فشتّان بين من يحمل مسدّسًا ومن يحمل فكرة! وشتّان بين من يحمل هَمَّ جوفٍ ومن يحمل همًّ شعب! وشتّان بين من يعشق الحُفر ومن يعشق القِمَمَ! وشتّان بين مَنْ يزرع شوكًا ومن يزرع وردًا! وشتّان بين مَن يزرع موتًا وحُزنًا ومن يزرع أملاً وفرحًا! وشتّان بين من يلغ الدّماء ومن يحلّق في السّماء! وشتّان بين من يهرب ويحتمي بالظّلمة ومن يخرج إلى وضع النّهار لينتشر في الكون ضوءًا ساطعًا! شتّان بين الجبان صاحب البهتان والجريء صاحب البيان! أنت الجرئ سمّوك مغرورًا مُعْجَبًا، فردّد لسان حالك وأنت المستند علىشعب بأكمله مؤمنا بإرادته التي تخضع لها الأقدار: إن أكن مُعْجَبًا فعجب عجيب لم يرَ فوق نفسه من مزيد هدّدوك فراوغتهم وورّطهم وضربوا أنفسهم في مقتل! لم يستطعيوا أن يحاصروا دمك الذي أرعبهم وانتشر في البلاد والعباد فضجّ الشارع تلو الشّارع وتعانقت الأصوات وهدرت مرّة أخرى معلنة استمرار الثورة ومعلنة حاميها الحقيقي. هل من مزيد على إرادة الشعب؟! أيّها الرّاحل في المسافات، كيف استطعت أن تجمّع في خيمة واحدة أبا الفقراء أبا ذرّ الفقاري وأبا المضطهدين غاندي ورائد الثّوار تشي جيفارا؟! كيف ومتى تفقهّت في القرآن الكريم فلم تمدّ يدك إليهم وخلّيتهم يعودون بإثمك وإثمهم وهم الذين جهلوا قصّة قابيل وهابيل ولم يجدوا الوقت الكافي ليواروك الثرى أو هم لم يفقهوا درس الغراب وقد غشى أعينهم سواده فأعماهم وضيّع وجهتهم؟! عجيب أنت ورائع حين يفرّقون فتجمّع، حين يهدّمون فتبني، حين يحقدون ويطلقون الرّصاص، فتبذل دمك كأكرم الكرماء! عزيزنا، لم نكن نحتاج إلى دمك لنحبّك أكثر! كانت كلمتك، يا تلميذ شهرزاد التي استلت على طول ألف ليلة وليلة الحقد من قلب شهريار سلّة سلّة! وأنشأت حياة! عزاؤنا في البسمة الصّامدة وفي نيروز وندى وسي عبد المجيد والوالد وبقيّة الإخوة والأقارب. عزاؤنا في رفيقات ورفاق منهم من البنات والأبناء من لم تلدهم الأمّ الكريمة، ومنهم الإخوة الكبار أو الأكبر سنًّا وأنت منهم تجد أبًا ثانيا! عزاؤنا في شعب لا يخطئ أبناءه، شعب شيّعك على الأكفّ، حملك في الأجفان واحتضنك بكلّ اللّطف والرّقة اللذين عرف بهما، وأوصل لك رسالة مفادها أنّ تونس اسمها في الأصل: تُؤنس، أطلقها مُدويّة في وجه الوحشة، في وجه القتامة والحقد لينزوي أصحابها في مكان قصيّ. أيّها الرّفيق الحبيب أيّها العاشق للحياة أيّها العاشق للفنّ اسمح لنا بتحيّة راقية على طريقة فيروز التي تحبّ وتحديدًا في أغنيتها «سلّم لي عليه»... بلّغ سلامنا إلى منصف العيّاري ومولدي المديني وعبد المجيد الكثيري ونبيل البركاتي وفاضل ساسي وغيرهم من أحبّتنا. ولتلعم أنّا سنغنّي دائما مادامت فينا حياة: يا شكري يا عُودَ النّدِّ يا أغلى من روحي عندي نقسم أنّا سنبقى على العهد