منذ سقوط النظام السابق فتحت أبواب التمثيل الحقيقي للشعب وبدأ الجدل مبكرا حول أي نظام انتخابي يريده المواطن لاختيار نوابه سواء في المجلس النيابي أو في مجالس الجماعات المحلية. وحيث إن غالب المبادئ الانتخابية يكاد يتفق عليها الجميع مثل شروط الناخب وشروط الترشح وآليات الترسيم والفرز إلخ... فإن ما يثير الجدل المتواصل هو نظام الانتخاب الفردي أو الانتخاب بالقائمة وأيهما يتلاءم مع المرحلة الحالية التي تعيشها البلاد وماهي الايجابيات والسلبيات في النظاميين؟ 1-الانتخاب الفردي : يقسم تراب الجمهورية والجالية بالخارج إلى دوائر انتخابية صغرى وفق عدد المقاعد بالمجلس النيابي حيث يقوم كل ناخب بالتصويت لمرشح واحد فقط لا أكثر الأمر الذي ينتج عنه تمثيل كل دائرة من دوائر الانتخاب بنائب واحد من جملة المترشحين لذلك المقعد بالدائرة المعنية. 2-الانتخاب بالقائمة: يقسم تراب الجمهورية والجالية بالخارج إلى دوائر انتخابية كبيرة بحيث يقوم كل ناخب فيها بالتصويت لعدد محدد من المترشحين، ويقدم قائمة بأسماء النواب الذين يرغب في انتخابهم عن هذه الدائرة ، الأمر الذي ينتج عنه تمثيل كل دائرة من الدوائر الانتخابية بعدد من النواب( لا يقل عن اثنين في تونس). أنواع قوائم الانتخابات: قوائم الانتخاب التي يختارها الناخبون إما أن تكون قوائم مغلقة (Listes bloquées)،أو أن تكون قوائم مع المزج(Panachage). -القوائم المغلقة: يقوم الناخب باختيار إحدى القوائم الانتخابية المقدمة إليه بكاملها وكما هي أي بجميع أعضائها دون تغيير أو تعديل مثلما وقع اعتماده خلال الانتخاب الأخير للمجلس التأسيسي الحالي. - المزج بين القوائم: ألا يتقيد الناخب بقائمة انتخابية واحدة كما هي ، بل يكون له حق القيام بتشكيل قائمة بأسماء المترشحين الذين يختارهم بنفسه من بين القوائم المترشحة بالدائرة ، أي يكون له الحق في تكوين قائمة يمزج فيها بين أسماء المرشحين المدرجة أسماؤهم في قوائم الانتخاب المتعددة ويشكل بهم قائمته المفضلة في حدود العدد المطلوب لتلك الدائرة إن لم يكن راغبا في اختيار قائمة بذاتها من جملة القوائم المترشحة. تقييم نظام الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة: يرى البعض أن الانتخاب الفردي ييسر مهمة الناخب إذ تنحصر مهمة هذا الأخير في اختيار نائب واحد فقط من بين المرشحين في الدائرة الانتخابية وفقا لما يراه صالحا ذلك على خلاف الانتخاب بالقائمة حيث تصعب مهمة الناخب الذي يقع عليه أمر اختيار عدد من المرشحين قد لا تتوفر له معرفتهم جميعا، مما يؤدي إلى استحالة المفاضلة بين الكفاءات والجدارة من قبل الناخب. على أنه رغم ذلك امتاز الانتخاب بالقائمة بعديد الايجابيات تتلخص أهمها فيما يلي: الانتخاب بالقائمة من شأنه تقسيم التراب الوطني وكذلك الجالية بالخارج إلى دوائر انتخابية كبيرة وانتخاب عدد من النواب عن كل دائرة، الأمر الذي يؤدى إلى إضعاف الصلة بين الناخب والنائب وتخفيف ضغط الأولين على الثانين مما يترتب عنه استقلال النواب عن جمهور ناخبيهم وتقليص درجة خضوعهم لرغباتهم لاسيما الشخصية منها، لأن النائب يعتبر ممثلا للشعب بأسره حيث