في ظلّ الحديث عن أزمة مالية ضربت أغلب بورصات العالم وعلى رأسها البورصات في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحتى لا نكون في تونس دائما وكالعادة بمنأى عن الأزمة وخارج التاريخ واقعيا واعلاميا نظّم الاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس ندوة حول الأزمة المالية العالمية «أزمة مالية أم اقتصادية؟» ذلك يوم الجمعة 2008/11/28. وقد حرص فيها كالعادة أن تكون فضاء مفتوحا لاستقبال النقابيين من الجهة وخارجها وقد تمّ استدعاء الأستاذ الجامعي والعميد السابق لكلية الحقوق بسوسة الأخ حسين الديماسي لتقديم مداخلة في هذا الغرض. نشطت الندوة الأخت وسيلة العياشي عضوة المكتب التنفيذي بالاتحاد الجهوي وافتتحتها بالترحيب بالحضور وبالأستاذ الديماسي والوقوف عند أهمية موضوع الندوة ثم أعطت الكلمة للأستاذ المحاضر ليخوض غمار الحديث عن الأزمة المالية العالمية: أسبابها، آثارها وانعكاساتها على بلادنا. وقد بدأ الأستاذ حديثه بالاشارة إلى مفارقة تخصّ الخطاب المروج عن الأزمة الذي ظلّ يصفها بكونها أزمة مالية في حين أنّها أزمة اقتصادية لم يقع الكشف عن أسبابها الحقيقية لهذا فسّرت على أنّها سوء تصرف البنوك ومن المشرفين على الجهاز المالي بإرساء أنماط خاطئة من القروض دون ضمانات كافية سوى الفائدة المشطة ممّا انجر عنه عجز عن تسديد هذه القروض وبذلك هزت الأزمة هذه البنوك. ولكن هذا خطاب يقصد به تمييع المسألة والدوران في حلقة مفرغة دون الوصول الى الحقيقة المرّة التي تمس اطار الأزمة والمتسبب الرئيسي فيها وهي المنظومة الرأسمالية. لكننا إذا أردنا تشخيص مسار المنظومة الرأسمالية في حركتها وجدليتها حصرناها في دائرتين: دائرة الانتاج والتوزيع دائرة الاستهلاك فالادخار فالاستثمار. وهو تشخيص يستقرأ من خلال مرحلتين مرّ بهما الاقتصاد الرأسمالي في المناخ العالمي. 1 / مرحلة الثلاثينية المجيدة: وتواصلت من الحرب العالمية الثانية إلى السبعينيات من القرن العشرين واختصت بالتفاوض في اقتسام الثروة. 2 / مرحلة بدأت منذ أواسط الثمانينيات وتواصلت إلى اليوم: واختصت بتدهور واضح ومتسارع للطاقة الشرائية وللطبقة الشغيلة ويعود ذلك إلى ظروف أو أحداث مسّت كل بلدان العالم بدرجات متفاوتة وأهمها: التحولات التكنولوجية العميقة منذ أواسط الثمانينيات واستبدال أدوات الانتاج الميكانيكية بالروبوتية وقد أفرز ذلك مخزونا مفزعا من البطالة إذ وقع استبدال العامل بالآلة وقد أثر ذلك بشكل ملحوظ على قوّة التفاوض والحوار مع الطبقة الشغيلة. انهيار المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي وهو ما كان يمثّل أهم عامل ضغط على الأطراف الاجتماعية للجلوس الى طاولة التفاوض. بروز المارد الأصفر: وذلك بكسر الصين طوق العزلة واندماجها في نظام الرأسمالية المتوحشة. وبذلك غابت الحقوق السياسية والنقابية بمساندة الدكتاتورية المطلقة وتمّ استغلال العمال تحت غطاء المنافسة التي مثلت سندا لعدم