يمثلان العنصر الثاني في التّقارب بي الأفكار الوظيفية والماركسية... فحقيقة الأمر أن الوظيفية ترفض على نحو مبين اي تفسير لعدم التكامل الاجتماعي على المدى الطويل الى التكامل الاجتماعي في جميع الأنساق الاجتماعية الموجودة، فظهور الصراع في اي بناء اجتماعي آخر ولا مفر منه، الا ان الحاجة الى وجود نظام مجتمعي التعاون (مهما يكن من شأن الخصومة والصراع). يؤدي ويخلق انساقا ونظاما في السلطة والقوى، وبهذا يمكن القول بأن الصراع والاقامة هما عمليتان تتميزان بالحتمية والتداخل وان كلا منهما تساعد على نشأة الاخرى، فالصراع من خلال الانسان يعتبر مصدر الأنشطة المختلفة الاشكال التنمية... وتنمية المجتمعات عبارة عن عملية نمو للانسان، كل فرد يعتبر إنسانا وتزداد العلاقات النسقية بتزايد تخصصات الافراد وتباين أدوارهم وباتساع وزيادة الانظمة والتظيمات تنشأ العلاقات النسقية من خلال التداخل بين الأوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية... والافراد في تعاملهم على مستوى الصراع والاتفاق يخلقون التساند والتكامل... ولكن يلاحظ ان الوظيفية لم تقدم اي برهان يؤكد وجهة نظرها في التكامل والتساند والتكافل على المدى الطويل... ومن هنا ندرك ان علماء الوظيفية أدمجوا الصراع الاجتماعي في التكامل والانساق والتساند، من امثال هؤلاء العلماء اLeach samuelبفي مجال الأنساق السياسية ودوركايم وميرتن في الاغتراب ومعظم الوظيفيين أمثال اRadeleff Brownب والتفسير الماركسي عكس التفسير الوظيفي في الصراع، فلقد حللت الماركسية الجدلية التفكك والصراع الاجتماعي في مضمون النظرية الديالكتيكية وميزت بين عدد من درجات الصراع الاجتماعي... ولقد بلور فرانك فكرة الصراع في الرؤية الماركسية باعطاء مثال للعلاقة الطبقية في ضوء التكامل الاجتماعي. فعملية الانتاج تنظم من خلال تعاون الطبقات في تقسيم العمل ويلاحظ ان ادراك الماركسية وتأكيدها على الطبيعة الاجتماعية للانتاج لم يؤثر على رؤيتها للارتباط الطبيعة غير الاجتماعية لتوزيع الانتاج الرأسمالي، وعلى نتائج التداخل في العمليات الانتاجية بواسطة الاحتكار البنائي، وايضا على نتائج الصراع الطبقي. ويمكن القول بأن النظرية الماركسية للديالكتيكية وللتناقضات تعتبر اساس التباين بين الماركسية والوظيفية، فأساس الصراع والتضاد في الديالكتيكية هو التفسير الكلي، فالرؤية الماركسية الجدلية للطبقات تعتمد على فكرة التضاد، وان متضادين تتواجدان في ترابط ثم في علاقات صراعية فيما بينهما ليس بميكانيزم كل طبقة للأخرى، كما شرحها الوظيفيون في نظرية التدرج الوظيفي، فمن وجهة نظر فرانك لا توجد مثل هذه الافكار الوظيفية وان محاولة ايجاد تقارب بين الاتجاهين يعني تعويض الوظيفية في افكارهم مما افتقدته بأي وسيلة كانت. التطور: اEvolutionب بذكر فرانك بأن كلا من الوظيفية والماركسية تختلفان في نظرهما الى عملية التطور التي يعتبرها البعض عنصرا من عناصر التقارب بين كل من المنظورين فيقول فرانك ان الوظيفية قد عالجت عملية التطور بنفس الاسلوب الذي عالجت به الصراع الاجتماعي، لقد أدمجت الوظيفية التغير الاجتماي في جوهر التحليل الوظيفي للمجتمع ومن امثال هؤلاء اEggar Edimondب - Raymond Firth - Max Clukman . فكل هؤلاء العلماء درسوا التغير الاجتماعي، ولكنهم لم يتعرضوا للتطور وكان الأسلوب الذي اتبعوه في دراسة التطور هو نفسه الذي اتبع في دراسة الصراع الاجتماعي. فلقد حددوا تحليلهم للتغير الاجتماعي في حدود الوجود البنائي الاجتماعي للنسق، اي التغير داخل البناء وداخل النسق في ذاته، مع مراعاة بقاء بناء النسق كما هو، وان التغيرات تتم داخله فقط، وبهذا فانهم لم يتعرضوا التغير النسق والتغيير بنائه، بمعنى النسق نفسه او تغير البناء نفسه، وبهذا فانهم اعتبروا ان النسق والبناء الاجتماعي مصدر للتغيرالاجتماعي وليس مجالا للتغير الاجتماعي. اما الماركسية، فتعتبر ان مصدر التغير هو البناء الاجتماعي، ويمتد الاختلاف بين الوظيفية والماركسية الى عملية التغير، وفي تخصيصها للبناء الاجتماعي، فالماركسية لا تعتبر التغير الاجتماعي والتطور الاجتماعي مفاهيم مجردة، وانما تنظر اليها على اساس ان كلا منهما يمثل ميكانيزم يتعاقب في العملية الديالكتيكية فالديالكتيكية اهم مصدر للتطور والتغير. والتساؤل الآن هو: كيف تحلل الوظيفية التطور من خلال الكل الاجتماعي؟ اذا ما أثبتنا سلفا أنها لم تدرس الكل. التوازن يعتقد العلامة فان دين برخ اFan den Borgheب بأن الوظيفية والديالكتيكية تتقاربان في نموذج التوزان بطريقة تتسجم مع الافتراض الخاص بالتقارب في التكامل على المدى الطويل. ولكن فرانك يرى ان افتراض التكامل يشوه الافكار الديالكتيكية والماركسية التي تفترض ان الواقع الاجتماعي يحمل في طياته عدم التوزان السلبي، وان الكل الاجتماعي يحتوي على بذور عدم التوازن البنائي في تطوره وتحوله. ويستطرد فرانك في شرح وجهة نظره، فيقول بأنه كي تحصل على تقارب وتأليف بين الوظيفية والماركسية في هذا الخصوص يجب ان نجرد الديالكتيكية من نظرتها ومن تحليلها للوجود والقول الحتمي للكل الاجتماعي، ويجب ايضا إنكار التماثل في العملية المادية التاريخية والتقسيم الديالكتيكي الخاص »بالتضاد« فاذا حدث ذلك تحققت أفكار فان دي بوخ وفي مجال التقارب بين الوظيفية والماركسية يتساءل فرانك قائلا: إذا تنازلت الوظيفية عن عنوانها، فماذا يبقى للتقارب بين الوظيفية والماركسية؟ ويعتقد فرانك ان الذي سيبقى هو انتظار نظرية حديثة في علم الاجتماع. وبجانب مجادلة تأليف التقارب بين الاتجاهين، نجد البعض الآخر لأمثال »ديك اتكنسن« قد رفض مفاهيم ومصطلحات كل من المنظورين الوظيفي والماركسي الخاص بالطبقة والدور البناء الاجتماعي والمكانة... الخ. ويعتقد أنه بدلا من الاهتمام بالبحث في التقارب بين الاتجاهين، يجب ان يتجه علم الاجتماع الى معالجة جديدة للأنشطة المجتمعية الجديدة التي لم تعالج من قبل على أيدي علماء الاجتماع أمثال »بارسونز« و »ماركس«، فالمجتمع يتغير بسرعة، وهذا التغير يتطلب ان نلاحقه بالدراسة وعدم الثبات على دراسة المفاهيم السابقة. ويعتبر هذا الرأي ثورة في مجال علم الاجتماع ونقطة البداية في محاولة ايجاد بديل راديكالي لكل من الاتجاهين الوظيفي والماركسي. هذا الى جانب اعتقاد البعض بأن كلا الاتجاهين لم يصل بعد الى مرحلة النظرية، وانها الآن في مرحلة نموذج النظرية لأن كلا منهما قد اهتم بجانب واحد ولم يهتم بدراسة النسق ككل في الواقع، فمثلا بارسونز بعد ان انتهى من اعداد النظرية الاجتماعية ذكر انه لابد من العمل والبحث في التغيّر الاجتماعي للوصول الى نظرية في هذا الخصوص. بعد العرض السابق نستطيع القول بأن محاولة ايجاد تقارب بين الوظيفية والماركسية يعتبر محاولة علمية وفي النظرية السّوسيولوجية، دليلا على ان جميع العلماء الوظيفيين والماركسيين