لم يكتب أحد عن بائعة الورد التي كانت تجوب شارع 14 جانفي. لم يكتب أحد عن أطفال يبيعون الفلّ والياسمين في المقاهي والحانات والمطاعم، لم يكتب أحد عن فصائل النباتات الجديدة. لم يكتب أحد عن حشرجات المذيعة الجديدة وهي تتحدث عن فضائل الثورة ! لم يكتب أحد عن أخطاء كَتَبة اليوم (شعراء وقصاصين وروائيين وإعلاميين) لم يكتب أحد عن حذلقة الينابيع وتجاويف الماء، لم يكتب أحد عن شهقة البرتقال وانخطاف المشمس بأول ضربة شمس، لم يكتب أحد عن سقوط آلاف قنابل الغاز في قلوب رجال ونساء الغد، لم يكتب أحد عن خدوش أحدثتها الأمطار في روح عابر في الكلمات العابرة. لم يكتب أحد شيئا، لم يكتب الخائنون عن خياناتهم، لم يكتب السفلة عن أحقاد أرواحهم العفنة، لم يكتب أحد عن الانتهازيين القدامى والجدد، حيث تلتفّ ثعابينهم وأفعواناتهم حول الرقاب، لم يكتب أحد عن كتّاب وإعلاميين يبيعون الوهم للمغفّلين، لم يكتب أحد عن ضوضاء زعانف الدجّالين وشعارير الحانات... لم يكتب أحد عن الكذابين والمنافقين وماسِحِي أحذية الكبار والسابقين، لم يكتب أحد عن سراويل مسحوها بعناية قمر أولفحة شمس. لم يكتب أحد عن قلوبهم السوداء التي أكلتها الوطاويط والأرضة، لم يكتب أحد عن أدباشهم الجديدة التي اصطادوها من أموال مغسولة بعناية. لم يكتب أحد عن المتزلفين لغيرهم كلمةً وصورةً وصوتًا، لم يكتب أحد عن النابحين فوق منازلهم دون أن يبرحوا أسوارها، لم يكتب أحد عن ضاربي الدفوف لكل قادم جديد إنسًا وجانًّا، لم يكتب أحد عن فرحة أمّ بأدباش لصغارها أيام العيد، لم يكتب أحد عمّن احترفوا ذَرْعَ الشواع بحثا عن مأوى لقمصانهم حتى تجفّ. لم يكتب أحد عن الذين سقطت سراويلهم في أول زقاق، لم يكتب أحد عن سيلان لعاب الكلاب من أجل أول عظم، لم يكتب أحد عن الذين يدهنون كلماتهم بالسّمن ليلا. لم يكتب أحد عن الأوباش لابسي الكشمير من عرق البسطاء. لم يكتب أحد عن أيتام الله والمفلسين الذين إذا أصابتهم الموائد والقوارير قالوا إنا سمعنا وأطعنا. لم يكتب أحد عن تصفيق النواعير الجديدة، لم يكتب أحد عن الوجوه التي تسابقت للوصول إلى بلاتوهات القنوات التلفزية، لتطلّ برؤوسها على الملأ وهي تدّعي وصْلا بليلى (ثورة الثورات البائسة)، لم يكتب أحد عن الذين تسلقوا الضوء إلى حين وعلى وجوههم خزي الأمس، لم يكتب أحد شيئا عن الذين هرولوا نحو المناصب السياسية من كل نوع، عن الذين نزعوا سراويلهم أمام أول كرسي اعترضهم، لم يكتب أحد عن الذين هبّوا لإنقاذ أنفسهم من أدران الأمس، لم يكتب أحد عن الخسّة والخساسة، لم يكتب أحد عن الذين عادوا ليحتلوا المنابر الإعلامية والثقافية بسرعة البرق كأن لم يُجرموا بالأمس، لم يكتب أحد عن الدجالين وسارقي أفكار ولغة الآخرين، لم يكتب أحد عن العمى، عمى النفس وظلام أغوارها من أجل أول كرسي، لم يكتب أحد عن الكلاب التي تلهث في الليل والنهار من أجل أول منزل جديد أو سيارة جديدة أو منصب جديد، لم يكتب أحد عن ربطات العنق الجديدة، لم يكتب أحد عن السائرين نياما، عن صائدي الفراشات والعصافير والأسماك. لم يكتب أحد عن قصيدة «القتل» للشاعر الكبير محمد الماغوط، لم يكتب أحد عن المرتزقة الجدد في الثقافة والإعلام، لم يكتب أحد عن أيتام الله الجدد، لم يكتب أحد عن النساء الحوامل اللواتي تركن حملهن مع أول أموال مسيلة للّعاب، لم يكتب أحد عن الذين يسبّون أسيادهم في الخفاء ويمدحونهم علنا، لم يكتب أحد عن أبطال كثيرين من كل نوع في فن الكتابة والحوار والروبورتاج والمقالة المزيّفة التي هي من عرق الآخرين. لم يكتب أحد عن الجبناء الذين يخافون من جملة هادمة أو قصيدة محرجة أو مقال يكشف مؤخراتهم، لم يكتب أحد عن الذين يقتلون الكلب صباحا ويمشون في جنازته مساءً، لم يكتب أحد عن عصافير شارع الحرية وغنائها الذي لا يستطيع أن يغنّيه أحد من أعداء النشيد، لم يكتب أحد قصيدة جيدة عن الثورة، لم يكتب أحد عن المعنى وليل المعنى، إني أعتذر للقراء وللذين أحبهم لأنني لم أكتب عن العار والكذب والتدجيل والغش والسرقة والخيانة والغدر والخسّة والخساسة، فارتعوا أيها الراتعون وارتووا أيها المرتوون.. لن ترتووا إلا ملحا. بائعو الوهم . صلاح مصباح وهو يمدح بن علي بصفاقة في قناة التونسية... ويحلف بكتاب القرآن في جيبه (من التجمع الى النهضة). الكتاب الذين عادوا الى الملتقيات من الباب الكبير (سيدي بوزيد وغيرها...) صلاح الدين بوجاه (المناشد ومدمّر الثقافة التونسية) يكتب مقدمة لرواية منصف الوهايبي في سلسلة من النفاق الطويل! قصائد ثورجية لشعراء لم يشاركوا في الثورة! مديرو دور ثقافة يفتحون الابواب من جديد لأزلام النظام من أشباه الكتبة! منشطو البرامج التلفزية والاذاعية الذين يقيمون الاعراس من جديد (قناة الجنوبية للعار الثقافي!) مدبجو المقالات... اصحاب حنبعل ونسمة والتونسية والجنوبية... منصف المرزوقي وهو يستقبل المناشدين على مأدبة غداء... ناصبو الفخاخ لغيرهم... تفوه ... تفوه... ما أشبه اليوم بالبارحة!