الظروف الصحية هي التي حالت دون انجاز هذا العمل في ابانه.. ومازاد اصرارنا رغم الحالة الجسدية والنفسية التي كنا علينا الفقرة الاذاعية المطولة التي اعدتها الزميلة عواطف الجبالي باذاعة المنستير عن قضية المعينة المنزلية او شغالات البيوت.. وايقنا لحظتها ان الموضوع شائك الذي يكتنفه شيئ من الغموض.. لتكون المفاجأة من خلال التحقيق الذي نشرته «لوموند» الفرنسية بامضاء دومنيك توريس الصحفية بقناة فرانس 2 تطرقت فيه الى ذات القضية تحت عنوان «خادمات للبيع» في الوطن العربي... وان كان في تونس لا يوجد هذا النوع من المزايدة العلنية لكن هناك اشياء تحصل عبر قنوات وهمية تبيع السراب وتمنح الدخان لمن يريد الاستقرار المهنة خادمة.. خارج اطر القانون والنواميس الاجتماعية لان لا دور لمكاتب التشغيل في العملية فيكفي وجود سماسرة متمرّسين في كل شيء حتى في الانحلال الاخلاقي وما يترتب عنه... هوس كبير في البحث عمن تعوض الام خلال اوقات غيابها عن المنزل أفرز ما يسمّى بشركات الخدمات المتخصصة في تشغيل الخادمات في اختصاصات كثيرة كما أفرز بعض المسالك الاخرى عبر الوساطة غير ان هذه المؤسسات منها ما يستغل في دائرة الضوء ومنها ما ينشط خارج القانون بشهادة عدة أطراف لها دراية بقطاع كهذا الذي يشوبه نوع من الغموض مثلما اشرنا آنفا... ومما ساهم في انتشار هذه الشركات ان المعينة المنزلية لم تعد مجرد وجاهة اجتماعية تتباهي بها ربات البيوت... بل اصبحت ضرورة يومية ملحة تفرضها عديد المسائل الحياتية مثل تربية الاطفال والقيام بشؤون البيت والمرافقة للمرضى والعاجزين عن الحركة وحمل الاولاد للروضة والمدرسة اذا كانت هذه المؤسسات قريبة من محل السكنى.. لكن ومثل كل قطاع يكثر عليه الطلب تكثر به التجاوزات لاطراف هدفها الاساسي الربح المادي بدرجة اولى ولا يهم بما سيحصل بعدها سلبا كان او ايجابا... حين يغيب القانون هذا ما اكده لنا (م ر) صاحب احدى شركات الخدمات اذ هناك دخلاء على القطاع يعملون في الظلام اي خارج القانون ويفلتون من المراقبة التي تستهدف بشدة اصحاب المؤسسات المنظمة في كل جوانبها القانونية والاجتماعية والانسانية ايضا في حين تبقى المؤسسات المهمشة خارج دائرة المراقبة المستمرة لانها ببساطة لا تعمل بما يسمّى «الباتيندة» وانتقد ذات المصدر بشدّة كبيرة هؤلاء الذين وصفهم بالمتحيلين الذين يفرضون منافسة غير شريفة في قطاع المعينات المنزليات ويفتحون مكاتب في اماكن منزوية او حتى في مستودع «قاراج» ويبرمون عقود تشغيل مع الحرفاء غير قانونية ثم سرعان ما يغيرون عناوينهم ويغلقون هواتفهم بل ويصل بهم الامر الى اعطاء ارقام وهمية ونشراعلانات في الصحف اليومية ذات الصبغة التجارية ومن هنا تنطلق رحلة المليم المرّ أو «الفرنك المصدّي» أما الشركات المشتغلة تحت مظلة القانون فهي مجرد وسيط فقط بين الحريف من جهة والمعينة المنزلية من جهة اخرى اذ توفر المعينات حسب الاختصاصات المطلوبة (المستوى الثقافي لا قيمة له في هذه الناحية مقارنة ببعض الدول الغربية وحتى العربية خاصة في لبنان حيث الخادمات هناك أغلبهن اجنبيات ولهن مستوى معين ومحترم من الثقافة والتعليم... وترتب له لقاءات مع الحرفاء الراغبين فيهن لاختيارهن بكل حرية حسب احتياجات الحريف ولا دخل لاي شركة في هذه العملية.. بعد ذلك يقع ابرام عقد عمل بين كل من الطرفين حسب المدة والاختصاص المطلوب والاجر وجميع التفاصيل الدقيقة التي من شأنها ان تضمن حق كل جهة بوضوح تام وشفافية مطلقة ليعم الرضى بينهما حتى لا تحدث مشاكل وان كانت بسيطة فيما بعد.. بحيث يكون هذا العقد الممضى واضحا ومفصلا حتى انه لا يهمل القيمة المضافة وذكرها المعروفة ب T.V.A ولا حتى المطالبة ان لزم الأمر بالفاتورة من باب الحرص على ضمان حقوق كل طرف وتشغل هذه المؤسسات معينات بمقابل يصل في بعض الاحيان الى 300 دينار حسب مساحة المنزل وموقعه ونوعية الخدمات المطلوبة كما تعمل على ضمان استمرارية الخدمة حتى في حالة عدم اتفاق الخادمة مع الحريف بتعويضها بأخرى وهذا لا يعني ان مثل هذه الشركات مسؤولة عن اقلاق بعض الفتيات التي تبقى محل اتهام من قبل الحريف باعتبارها مجرد وسيط فقط غير مسؤولة