وخلافهم أحرار في اختيار اسلوبهم ومنهجهم العلمي بما يلائم الظروف الاجتماعية، التقارب مثل علمي على الحرية المنهجية، ولكن يجب ان نلاحظ ان تلك الحرية العلمية المنهجية مثل اي نوع من انواع الحرية، مقيدة بالواقع الاجتماعي وليست محددة بميول الباحث الذاتية. ويعتقد ان الاستعانة بدمج الاتجاهين او باستخدام مفاهيم ومصطلحات خارج تصور الاتجاهين في دراسة واقع مجتمع معين قد ترجع الى عوامل تاريخية واجتماعية وسياسية متنوعة تختص بالمجتمع وخاصة بالنسبة الى الدول النامية التي تمر الآن بمرحلة التغير السريع وتحاول انماء مجتمعاتها واعادة تقييم تجربتها في عملية الانماء لمعرفة الايجابيات والسلبيات لكل فترة زمنية. وتعتمد الدول النامية في ذلك على الدراسات التحليلية للاتجاهات الرئيسية في النظرية الاجتماعية. وبمناقشة كل من الاتجاهين على حِدَةٍ، نجد انه غير صالح في تفسير عملية التنمية في الدول النامية. فقد اتضح ان قضايا الماركسية الحديثة التي تتمركز حول فكرة الاحتكار العالمي والتبعية غير كافية في تفسير المجتمعات النامية، اذ يجب ان تتعرض ايضا لردود أفعال الدول النامية، لأن ميكانيزم عملية التنمية والتخلف لا يمكن ان يفسر في ضوء استنزاف الدول المتقدمة لاقتصاديات الدول النامية على نحو ما نسب اليها فرانك، بل يجب ان نراعي ظروف وأوضاع الدول النامية ايضا... هذا الى جانب ان موقف الاحتكار والتبعية قد يكون عرضة للتغيير بتغير بناء كل من الدول النامية والمتقدمة. هذا وقد وُجّهَ نقد الى مفهوم التبعية من حيث اعتباره أداة تحليلية محدودة، لذلك ذهب ميردار الى القول بأن الظروف الداخلية للدول النامية تجعلها مختلفة في طبيعتها وفي نمط نموها عن تجارب الدول المتقدمة. وبتأمل أفكار ومقولات الوظيفية نجدها نظرية غير كاملة في معالجتها لتنمية المجتمع وان الاتجاه الوظيفي قد مزج بين التنمية والنمو والتطور، كما ان الوظيفية قد عجزت عن التفرقة بين الدول النامية والدول المتقدمة كما عجزت عن تفسير عمليات التنمية، لأنها ركزت اهتمامها على المراحل التطورية التحكمية للمجتمعات كما أوضحنا ذلك سلفا. خلاصة القول، ان الاتجاهات السوسيولوجية قد عجزت عن فهم وتفسير ومقولات وقضايا التنمية بالدول النامية، وقد يرجع ذلك في المقام الاول الى ان الدول النامية ذاتها غير قادرة الى الآن على التعبير عن أفكارها وأهدافها وتصوراتها الخاصة بعملية التنمية. وهي ايضا غير قادرة على التعبير عن ذاتها ولا عن بناء ايديولوجيا نابعة من واقعها الاجتماعي، لقد اعلن »سوكارنو« ذات مرة ان بحث اندونيسيا عن سياسة تبرز هويتها في المجال العالمي قد يؤدي الى حرمانها من المساعدات الأجنبية اللازمة لاقتصادها. كما يرجع عجز تفسيرات الاتجاهات السوسيولوحية ايضا الى اغفالها ان الدول النامية في القرن العشرين لا تمر بنفس ظروف تنمية المجتمعات المتقدمة وقت بدايتها لعملية التنمية. فالدول المتقدمة في ذلك الوقت كان يتبعها مستعمرات استغلالها لصالحها في تحقيق عملية التنمية ولقد اوضحنا ذلك سلفا. وأخيرا يجب ان نضع في اعتبارنا ان هناك اختلافا في التجارب الخاصة بكل دولة نامية على حده. والعرض السابق قد يؤدي بنا الى القول بأن من الصعوبة بمكان تعميم اتجاه عام للتنمية، وان الوضع الصحيح، أن توجد اتجاهات مختلفة تتجاوب مع الاهتمامات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تختلف من واقع مجتمع الى واقع