تقدّم موسم تجميع صابة الحبوب: 1573.84 ألف قنطار إلى غاية 9 جوان 2025    أريانة: انطلاق موسم الحصاد وسط تقديرات بإنتاج حوالي 220 ألف قنطار من الحبوب    حاكم كاليفورنيا يطلب من المحكمة وقف عسكرة لوس أنجلوس    غوارديولا يزلزل العالم بخطاب مؤثر عن غزة    المنتخب الهولندي يمطر شباك مالطا و يتصدّر مجموعته في تصفيات المونديال    مانشستر سيتي يُعزّز رصيده البشري تمهيدا لخوض مونديال الأندية    طقس الأربعاء: انخفاض طفيف في درجات الحرارة    الاحتفاظ ب 6 أشخاص في سوسة من بينهم أستاذة إثر تورطهم في عمليات غش في امتحان الباكالوريا    بقرار من الليبيين.. مجانية الوقود لسيارات قافلة الصمود حتى خروجها من ليبيا    رفع التعاون العسكري مع الكويت    هام/ هذا موعد بداية عودة الحجيج من البقاع المقدسة..    استهلك تونسي...وزارة التجارة تنتفض ضد مؤسسات «المحتكرين»: 45 ألف مخالفة اقتصادية في خمسة أشهر    إعطاء إشارة الانطلاق في إعداد المخطط القطاعي للعدل    الترجي.. الكنزاري يكشف عن قائمة اللاعبين المدعوين للمشاركة في كأس العالم للأندية    وزير الفلاحة: تزايد الإعتماد على التوريد الخارجي للحبوب مازال يشكل تحديا كبيرا لتونس    الحمامات: وفاة ستّيني دهسا بمحطة بنزين    ليالي الجم ودقة: عروض فنية دولية وتكريمات ثقافية في صيف 2025    وزير التربية بتابع سير امتحان الباكالوريا بعدد من المؤسسات التربوية بولاية نابل    المهرجان الدولي لفنون السيرك وفنون الشارع في دورته الثامنة يزور 10 ولايات من 12 إلى 29 جوان 2025    بنزرت: استعدادات جهوية لانجاح مختلف المهرجانات الصيفية والايام الثقافية    الحجيج يودّعون آخر موسم للحج في فصل الصيف    سيتكومات زمان: علاش ''عند عزيز'' ''لوتيل'' ، ''شوفلي حل'' و''دار الخلاعة'' مازالو مِتربعين على عرش الوطنية؟    مدنين تستحضر أنور الشعافي    960 حالة تسمم و 60 بؤرة في 2024: السلامة الغذائية في تونس تحت المجهر!    الدعم يستوعب 19 بالمائة من الميزانية وسط اشكالات في التصرف في المنظومة    دراسة تكشف: سرطان نادر يُصيب جيل الألفية و"إكس"    استقبال حاشد وحافل لقافلة الصمود في ليبيا..(صور)    ماكنتوش تحطم رقم هوسو القياسي العالمي في سباق 200 متر فردي متنوع    الجولة القارية الذهبية لألعاب القوى: رحاب الظاهري تحتل المرتبة 12 في سباق 3000 متر موانع وتحطم رقمها الشخصي    تونس تشارك في بطولة العالم للجيدو اكابر بالمجر بخمسة عناصر    هام/ بمناسبة موسم الحصاد: الحماية المدنية تقدم جملة من التوصيات..    بعد المخزون الطيب للسدود: كيف سيكون التزود بالمياه خلال هذه الصائفة؟..    بطاقتا إيداع بالسجن في حق نبيل القروي وشقيقه وإحالتهما على الدائرة الجنائية المختصة    البريد التونسي يصدر 4 طوابع بريدية احتفاءا بحرفتي الجلد والخشب..    علاش بدنك يصبح يوجع كي ترقد مقابل ''الكليماتيزور''    المديرة العامة للوكالة الوطنية لتقييم المخاطر: ''حتى كان ما ظهرتش عليك أعراض بسبب Lemon Bottle امشي للطبيب''    دعوة أصحاب المساكن المقامة على ملك الدولة إلى تسوية وضعياتهم..