يعمل للصالح العام وليس الصالح من منظور محلي ضيق ، وهو ما يتطابق ومدلول النظام النيابي، هذا على خلاف نظام الانتخاب الفردي حيث تصغر الدائرة الانتخابية التي يمثلها نائب واحد فقط فتكون الصلة بين الناخب والنائب أكثر التصاقا مما يؤدي إلى عدم استقلال هذا الأخير عن جمهور ناخبيه ويجعله خاضعا لهم ويعمل وفق رغباتهم لا وفق الصالح العام كما يقتضى ذلك النظام النيابي السليم هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن كبر الدائرة في نظام الانتخاب بالقائمة يؤدى إلى تخفيف التدخل في الانتخابات وصعوبة التأثير على جمهور الناخبين في الدائرة الانتخابية لكبرها ، مما يسمح للناخبين باختيار نوابهم والتعبير عن أرائهم بأكثر حرية ودون تأثير أو ضغط المترشحين وقوى الضغط الأخرى وذلك على خلاف الانتخاب الفردي حيث يسهل التأثير على الناخبين سواء بوسائل الضغط أو الرشوة أو لاعتبارات عروشية وقبلية وحتى عائلية. كما أن الانتخاب بالقائمة يجعل من عملية الانتخاب منافسة بين برامج وأراء لا منافسة بين أشخاص، إذ يعتمد الانتخاب بالقائمة على المفاضلة بين المناهج والبرامج التي تعدها الأحزاب المتنافسة لا بين الأشخاص بذواتهم في نظام الانتخاب الفردي أين تلعب الاعتبارات الشخصية والعائلية الدور الرئيسي في اختيار الناخب. كما تجدر الإشارة إلي أن نظام الانتخاب بالقائمة يؤدى إلى زيادة عدد الكفاءات في المجلس النيابي، ذلك أن اتساع الدائرة الانتخابية يؤدى إلى وجود عدد كبير من الكفاءات ترشحهم الأحزاب أو المنظمات التي ينتمون إليها في حين أنه كلما صغرت الدائرة الانتخابية قلت الكفاءة المعتبرة فيها. والحقيقة: أن الأخذ بنظام الانتخاب الفردي أو الانتخاب بالقائمة يتوقف إلى حد كبير على ظروف الدولة الخاصة والاعتبارات السياسية السائدة فيها، ولذا تفضل بعض الدول الأخذ بنظام الانتخاب الفردي ، وقد تفضل بعض الدول الأخرى نظام الانتخاب بالقائمة لأسباب معينة تحتم الأخذ بهذا النظام . نظام تمثيل المهن والحرف: تقرر أنظمة الانتخاب عادة مجرد تمثيل الاتجاهات السياسية بأن يعكس البرلمان ثقل الطوائف السياسية وحدها دون غيرها على أنه يلاحظ أن المجموعة الوطنية ليست عبارة عن جماعات سياسية فحسب، بل أنها تتكون من أفراد وجماعات لها مصالح اقتصادية واجتماعية معينة فهناك العمال والفلاحون والمحامون والتجار... وغير ذلك من أصحاب المهن والحرف المختلفة التي يرى البعض ضرورة تمثيلها في البرلمان ، لذلك ينادي الكثيرون بعدم تمثيل الميول والآراء السياسية في البرلمان فحسب بل وبتمثيل القوى الاجتماعية والاقتصادية في الدولة، لاسيما المنظمات الوطنية حتى يكون البرلمان ممثلا لمكونات المجتمع على وجه حقيقي وبناء على ذلك تتولى كل منظمة انتخاب من يمثلها في المجلس النيابي بعد تخصيص نسبة معينة من مقاعد هذا المجلس للتمثيل المذكور إلى جانب المقاعد المخصصة للتمثيل السياسي. ورغم أهمية تمثيل المنظمات حسب البعض فآخرون يرون أن هذا التمثيل يتنافى ومفهوم النظام النيابي ذاته حيث أن النائب يعتبر ممثل الشعب بأسره لا ممثل طائفة أو منظمة أو جهة أو مهنة بعينها مثلما وقع بيانه سابقا.