مجتمع آخر، وان دراسة عملية التنمية في كل مجتمع من المجتمعات، انما هي من مهام العلوم الاجتماعية، على ان يكون اساس الدراسة هو الواقع الاجتماعي لكل مجتمع. وذلك لاعتقادنا بأن الاتجاهات التي تعالج التنمية في الدول النامية قد اتبعت في أفكارها وقضاياها الاحكام المسبقة على هذه المجتمعات المشتقة من افكار الغرب والماركسية. اذ ان معظم رجال التاريخ قد اهتموا بدراسة تاريخ الدول المتقدمة ولم يوجهوا نفس الاهتمام والدراسة الى تاريخ الدول المتخلفة ولذلك فان معظم سياسات التنمية نتجت من خلال التجارب التاريخية لكل من اوروبا والولايات المتحدةالامريكية كدول متقدمة. ولاعتقادنا ايضا بأن كلا من الدول المتقدمة والنامية مختلفتان، فاسلوب تنمية المجتمعات المتقدمة لا يصلح للمجتمعات النامية، بمعنى ان الاتجاهات النظرية في دراسة التنمية وتطبيقاتها وأساليبها لا تصلحك لمجادلة تطبيقها في الدول النامية لأنه لا يمكن معرفة العالم او غالبيته في خلال معرفة جزء منه فقط... وهنا ينبغي ان ننبّه الى ضرورة الحذر من الاعتقاد الخاص بأن حاضر الدول النامية يشابه المراحل الأولية لتاريخ الدول المتقدمة. اذ ان ذلك يؤدي الى غموض في المفاهيم الخاصة بالتنمية والتخلف. ونرى ان دراسة وتحليل عملية التنمية الاجتماعية في كل مجتمع من المجتمعات النامية تستلزم التعرض للعناصر التالية: أولا: ان تدريس عملية التنمية من خلال الواقع الاجتماعي للمجتمع في المراحل التاريخية المختلفة وان يؤخذ في الاعتبار اثناء عملية التحليل الأوضاع الداخلية والتناقضات الداخلية. ويجب ان لا نغفل الاسترشاد في هذا المجال بآراء ومقولات الماركسية الحديثة الخاصة بالنظرة الكلية والتبعية والامبريالية، وبدراسة فرانك عن دول امريكا اللاتينية. ثانيا: أن يستخلص من التحليل الاتجاهات العامة للتنمية في المجتمع محل الدراسة، بهدف الوصول الى ايديولوجية قومية للتنمية تخص مجتمع الدراسة، وتعبر عن اهداف الافراد من حيث وضعهم المالي وما يجب ان يكونوا عليه للوصول الى تحقيق العدالة الاجتماعية، اذ اننا لا نعني بالتنمية تحقيق نموذج او نظرية معينة بقدر ما نعني فهم افضل الوسائل التي تحقق عملية انماء المجتمع. ثالثا: ان تحقيق عملية انماء المجتمع تستلزم المرور بمرحلتين أساسيتين: 1) مرحلة راديكالية تتسم بسمات الثورة الاجتماعية. 2) مرحلة التخطيط التي تلي الثورة الاجتماعية، اذ ان التنمية من وجهة نظرنا، تعني عملية تخطيطية تغير عملية البناء الاجتماعي لتصل بالمجتمع الى افضل الوسائل التي تحقق العدالة الاجتماعية. وتتصف مرحلة التخطيط بالديناميكية، وتهدف الى تحقيق التقدم في الاوجه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالاستخدام الفعال الكفء لموارده ومصادر المجتمع. وتتخذ من خلالها الاجراءات التي تؤدي الى استمرارية الفرص امام الافراد لتحسين طاقاتهم وقدراتهم. رابعا: ألا يكون الهدف من التنمية نمو الدخل القومي بقدر ما يكون الهدف هو القضاء على المشاكل التي تعانيها الدول النامية مثل الفقر والجهل والمرض... الخ. فليس المقصود من التنمية رفع مستوى دخل الفرد الى حد معين، وانما المقصود هو القضاء على المشاكل التي يعانيها المجتمع ويتحقق ذلك بالاستغلال الامثل للموارد وبالايديولوجية الخاصة بالمجتمع فالايديولوجية هي الوسيلة الاساسية في تعبئة الافراد لعملية التنمية. خامسا: ان يكون اساس تطبيق عملية التنمية هو التصور الجماعي والموقف الجماعي اللذان قد يتخذان مستويين: 1) المستوى الخارجي للدول النامية، ومظهره لمؤتمرات العالمية التي تنعقد لمناقشة التفاوت والتباين المؤديين الى فقدان الثقة بالدول المتقدمة لعدم جديتها في مساعدة الدول النامية في عملية التنمية، وفي القضاء على الفجوة الموجودة بين الدول المتقدمة والدول النامية. 