«في البدء كانت الكلمة. وكانت الكلمة اللّه»، هكذا كان المسيح بن مريم عليه السّلام حاملا للنّور والحياة ورائيا للعالم. لكننا في «أمّة اقرأ» لا نتفطّن ولا ننتبه إلى شيء.لا نقرأ شيئا!وكم كان المبدعون في كلّ مجالات الفنّ متعطّشين إلى ثورة ثقافيّة لم تبدأ بعْدُ... ثورة ثقافيّة قتلها محمد الغنوشي والباجي قايد السبسي وعزالدين باش شاوش وقبلهما بن علي ربعَ قرن... لقد وأدوا كلّ شيء في ديارنا، فوجد السيد مهدي المبروك حُطامًا ما بعدهُ حطام، فلم يفعل شيئا ذا بال سوى تغيير مدير بيت الشعر ومدير بيت الحكمة! وهو بذلك قد بدأ ثورة ثقافيّة مقلوبة تمشي على رأسها.. في حين كان عليه ان يبدأ التغيير الحقيقي من القاعدة بحلّ جميع اللّجان الثقافية المحلية والجهوية والوطنيّة وانتخاب مجالس ثقافية، ومحاسبة كلّ هذه اللّجان عن نهب المال العامّ الذي صُرف في الأعلام الصغيرة والرحلات والألعاب السحرية للأطفال أيّام الجوع الثقافي وما مرّ عام وتونس ليس فيها جوع ثقافي. لا أعرف حقّا لماذا تظلّ وزارة الثقافة نائمة؟ ومن المخجل أن يظلّ وزير الثقافة متردّدًا في عزل بعض مندوبي الثقافة (مع الإبقاء على من لم يتورّط ولم ينهب المال العام) فبأيّ حقّ يقصي السيد مندوب الثقافة بنابل الأستاذين الشاعرين (صابر العبسي وأنور اليزيدي) والمنشطين بداري الثقافة ڤرنبالية وتاكلسة لمدة ثلاثة أشهر (جانفي وفيفري ومارس) فقط لأنّهما قالا له: أنت تجمّعي فاسد ومناشد ومتورّط من الأزلام! بأيّ حقّ تُهدرُ الطاقات المبدعة!؟ في حين أنّ على وزير الثقافة وضعُ المبدعين والكتّاب والفنانين الحقيقيين (ممّن لم يتورّطوا في التزلّف والتّطبيل والتمجيد وكتابة التقارير...) في مندوبيات الثقافة ودور الثقافة لأنّّّهم أهل البيت وأهل مكّة أدرى بشعابها...
من سيدي بوزيد قدمت الثّورة بعد أن أحرق البوعزيزي جسده أمام اللّه والعالم والكلمة والصّورة... ومن القصرين تأتي الثورة الثقافيّة بعد أن أحرق المسرحي المبدع «توفيق ڤسّومي» جسده الرّمزي والاجتماعي يوم 26 مارس المنقضي احتجاجًا على النّوم الأبديّ لوزارة الثقافة واحتجاجًا على الاعتداء السلفيّ الأسود بتورّط من وزارة الداخليّة يوم 25 مارس، أمام المسرح البلديّ، وانتصارًا للشمس والحقّ يدخل توفيق ڤسّومي في إضراب جوع مفتوح (في القصرين التي أنقذتنا من الدّكتاتوريّة بشهدائها وجرحاها) منذ 30 مارس المنقضي.. إنّهُ موسم الجنازات في وزارة الثقافة وأوّل جنازة كانت مساء الأحد في الخامس والعشرين من مارس الأسود أمام المسرح البلدي.. وبناءً عليه، يجب أن يدخل، المسرحيّون والكتّاب والتشكيليون والسينمائيّون وأهل الثقافة في اضراب جوع مفتوح لأنّ مسرحيّة تحوّل السابع من نوفمبر لم تفارق مكانها! وتضامنًا مع الفنّان المسرحيّ توفيق قسّومي تعيد جريدة الشعب