عن الاختيار الشخصي علما ان الحريف يوفر للشركة ما قيمته مائة وخمسون دينارا فما فوق كل ستة اشهر أي بمعدل 300 مليم في اليوم الواحد كعنوان متابعة وخدمات وعندما تنتهي المدة المتفق عليها في العقد يتم التجديد بعقد ثان مع نفس المعينة او بتغييرها مع تحديد نفس الأجر... ومثل هذا السلوك نادرا ما نجده.. فأغلب المؤسسات المنتصبة والمتدخلة عشوائية ووهمية لا تخضع لمراقبة أو قانون كما ان بعض المعينات ترفض التقيد بقانون هذه الشركات المقننة لاسباب قد تكون شخصية بحتة... وجوب الحذر في كل الحالات مقابل ذلك فالشركات الخارجة عن القانون تشغل فتيات مراهقات في بعض الاحيان لا يتعدى سنهن السادسة عشرة.. وتخالف الاجر القانوني المعمول به والذي يجب ان لا ينزل تحت 140 دينار تونسي اي يمكن لها امضاء عقود عمل لفتيات معينات ب 100 دينار بل اقل من هذا المبلغ بكثير.. وأعرف شخصيا محلات تجارية تشغل انسات مدة عشرة ساعات في اليوم الواحد بخلاف أيام الراحة والعطل بمقابل ثمانين دينارا فحسب.. اذا كان هذا المقابل تتقاضاه فتاة مثقفة وحاملة لشهادة علمية محترمة فما بالنا بمعينة منزلية... اقول معينة منزلية التي مازال ينظراليها المجتمع على انها خادمة ربما تكون يتيمة... فقيرة.. الى غير ذلك. النظرة الدونية لها احطت حقيقة من قيمتها كأنثى. كما ان هؤلاء الدخلاء لا يعطون عناوينهم الرسمية خوفا من التتبعات وحذّر محدثنا (م ر) من التعامل مع من سماهم اصحاب اللقمة السايغة... اذ يمكن لكاتبة مثلا في احدى شركات الخدمات ان تتعلم «الصنعة» وتفتح «قاراجا» وتشتغل على هواها ما دامت قد حفظت «الصنعة» على قاعدة صحيحة وأصبح لها حرفاء وقد يتحول زبائن «عرفها» للتعامل معها اذا وفرت لهم المطلوب بانجس مقابل!!.. من تحت الحيط... الى تحت الزيتونة من جهة اخرى ذكرت (سيدة ف ح) صاحبة شركة خدمات ان بعث مؤسسة لتشغيل المعينات المنزليات لا يكون الا بموجب موافقة من وزارة التشغيل وبترخيص من القباضة المالية كما تستهدف المراقبة باستمرار مثل هذه النقاط.. لذلك فان عملية اختيار المعينات لا تكون عشوائية بل تتم عبر الاعلانات ثم القيام بعملية كاستينغ واختيار من بينهن كل من تتوفر فيهنّ الشروط المطلوبة من تربية الاطفال الى الطبخ.. شؤون المنزل.. او رعاية مسن كان او مريض.. حيث يتم تشغيلهن بمقابل يتراوح بين 200 و350 دينارا في حين تتمتع الشركة ب 150 دينارا كعمولة على المعينة لمدة سنة كاملة.. ويتم ابرام عقد تشغيل يضبط حق كل طرف من الاطراف المعنية على يدي محام حسب المدة المتفق عليها... واضافت محدثتنا التي توجهت بشكرها العميق إلى صحيفة «الشعب» على اهتمامها البالغ بالقضايا الاجتماعية ان المؤسسات المنظمة بقانون لا تشغل فتيات اقل من 20 سنة عكس سماسرة بعض الجهات الداخلية الذين يتاجرون بفتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين11 و12 سنة وبمقابل يتم تحديده تحت «حيط» او تحت «زيتونة» وقد تستمر هذه المعينة «الصغرونة» مع العائلة التي انتدبتها وقد تغادرها بعد شهر!! ومن هنا تتضح بعض الرؤى بخصوص مصير اللواتي يتم ترحيلهن الى المناطق والمدن الكبيرة كسوسة وصفاقس دون نسيان تونس العاصمة صاحبة النصيب الاوفر حيث تصح العبارة «لشكون تعيّط يا شريّط» «الفقر كلب» و»العيش مرّ يا عمر». سوق موازية.. واللي جاب ربّى وفي هذا المجال تحدث الينا أكثر من طرف مسؤول وحتى المواطنون الذين يعتبرون أنفسهم لهم دخل في هذه العملية بحاجاتهم لمعينات منزليات بحكم الظروف بان المسالك الموازية لاختيار الخادمات او شغالات البيوت في تعبير مفضوح لهؤلاء ينشطها سماسرة من المناطق الريفية النائية خاصة في جهات الشمال الغربي والوسط مثل القيروان والقصرين والذين يكونون على علم تام بالعائلات واحتياجاتهم وأوضاعهم الاجتماعية فيقع التفاهم على تشغيل احدى الفتيات المنقطعة عن الدراسة للاسباب التي ذكرناها او التي لم تعرف مدرسة أو «كتابا» دون اعتبار لسنها وغالبا ما يتم تشغيل فتيات مراهقات.. غير ان هذه المسألة تشير إلى مخاطر ومخاوف كبيرة اذ كيف لفتاة في عمر الزهور 12 عاما بالكاد «تشد الكوجينة» وتربي الاطفال وهي لا تزال «حليب أمّها بين اسنانها»..