الزيادة في الأجور. اتفاقية التبادل الحر بداية من 1995 حيث مثلت بداية لفتح الحدود والأسواق بعضها عن بعض وشكل ذلك ضغطا اقتصاديا سيكون العامل أول ضحاياه. خذلان الأحزاب اليسارية للطبقة الشغيلة بغاية الوصول إلى الحكم خصوصا بعد سقوط المعسكر الشيوعي في حين أنّها كانت أحزابا أفرزتها الطبقة الشغيلة. انهزامية النقابات: تغيير استراتيجيتها فبعد ان كان دورها مطلبيا تحول الى المحافظة على مواطن الشغل ممّا مثّل زيغا كاملا عن دورها الأساسي. انفراد الأعراف ومن ورائهم أحزاب اليمين بالطبقة الشغيلة لتجريدهم من مكاسبهم التي حصلوا عليها بجهد كبير طيلة الثلاثينية المجيدة وقد أفرز ذلك انهيار القدرة الشرائية في بلدان المركز التي تحرك الاقتصاد العالمي (الولاياتالمتحدة، ألمانيا، فرنسا...) لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا بدأ انهيار الطاقة الشرائية منذ أواسط الثمانينيات في حين أنّ الأزمة لم تظهر الاّ الآن؟ في الفترة الأولى: أي منذ أواسط الثمانينيات إلى أواخر التسعينيات كان الطلب موجودا ولو بدرجات نمو ضئيل وذلك لقوة طلب الاستثمار بسبب الثورة التكنولوجية. أمّا في الفترة الثانية: فقد عوض انكماش الاستثمار استهلاك الأجراء لكن الأجير بتدهور دخله التجأ للتداين والقروض وهذا لم يمس الأفراد فحسب بل يمسّ الدول وقد أدى ذلك إلى انكماش الاستثمار بصورة ملحوظة في البلدان السبعة الكبرى. وحتى لا تموت الأموال بالتضخم تمّ وضعها في البنوك ومنحها في شكل قروض ممّا خلق أنماطا مغشوشة من القروض لم تضمن البنوك حقها الاّ بنسب الفائدة المرتفعة وبالعجز التام عن استخلاص الديون اهتز الوجود المالي للبنوك وسقطت مساهمتها في البورصة الى حد ظهور شركات تأمين للديون غير المسددة وقد أفلس جزء من هذه الشركات وقد انقلب عندها التضخم المالي الى شبح رهيب في السيولة وهو ما مسّ مباشرة دورة الانتاج والتوزيع وأوشك الاستهلاك على التوقف وهو ما انعكس على العمّال بظهور موجات طرد متواصلة وبدأت دورة الانتاج تضرب في الصميم مثال ما شهدته مبيعات السيارات من نقص في شهر أكتوبر 2008 وصل إلى 45 في أكبر شركة عالمية للسيارات General Motors. وبدأ الانخرام المتراكم للمنظومة الرأسمالية في مسار لا يعرف متى يتوقف. فكيف واجهت الدول هذه الأزمة المالية وهي في حقيقتها أزمة اقتصادية؟ واجهتها عبر ارساء برامج معارضة للمؤسسات المالية وكأنّها مفتاح الاقتصاد ب: زيادة الأداءات على الطبقة الوسطى التداين من الدول الكبرى مثل الصين التخفيض في نسبة الفائدة لتشجيع الاستهلاك والاستثمار التخفيض من قيمة العملة وهو أخطر مؤشرات الانهيار. هذه هي الاجراءات الحمائية التي اتخذتها الدول، لكن الحل الأمثل الذي لم يقع الحديث عنه والذي يمكن ان يعيد الأمل في تجاوز الأزمة ووقع تجاهله هو تحسين القدرة الشرائية للشغالين لدفع الاستهلاك وتحريك الاقتصاد. نتائج الأزمة على بلادنا: وعن علاقة تونس بالأزمة العالمية تحدّث الأستاذ الديماسي