2) المستوى الداخلي لكل مجتمع على حده، وفيه يجب التأكد من وعي الافراد بهدف التنمية التي تنبغي لمصلحة الغالبية العظمى من أفراد المجتمع. ويحصل ذلك بممارسة القيادة الجماعية المتمثلة لجميع فئات المجتمع. اذ يستلزم تحقيق الموقف الجماعي مشاركة المواطنين في ادارة شؤونهم ومعرفتهم بأمور المجتمع الذي يعيشون فيه فأساس المشاركة في عملية اتخاذ القرارات التي تتم على مستوى جميع التنظيمات والخلايا... وهذا يعني اتباع نظام التسيير الذاتي الذي يعطي لكل فرد حق المشاركة في اتخاذ القرارات كما يعطيه الحق في ان يقرر عمله ونوعيته والحق ايضا ان يحمي مبادئه واهتماماته، سواء على مستوى العمل أو على مستوى المشاركة في النظم الاخرى خارج العمل. فتجربة التسيير الذاتي يتجسد اثرها في تغيير الاهتمامات من اهتمامات فردية لا يعني الفرد فيها الا بمصالحة الشخصية، الى الاهتمام بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، بمعنى ان نظام التسيير الذاتي يحول اهتمامات الافراد من مصالحهم الشخصية الى الأوجه الاجتماعية للمجتمع، وذلك يؤدي الى خلق وعي بين الأفراد بأمور مجتمعهم الى جانب وعيهم بأمورهم الشخصية. بالتحليل التاريخي لنظام التسيير الذاتي، نجد انه ليس بالنظام الحديث وان أشكاله تختلف في المجتمعات الرأسمالية عنها في المجتمعات الاشتراكية. وبعد الانتهاء من التعليق عن الاتجاهات الحديثة لدراسة التنمية المجتمعية في المجتمعات النامية، يمكن القول بأن الوقت قد حان لأن يبحث علماء الاجتماع في كل مجتمع نامٍ عن وجهة نظر قومية ناتجة عن دراسة الواقع الاجتماعي، سواء على المستوى التنظيري او التطبيقي، مع الاسترشاد بتجارب المجتمعات الاخرى. لأننا نعتقد ان من الخطورة تجميع نظرية عامة تخلق اوضاعا معينة، فوضع نظرية عامة او ايديولوجية عامة للتنمية على اساس انها ستؤدي الى وضع معين خطأ. والوضع الصحيح ان تكون ايديولوجيات مختلفة تتجاوب مع الاهتمامات الاجتماعية المختلفة، إذ ان التنمية تعني التقدم والاستجابة لوضع معين في المجتمع، وان هناك عمليات نعتقد انه يجب ان الدراسات الاجتماعية تعريف الاجراءات والوسائل اللازمة سيكولوجية وسياسية واقتصادية تسمح بتعبئة المصادر القومية. كما نعتقد انه يجب على الدراسات الاجتماعية تعريف الاجراءات والوسائل اللازمة لتحقيق عملية التنمية، وايضا تعريف طرقها المختلفة ودراسة مدى صلاحية هذه الوسائل والطرق في تحقيق اهتمامات المجتمع، اذ ان المشكلة الاساسية التي واجهت التنمية هي كيفية الوصول الى مرحلة التنمية المطلوبة. فقد يفترض ان التنمية تتطلب بعض الأجهزة لتحقيقها كالدول في المجتمعت الاشتراكية والوسطاء في المجتمعات الرأسمالية. والاختلاف الذي يبدو بين النسقين الاجتماعيين يتجسد في شكل متغيرات تؤدي نفس الوظيفة، بينما يظل الافتراض مختلفا وبصفة عامة يمكن القول بأن المجتمعات تتجه دائما الى المستقبل، والى الشكل الحديث، وهذا يستلزم بالطبع دراسة للنسق الاجتماعي ولعناصره ولارتباطات المجتمع وعلاقاته بالموقف والوضع العالمي.