نبتوا «كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة» نبتوا في ليالي الصقيع وفي منحدرات الجبال... نبتوا باختصار شديد في زمن صعب، سيطرت فيه ميليشيا الحزب الحاكم في ظل الدكتاتورية النوفمبرية بسوادها الحالك.. نبتت الفكرة في الريح، في رأس المفكر والكاتب التونسي سليم دولة ذات محنة، نبتت في رأس أقرانه ورفاقه الذين تحلقوا حول وردة الكتابة والحرية والضوء والماء (محمد الجابلّي وجلّول عزّونة والحبيب الحمدوني ونور الدين الشمنقي وكمال الزّغباني وعبد الحفيظ المختومي والطاهر الهمامي وشكري لطيف ورشيدة الشارني وفضيلة الشابي وغيرهم من الكتّاب الأحرار...)، فانهمكوا في الفعل والحلم سنة 2001، وبمجرد أن بدؤوا، أعمَلتِ الآلة الجهنميّة لبن علي أنيابها فيهم، بأزلامها وبشْمركتها الثقافية (من كَتَبَة وإعلاميّين ومخبرين بصّاصين...)فأخذوا نصيبَهم الكامل من القمع والضرب والهرسلة والملاحقة والمحاصرة... لقد صمدوا طويلا امام أعتى الدكتاتورية في العالم العربي وفي العالم، ونالوا وسام الشرف بصمودهم وإخلاصهم وتفانيهم في الانتصار للشعب التونسي الأبي وللقضايا الانسانية العادلة وطنيّا وعربيّا ودوليّا، إن المهمّة التي قام بها الكتّاب التّونسيون الأحرار والكاتبات الحرائر مهمّة جسيمة وتاريخيّة في النهوض بالإنسان فكرا وثقافةً ومعرفة وذائقة... كنت في سنوات العزلة والانطواء واليأس أعيش بعيدا عن العاصمة ورغم البعد فقد كنت أتابع في الصحف والمجلات كل أخبار الكتّاب الأحرار وأقرأ نصوصهم ومقالاتِهم وبياناتِهم، فكانوا جميعا أقرب الى فكري ووجداني وروحي، ولقد عرفتهم واحدا واحدا ونصّا نصّا، فوجدت فيهم الاخلاص والصدق والشجاعة والتعفف عن سَفْسَفِ القول، وعرفت فيهم دماثة الاخلاق ورفعة السلوك... ولقد كان لهؤلاء الاحرار دور فاعل ومهمّ في الدفاع عن الحق في بعث نقابة كتاب تونس بالاتحاد العام التونسي للشغل، فكانوا بحقّ مخلصين و مؤمنين بجدوى الفعل النقابي في ظل انسداد الآفاق في المشهد الثقافي الموبوء أيام الدكتاتورية النوفمبريّة، في ذلك المشهد القائم الذي سيطر عليه بشْمركة الثقافة التونسية من أمثال الميداني بن صالح وصلاح الدين بوجاه وجميلة الماجري وهيئاتهم في اتحاد الكتاب التونسيين الذي كان شُعْبة دستورية ومن خلايا النظام النوفمبري في شكل بوليسيّ مفضوح... عندما أتيت الى العاصمة في افريل 2007 عرفت الحقائق على الأرض، وصبرت على الأذى مليئا باليأس ،مُحطّم الروح، لكن لولا الشعر والكلمات والاصدقاء المخلصون والرفاق الأحرار ما كنت أعيش الى هذا الوقت من الزمن.. لولا الكلمات والاخلاص للكتابة ما كنت أستطيع الصمود... ولقد قدّمت اعتذاري لزملائي الكتاب ولرفاقي الأشاوس منذ جمّدت عضويتي في اتحاد الكتاب التونسيين في جوان 2010 ومنذ تأسيس نقابة كتاب تونس في جويلية 2010. ومنذ سحبت عضويّتي نهائيا وإلى الأبد في 4 سبتمبر 2010 وأجدّد اعتذاري لزملائي الكتّاب وللشعب التونسي أنني كنت عضوا في اتحاد الكتاب التونسيين (من جانفي 1998 الى جوان 2010)، ولي شرف عظيم أنني انتميت الى نقابة كتّاب تونس في 4 جويلية 2010 وإلى رابطة الكتاب الاحرار في أفريل 2012 ، فالمجد كل المجد للكتّاب النقابيّين والكتّاب الأحرار والموت للكتّاب الجبناء الذين ألحقوا بنا العار والخزي.