أنّ تونس تعيش منذ سنوات تحت وطأة الأزمة المالية ولذلك مظاهر متعدّدة منها: المضاربة بالأراضي، تواتر العفو على الشيكات دون رصيد، تداين العائلات... ولم تكن تونس تنتظر أزمة Wall street وول ستريت لتشعر بها فتونس تعيش على وطأة الديون الخارجية منذ خمس أو ست سنوات ولكي تسدّد الديون القديمة (التي لم تسدد منها الاّ الخمس) لجأت الى الاقتراض من جديد ممّا أجبرها على تحمل فوائض لا تطاق... وستعرف سنة 2009 2010 نسبة نمو ضعيفة خصوصا وأنّ أهم حريف اقتصادي وهو الاتحاد الأوروبي (فرنسا، ألمانيا، ايطاليا) قد مسته الأزمة بعمق، وأنّ أكثر قطاع استهدفته الأزمة كان قطاع السيارات وبدأ ذلك يفرز، وسيفرز بصورة جلية في الفترة القادمة غلق الشركات وطرد العمال وضرب السياحة... النقاش: إنّ عمق التحليل الذي طرح به الأستاذ الديماسي مسألة الأزمة المالية كان له الأثر البارز في تحريك الحاضرين للنقاش وقد تركّز الحوار في مجمله على النقاط التالية: وجود أسباب أخرى للأزمة أهمها: ضرب دور الدولة التي تشد عصب الاقتصاد. مدى تأثر المتقاعدين بالأزمة المالية توضيح مصير الطبقة الوسطى في ظل الأزمة الراهنة ما مصير أصحاب الأجور الدنيا في السنوات القادمة؟ طلب توضيح علاقة التضخم المالي بالزيادة في الأجور دور التعتيم الاعلامي في تغيب الوعي بالأزمة التساؤل حول خصوصية المواجهة التونسية للأزمة مدى تأثر الخدمات الاجتماعية (صحة، تعليم، نقل..) بالأزمة المالية. الردود: في ردوده ركّز الأستاذ حسين الديماسي خاصة أنّ من الأسباب التي أوصلت العالم الى الأزمة أنّ تعديل أطراف الاقتصاد كان للسوق ولم يعد للأطراف الاجتماعية وهو ما أدى إلى فوضى السوق. ومقارنة بأزمة 1929 فالأزمة الحالية تفشّت في العالم في نفس الوقت خلافا للأزمة السابقة التي أخذت وقتا للتفشّي رغم اشتراك الأزمتين في قيامهما على المضاربة في البورصة. وفي علاقة الأزمة بالاقتصاد التونسي فإنّ الطبقة الوسطى هي أكثر الطبقات تأثرا بالأزمة باهتراء مقدرتها الشرائية... خصوصا والاقتصاد التونسي يعيش على وقع التناقضات من ذلك الزيادة غير المدروسة في الأجور أو تجميدها لمدّة سنوات لهذا لابد من الحذر من المطلبية المهتزة التي ينكسر أمامها الطلب الداخلي والخارجي. كان هذا التحذير هو ما اختتم به الأستاذ حسين الديماسي الندوة. قطاع العدلية: انعقد مؤتمر النقابة الأساسية للعدلية ببن عروس يوم 29 نوفمبر 2008 وأفرز التشكيلة النقابية التالية: الأخ عبد اللطيف الهرابي كاتبا عاما والأخوة رضا المعيوفي، سهام خصيب، عبد الستار الرويسي، محمد مساهل، شيراز الخياري وعبد الرؤوف بن حسين أعضاء. في الزهراء: انعقد مؤتمر النقابة الأساسية لأساتذة التعليم الثانوي والتربية البدنية بالزهراء يوم الاربعاء 26 نوفمبر 2008 وأفرز التشكيلة النقابية التالية: الأخ سامي الزواري كاتبا عاما والأخوة نجيبة البختري، عائدة بن مذكور، ربح الجباري، شكري المناصري، عادل الغيداوي والحسين بن سلطان أعضاء.