لا نسمع اليوم سوى صدى النّميمة يرتجّ في هذا الفضاء أو ذاك. لا نكاد نتسمّع هذه القرقعة حتى نلتفت إلى «بالونة» جديدة يطيّرها الهواء. ليس للبالون أجنحة. ليس للبالون منقار ولا ريش. ليس للبالون شرف العصافير/ شرف التّحليق. البالون يسترق رقصة الطير ولا يجيدها.. البالون طبل الحكاية.. البالون لا يمتلك أفكارا.. لا يمتلك فأسا يحتطب بها.. لا يحمل في طيّاته مشروعا («إنّ الإنسان هو قبل كلّ شيء مشروع يعيشه على نحو ذاتيّ عوض أن يكون زبدا أو قذارة أو قنّبيطا..» (1)). هو ليس مشروعا ليحمل مشروعا .. !! البالون كذبة أفريل لن تنطلي على «سوار»(2).. سوار تدرك جيّدا أنّ البالونات ليست إلاّ تشبّها بغيضا بالطير.. سوار تعلم أنّ الطير معجون بماء الحياة/ الحياء سوار تعلم أنّ البالونات مصبوغة ب«النّوايا السيئة». ** ونحن نعدّ «كرات الباندا»(3) وينظر كلّ منّا إلى عيني صاحبه فيرى أجدادا وآباء، هامة «هامان» الحكيم والمتنبي والفرزدق وجرير وبول شاوول وت. س. إليوت وشارل بودلير... أبحث كثيرا عنك.. لو أنّك لم تمت ! علب الحلوى فرغت.. مازلت أذكر حلاوتها.. لعلّك كنت ستحدّثنا عن ذاك الانتفاخ القهري الذي لازم البعض : - انتفاخ ثوريّ: قبضوا ثمنه وتراصّوا خلف المكاتب. رتّبوا بيت الطاعة. قدّموا الولاءات والبيانات والصفحات الالكترونيّة. غسلوا عقولهم بأيديهم. لبسوا جبّة القاضي. (جبّة القاضي أوسع من أجسادهم، أطول من قاماتهم، أجمل من وجوههم الصفراء). ليقولوا فقط: إنّنا هنا. - انتفاخ سياسيّ : انتفاخ شرعيّ يكسب صاحبه الحقّ لمحاكمة الأنفاس غير «الشرعيّة» بتهمة التواطؤ لقلب النظام العام السائد منذ الميداني بن صالح. - انتفاخ ثقافي: عمليّات تجميل للمؤخّرات والشفاه وعمليّة لزرع لحية كارل ماركس...(تسقط بعد أوّل نفخة من نارجيلة أحد الجالسين في le saint ) - انتفاخ أخلاقي: «خرائط تصميم جسر الصراط المستقيم»(4) فلا يسيرنّ عليه سوى من رضي عنه الإمام أمّا المشاكسون الحاملون سلال السؤال فبئس المصير. فرمان قطع الرأس والأوصال ضدّ السّير (الزموا أماكنكم اربطوا أحزمتكم جيّدا. الطائرة لن تقلع.. المشي نحو الأمام والتحليق في سماوات أخرى ورقصة النار ثالوث حرام ، فَعُوا يا «أبناء النصّ الكلب» (5)). «إلقاء القبض على الضحك»(6) وجرّه إلى كومات القمامة التي تناستها البلديّة وإرغامه على أن يصير ذبابة تترنّح عرجاء تنظر بنصف عين. ..................... لعلّك كنتَ ستحدّثنا هكذا عن كلّ انتفاخ، وتفصّل القول ثمّ تضحك بهدوء كعادتك وتمنحنا قطع الحلوى وتربّت على أكتافنا. ** ونحن نخوض غمار اللّهيب لا نخشى أن تفرّقنا «الماتراك»، لا يُعمي بصائرنا ضباب «الكروموجان»، لا نسير خلف القطيع الجبان، لا نسترق النّظر من كوّة في الجدار.. لا نتكلّم خطابا واحدا، لا نصغي إلاّ إلى أصوات الجنيّات الآتية من البحر وإلى همهمات مريد أدمته الطّريق. نصغي إلى هذيان المخبولين في شوارع المدينة ونردّد معهم أغنياتهم التي لن يفهمها سوانا. و«يتبعنا الغاوون» أولئك الذين يربكون المدينة بخطواتهم نحو الجحيم. ** تراصّوا لكسر الجرّة، صعد بعضهم فوق بعض.. كوّنوا سلّما بأجسادهم... ليطالوا الجرة المعلّقة بحبل مقدّس... كلهّم مدّوا أيديهم في اتجاه السماء كلهم استلوا خناجرهم ووضعوها في ظهور بعضهم.. لن يطالوا الجرّة.. لن يطالوا الحبل.. ** الكتابة كأس من السمّ تجرّعناه وجلسنا فوق خشب المحرقة.. كان السمّ حليبا وكان الحريق « بردا وسلاما «. الكتابة ليست قنّ دجاجات، ليست استعراض عضلات و«تطاوسا»(*) و«تدايكا»(*). الكتابة لم تكن يوما وهما مرضيّا تنجزها لتنال منصبا جديدا في حكومة العار. الكتابة ليست بالونا يُنفخ ليتطاير هنا وهناك ثمّ يَفقؤه غصن طائش. الكتابة عصفور حرّ يحلّق بعيدا عن «كوجيتو» النوايا السيئة. فلنكتب ولنكتب ولنكتب رغم أنوف ميليشيات الظلام. الهوامش: 1/ سارتر (جان بول)، الوجوديّة منزع إنسانيّ، تعريب محمد نجيب عبد المولى وزهير المدنيني، دار محمد علي للنشر تونس والتنوير للطباعة والنشر والتوزيع، طبعة أولى 2012 ، ص 32 2/ ابنة الشاعرة 3/ اليوسف (مرشد)، دوموزي (طاووسي ملك) بحث في جذور الديانة الكردية القديمة ، دار سردم للطباعة والنشر، الطبعة الاولى 2013، ص 117 وكرات الباندا هي «كرات من الأرز» تقدّم «مع الطعام والماء والقرابين... إلى روح الاباء والاجداد في يوم ظهور القمر الجديد من كل شهر ضمن طقس احتفاليّ يسمى الشرادها SHRADHA من أهمّ تعاليم العقيدة البرهمانية». 4/ مصطفى (فاروق)، في الطريق إلى الشاعر المهندس طيب جبّار: قراءة ومختارات، منشورات اتحاد أدباء الكرد، فرع كركوك ، الطبعة الأولى 2013 ، ص161 من مرفقات كتبها طيب جبار 5/ بن حمودة (عبد الفتاح)، من بيانات حركة نَصّ، مجلّة الكتابة الأخرى، كتاب الثورة 2: الإشارات التونسية، الإصدار الثاني العدد3، ص348 6/ مصطفى (فاروق)، في الطريق إلى الشاعر المهندس طيب جبّار: قراءة ومختارات، منشورات اتحاد أدباء الكرد، فرع كركوك ، الطبعة الأولى 2013، ص161 من «مرفقات» كتبها طيب جبار. * أمامة الزاير: