخة في تحد لكل الطغيان.. ترفع رأسها عاليا في مثلث عين أقطر وكأنها اقسمت على احتضان ذاك النبع الصافي بكل حنو الامهات وحمايته من فلول العواصف في هذا الساحل الذي عصف بعلوج الطليان والرومان ذات زمن... كان يبدو كسلحفاة البرّ وهو يرتدي قشّابية خلاّدية من الصوف الحرّ الخرّوبي وكانت الدرع تجاه زبد الامواج وخيوط المطر... كان طارق مصرّا على الظفر بصيد يحتفي به وعائلة خطيبته احلام في ليلة رأس السنة الميلادية في ليالي ديسمبر الباردة... رفرف فؤاده لابتسام الوليد على شفاه نجلاويّة العينين وهي تطبع في وجل قبلة على خد الامير أَفَلَيْسَ خالُه على خدّهِ الايسرِ سوى وسامِ النبل الذي يجري في شرايينه؟ ثم فرّت مذعورة على صوت امّها كلثوم: أحلام هيا احضري الكانون لشيّ غنيمة »مولا بيتك« الدكتور طارق. ركب صهوة الصخرة الملساء كأنه ذياب فارس بني هلال وهو يتأهّب لنزال خليفة الزناتي... وقد ألبس الصخرة أسفل القشّابية وبقي متوثبا للقنص.. لابد ان يسدد رمحه في عين الطاغية اليسرى ليصيب مقتل الساحر بو سبعة ارواح على حين غرّة. كذلك انسربت في ذهنه روح ذياب عليه إذن ان يقاتل بروح الفرسان لا بسيوفهم... عدّل بندقيّته ذات الوجهين عندما لمح سربا من الإوزّ الابيض يرفل في احتفالية بالسمك الذي هرب الى جانب الصخرة بحثا عن دفء متوسطي ما وأومأ إلى أبناء عمّه الكامنين في أعلى جبل كهف الهندي بعدم اطلاق النار اذ يمكنه ان يلقي شباكه على السرب... بعد لحظات من الترقب تشبه تلهُّفَه للقاء احلام في محطة باب عليوة وهي قادمة في حافلة زينة وعزيزة يمنّي النفس باستنشاق رائحة الزهر وهو يحضنها وقد رقص فستانها الابيض على قدميه... ولكن البياض غدا فجأة وردا أحمر قانيًا لعلها ورود شقائق النعمان طرّزتها على صدرها وقد مزجتها بروح صبيّة عذراء ولهى... احسّ طارق بقرع يقطّع قلبه وبنيران صديقة أو كاشحة تفجّر دماء حارة من صدره الخافق على الدوام بروح الياسمين همْهَمَ بصوت دَنِفٍ سفر بدر شاكر السيّاب. »نابُ الخنزير يشقّ يدي ويغوص لظَاه إلى كبدي دمي يتدفق ينساب لم يعُد شقائق أو قمحا لكن ملحا...«