#خبر_عاجل    العرض الأول لفيلم "من المسافة صفر" يوم 12 جوان بمدينة الثقافة بتونس العاصمة    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    الحماية المدنية : إطفاء 147 حريقا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    ترامب: نجري محادثات كبيرة بشأن غزة "وسنرى ما سيحدث"    مقتل 8 وإصابة آخرين في هجوم بمدرسة في النمسا    عاجل/ استشهاد 36 شخصا بقصف إسرائيلي جديد طال مراكز توزيع المساعدات..    عاجل/ فاجعة بهذه الجهة…وهذه حصيلة القتلى والجرحى..    رئيس الجمهورية يتعرّض إلى إيجاد حلول لتمويل الصناديق الاجتماعية في تونس لدى استقباله وزير الشؤون الاجتماعية    النائب عبد القادر بن زينب يدعو إلى هيكلة وزارة الفلاحة وتحقيق في صفقات مشبوهة في شركة اللحوم    شركات التأمين''تدفع'' نصف مليار دينار للتوانسة في 3 شهور!    القارة الأفريقية تفخر بنجمين أسطوريين في كأس العالم للأندية    ''كيفاش ترتاح بالكليماتيزور من غير ما تمرض ولا تزيد في فاتورتك ؟''    قوات الاحتلال تعتزم ترحيل غريتا تونبرغ وفريقها بعد اعتراض سفينة "مادلين"    الدكتور الجراح محمد علي شوشان: كفاءة تونسية تعود من بريطانيا وفرنسا لتُحدث فرقاً في تطاوين    ليييا.. دعوى جنائية ضد عناصر من "الأمن المركزي" و"دعم الاستقرار"    أولا وأخيرا: عصفور المرزوقي    المركب الثقافي ابن منظور قفصة.. اختتام الدورة 22 لندوة القصة القصيرة المغاربية    حجّاج بيت الله يؤدّون طواف الوداع    دار الفنون تحتضن المعرض الوطني للفن التشكيلي    في آخر أيام الحج.. ضيوف الرحمان يرمون الجمرات الثلاث    عاجل : موسم حج 1446ه آخر موسم صيفي ...تفاصيل لا تفوّتها    









احذروا أصابع الأيتام ! ! ! !
من الشعب... إلى الشعب
نشر في الشعب يوم 03 - 11 - 2012

حدّثني بعضهم عن فُرصة ضائعة عمّن فسد وأفسد قبل الثورة للاعتراف بما اقترف من آثام في حقّ هذا الشعب المسامح، قبل أن يتولّى بعضُ ذاك البعضِ المطالبة بحريّة التعبير والانتظام في العمل السياسي، وهُم يا للمُفارقة ممّن كانوا يُحاربون كلّ نَفَسٍ حُرٍّ في البلاد ! وأضاف محدّثي بحُرقة لم تَخْفَ عنّي: «طالت مسألة العدالة الانتقاليّة في بلادنا، والحال أنّ الظالم معروف والمظلوم معروف والوقائع معروفة، ولكنّ الآليّة ما زالت غير معروفة»...
صمتُّ... وفي عُزلتي، عُدتُ إلى أحبابي الكُتب أنبش فيها علّها تُجيب كيف كان يفعل أجدادنا في مثل أحوالنا. وقد لفت انتباهي كلامٌ للعلاّمة القلقشندي في كتابه «صُبْح الأعْشَى في صناعة الإِنْشَا» بدا أنّه يصلح أن يُتّخذ نبراساً في هذا المقام، وهو «دفن الذنوب» بعد الاعتراف باقترافها. نعم... للذّنوب مقابر تُدفن فيها، لكن بعد تشريح جثّتها بالطّبع وصدور تقرير طبيب شرعيّ في شأنها، لا كما فُعل ببعض شهداء الحريّة والكرامة!
يشير القلقشندي إلى أنّ دفن الذنوب «كثيرٌ مُتداوَلٌ بين العُربان، ولا يطمئنّ خاطر المُذنب منهم إلاّ به... وطريقتهم فيه أن يجتمع أكابر قبيلة الذي يَدْفِنُ بحضور رجال يثق بهم المدفون له، ويقوم منهم رجلٌ ثمّ يقول للمجنيّ عليه: نُريد منك الدّفن لفُلان، وهو مُقِرٌّ بما أهاجك عليه، ثمّ يُعدِّد ذُنوبه التي أُخذ بها، ولا يُبقي منها بقيّة. ويُقِرُّ الذي يدفن القائلَ على أنّ هذا جُملة ما نَقَمَهُ على المدفون له، ثمّ يحفر بيده حفيرة في الأرض ويقول: (قد ألقيتُ في هذه الحفيرة ذُنوب فُلان التي نقمتُها عليه، ودفنتُها لهُ دفني لهذه الحفيرة). ثمّ يردّ تُراب الحفيرة إليها حتى يدفنها بيده... بمحضر كبار الفريقين».
قد يبدو هذا عجيباً في القرون الخالية، لكنّ الأعجب هو إشارة القلقشندي إلى أنّ الأمر لا يستثني جرائم الدّم فيقول:»ثمّ لو كانت دماءٌ أو قتلى، عَفِيَتْ وعَفَتْ بها آثارُ الطلائب»!
وقد يحلو لبعض من يجهل ما في تراثنا من سماحة وغنى، القول بأنّ الأمر لا يعدو مُجرّد عُرفٍ بين قبائل غير متمدّنة، فأقول إنّ صاحبنا القلقشندي وكأنّه انتبه لمن سيأتي بعده من المنكرين عظمة ميراثنا، فأضاف نكاية فيهم: «فأمّا إذا كانت من الملوك، كُتب بعد البسملة: هذا دفنٌ لذُنوب فُلان، من الآن لا تُذكر ولا يُطالب بها، ولا يُؤاخذ بسببها، اقتضته المَرَاحِمُ السلطانيّة... وهي ما بدا من الذّنوب لفُلان من الجرائم التي ارتكبها، والعظائم التي احتقبها، وحصل العفو الشريف عن زللها، وقابل الإحسانُ العميمُ بالتغمّد سُوءَ عملها؛ وهي كذا وكذا (وتُذكر) دفناً لم تَبْقَ معه مُؤاخذةٌ بسبب من الأسباب، ومات به الحقدُ وهِيلَ عليه التّراب، ولم يبق معه لمُطالبٍ بشيءٍ منه مطمع، ولا في إحيائه رجاء...الخ». إنّها شهادة وفاة موثّقة لذنوب اعتُرف بها، فدُفنت !
أليست هذه هي العدالة الانتقاليّة التي جفّ الريق في المطالبة بها؟ بلى... وقد يكون أحسن ما قيل في «العدالة الانتقاليّة» منذ عشرة قرون هذا البيتُ:
أَقْرِرْ بِذَنْبِكَ ثُمَّ اطْلُبْ تَجَاوُزَنَا ... عَنْهُ فَإِنَّ جُحُودَ الذَّنْبِ ذَنْبَانِ !
إنّي أدعو الحكومة إلى تسريع آليّة «دفن الذنوب»، وأدعو أصحاب الذنوب إلى الاعتراف بها أمام ضحاياهم تحقيقاً لمصالحة طال انتظارها ولم تأت. وإنّي لأسمع أصوات الضحايا تتردّد في جنبات البلد تدعو جلاّديها:
تَعَالُوا نَصْطَلِحْ وَتَكُونُ مِنَّا ... مُرَاجَعَةٌ بِلاَ عَدِّ الذُّنُوبِ
فَإِنْ أَحْبَبْتُمُو قُلْتُمْ وَقُلْنَا ... فَإِنَّ القَوْلَ أَشْفَى لِلْقُلُوبِ
وأنا على يقين أنّ الضحايا أصحابُ عفو وغُفران إذ كما قال أبو حفص الشهرزوري في تضمين لطيف للآية 38 من سورة الأنفال:
يَسْتَوجِبُ العَفْوَ الفَتَى إِذَا اعْتَرَفْ... بِمَا جَنَاهُ وَانْتَهَى عَمَّا اقْتَرَفْ
لِقَوْلِهِ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ... إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفْ
أمّا إذا صدّ الظالمون عن الاعتراف وطلب الصفح، فالحذر الحذر من «أصابع الأيتام» كما يقول المثل العربي القديم، أي رفعهم إيّاها فى الدّعاء على الظالم، وهي التي قصدها أبو فراس الحمداني في قوله:
أَبْذُلُ الحَقَّ لِلْخُصُوم إِذَا مَا ... عَجَزَتْ عَنْهُ قُدْرَة الحُكَّامِ
رُبَّ أَمْرٍ عَفَفْتُ عَنْهُ اخْتِيَاراً ... حَذَراً مِنْ أَصَابِعِ الأَيْتَامِ
وواضح لكلّ ذي عينين أنّ «أصابع الأيتام»، وهي غير «أصابع القوابل»، تلك التي يرفعها في وجوهنا دون حياء بعض النكرات من أنصاف الفنّانين ذوي الذوق السقيم، يمكنها فعل أشياء كثيرة أخرى غير الرّفع بالدّعاء، أقلّها... عدم تغطيسها مرّة أخرى في الحبر الأزرق!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.