نشر الحوار الذي كانت قد أجرته معه في الثالثِ والعشرين من جانفي 2011 ونشر في التاسع والعشرين من الشهر نفسه تحت عنوان «مبدعون يلتحمون بثورة الشعب»: الشعب: كنت حاضرا أمس في قاعة الفنّ الرابع في لقاء كبير ضمّ كلّ النخب الفنية والثقافية في تونس، التي أصدرت بيانات مختلفة تطالبُ بتغييرات كثيرة تهمّ الشأن السياسي والشأن الفنّي. ماهي المعوّقات الإدارية التي كان يعاني منها القطاع الثقافي وموظّفو وزارة الثقافة؟ في البداية، لابدّ من الإشارة إلى المسائل الهيكلية بوزارة الثقافة وأقصد بذلك الشبكة الإدارية المعقدة التي تدير وتسيّر المنجز الثقافي (سينما، مسرح، كتاب، فنّ تشكيلي...) أوّلاً، يعاني الموظفون الإداريون من ضبابيّة في مسألة الخطط الإدارية المتّبعة من ذلك أنّه ولمدّة تقارب خمسة عشر عاما لم تقع تسمية مدير إدارة الفنون الدرامية على رأس ادارة المسرح. ثانيا، غياب قانون أساسي لأغلب المؤسسات الإدارية من ذلك دُور الثقافة، إضافة إلى أنّ قرابة أربعين من مديري دور الثقافة غير حاصلين على شهادة الباكالوريا ثم إنّه عندما يقع تعيين أحد المديرين فإنّه ضرورةً يجب أن يكون حاملاً لبطاقة حزبية وكثيرون هم الذين وقع الزّجّ بهم في «الفريڤو» إضافة إلى أنّ الصّعود إلى السّلم الإداري يقتضي سنوات وسنوات من خلال مناظرة داخلية معتّمة يقع انتقاء الأشخاص فيها بصفة المحسوبية، هذا ونشير إلى أنّ اغلبيّة منشّطي دور الثقافة غير مختصّين في قطاعات مثل السينما والمسرح بل هم عملةٌ يقع انتدابهم وفق آلية الحظائر الظرفيّة. وعلى مستوى الهكيلية ايضا، تسيطر على وزارة الثقافة شبكة أخطبوطيّة او ما يسمّى اللّجان الوطنية والمحلية للثقافة.هذه اللجان التي تُعتبر صندوقًا أسود لعمال المجموعة الثقافية حيث يقع فيها غسل الأموال لفائدة أذناب الحزب الحاكم والأشخاص المحسوبين صدفة على القطاع الثقافي فمثلا اللجنة الثقافية الجهويّة بكلّ ولاية يشكلها رئيس لجنة، أمين مال، إلخ... وكلّّهم متورّطون عن بكرة أبيهم في نهب أموال وزارة الثقافة التي كان من الأجدر بها ان تذهب إلى المبدع والمثقّف مباشرة، أخيرًا، طالبت جلّ النقابات الفنية باستقالة المندوبية الجهويّين للثقافة باعتبارهم ينتمون إلى جهاز إداريّ فاسد إلاّ الشرفاء منهم وهم قلّة. وعلى هذا بصفتي موظّفا في وزارة الثقافة لم يقع ترسيمي بعد خمس سنوات وكثيرون هم أسوأ حالا منّي يمرّون بنفس الوضعية، أبعث ببيان عبر جريدة الشعب إلى كلّ موظّفي وزارة الثقافة، لتشكيل «نقابة موظّفي وزارة الثقافة» التي فكّر بها الكثيرون قبلي من ذلك الصديق الشاعر عمّار شعابنيّة وله قصيدة مشهورة في ذلك...»ووقد نُقل منذ أيام إلى المصحة في حالة حرجة. لقد أكد توفيق قسومي أنّ ما يحدث في وزارة الثقافة لا يعدو أن يكون إلاّ كذبة أفريل!