العدوان الصهيوني على قطاع غزّة اثناء الفترة الممتدّة بين 28 ديسمبر2008 و18 جانفي 2009، خلّف دمارا وتهديما وتقتيلا للاطفال والنّساء والشيوخ ولم يكن مفاجئا رغم قسوته برّا وبحرا وجوّا، لكنّ الغريب والعجيب هو تورّط بعض العرب في هذا العدوان على الاشقاء لذلك تتوارد أسئلة وتزدحم في جبين المرء، فيما يلي بعضها: كيف تهدّد وزيرة الخارجية الصهيونية غزّة وتتوعّدها بالويل والدّمار في ندوة صحفية عقدتها في مصر قبل يومين من بدء العدوان؟ أهُوَ استخفاف بمصر أم هناك توافق على ذلك؟ إثر بدء العدوان الاسرائيلي على غزّة تحدّث بعض رموز النظام المصري عن الحدث بصيغة (ذاك حال من لا يسمع النصيحة) أليس ذلك ما يشي بحال «التشفّي» في الاشقاء، والتلذّذ بقسوة العدوّ عليهم؟ كيف تصرّح وزيرة خارجيّة اسرئيل بأنّ دولا عربية كثيرة «تؤيّدنا» حسب تعبيرها للقضاء على حركة حماس؟ هل كان الرئيس الفرنسي «سركوزي» كاذبا حين صرّح بأنّ الرئيس المصري حسني مبارك يؤيّد العدوان على غزّة؟ هل كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس «يفذلك» حين قال: «ذاك حال من لا يسمع النصيحة»؟ وما يقول المرء في تصريحات مستشاريه ووزرائه؟ لماذا كان الملك السعودي عبد الله، قد قال لوفد علماء المسلمين الذين أتوه طالبين «نجدة» اهل غزّة، أنّ حركة حماس «غير أهل» لذلك؟.. لماذا رفض «قادة دول الإعتدال»(مصر السعودية الأردن ومن يؤثّرون على مواقفهم) عقد قمّة عربية للنّظر في موضوع «العدوان على غزّة»؟.. وهل هناك دول «للاعتدال» وأخرى «للتطرّف» وما رأت عيني، وما سمعت أذني، وما قرأت على امتداد عشرين سنة، أنّ جميع الدّول العربية، هي في «سلة واحدة»... الحدث الوحيد الذي فرّق بينها لمدّة «عارضة» هو: العدوان على غزّة.. هناك من يرغب في تدمير «غزّة» تدميرا ماحقا، وهناك من يرفض ذلك... لماذا تمّت إحالة ملفّ العدوان على غزّة على أنظار مجلس الأمن الدّولي، واليقين لدى الجميع، أنّ ذلك يهمّش القضيّة، ويلغي الفيتو الأمريكي كلّ قرار يقترب من الموضوعية...؟ لماذا «تمطيط» المفاوضات بين طرفي النزاع حتى تطول المدّة وتنزل اسرائيل مزيدا من الدّمار على غزّة؟ لماذا رفضت «دول الاعتدال» عقد قمّة عربية؟.. ولماذا لم تشارك في قمّة الدوحة؟ لماذا تكاثرت القمم: قمّة غزّة في الدّوحة قمّة الدول الخليجية قمّة الكويت الاقتصادية ثم قمّة شرم الشيخ؟؟ أليس ذلك هو «الإرباك بعينه؟» لماذا تتراجع خطب مصر والسلطة الفلسطينية بعد وقف العدوان؟ لماذا يغلق معبر «رفح» في وجه الفلسطينيين؟ أكان ذلك مساعدة؟ مصر بعد كامب دافيد منذ معاهدة «كامب دافيد» في مارس سنة 1979 ، يتذكر المرء أنّ العرب عرفوا أحداثا مؤلمة، نذكر منها: احتلال بيروت ومجزرة صبرا وشاتيلا، وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان وتهجيرها الى عدد من الدّول: تونسالجزائر اليمن وكان ذلك سنة 1982. حصار العراق منذ سنة 1990 الى سقوط بغداد سنة 2003 . اعدام الرئيس العراقي صدام حسين واحتلال دولة عربية. قصف الجماهيرية الليبية سنة1982 و1986 وحصارها... احتلال الصومال من طرف الولاياتالمتحدةالامريكية ثمّ من طرف أثيوبيا.. وتحويل بلد مستقرّ الى بلد مفكك يعيش الفوضى... اتفاقية أوسلو سنة 1993 وقبلها مؤتمر مدريد اجهاض الانتفاضات الفلسطينية في عديد المرّات. لكن من الممكن ان نتساءل ماهي مسؤولية مصر في هذا كلّه؟ وللاجابة عن هذا السؤال، نقدّم للقارئ موجزا لسجال حصل بين كاتبين امريكيين حول دور مصر في دعم السياسة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط.. كتب «ميتش ماكونيل»، وهو عضو في الكونغرس الامريكي عن الحزب الجمهوري، وأحد أعضاء «لجنة الإعتمادات» التابعة لمجلس الشيوخ، مقالا في صحيفة «واشنطن بوسط» سنة 2001 دعا فيه الى مراجعة المساعدات المالية والعسكرية المقدمة لمصر.. كان المقال موسوما ب «ينبغي ان لا تحصل على وجبة غذاء مجانية» واكد فيها ان المساعدة التي تقدمها الولاياتالمتحدةالامريكية لا يمكن ان تكون «حقا مكتسبا» لهذا البلد العربي وطالب بمراجعتها سنويّا بناء على تقييم ما تقدّمه مصر للولايات المتحدةالامريكية من خدمات لسياستها الخارجية... وأبرز، في هذا المقال الذي نشر سنة 2001 وتناقلته الصحف بما فيها العربية، أن مصر حصلت الى يومها على 50 مليار دولار كمساعدة عسكرية واقتصادية. وردّ عليه «أدوارد ووكر»الذي شغل سفيرا بكلّ من مصر وإسرائيل، كما شغل ايضا مساعدا لوزير الخارجية الامريكي مكلّف بشؤون الشرق الأوسط، وقدّم عرضا مطوّلا لخدمات مصر لفائدة الولاياتالمتحدةالامريكية بعد امضاء معاهدة «كامب دافيد» سنة 1993، وهي، اي هذه الخدمات بإيجاز: اثر دخول الجيش العراقي للكويت سنة 1990، كانت مصر هي «حجر الزاوية» حسب تعبيره في تشكيل التحالف العربي الذي كان ضمن التحالف الدولي لاضفاء الغطاء على العمل العسكري ضدّ العراق، ومنح الشرعية والمصداقية لالحاق الهزيمة (بصدّام حسين وجيشه). أثناء الحرب على العراق من طرف التحالف الثلاثيني بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية، نفّذ الطيران العسكري الامريكي 35 ألف طلعة جوية انطلاقا من مصرلقصف العراق... منذ الحرب التي شنّتها الولاياتالمتحدةالامريكية على العراق سنة 1991 منحت مصر كل التسهيلات للقوات الأمريكية حتّى تتزوّد بما تحتاجه من مصر. حين أرادت الولاياتالمتحدةالأمريكية التدخل في الصومال سمحت مصر لامريكا ب 10 الاف طلعة جويّة لقصف الصومال كما قدّمت مصر الدعم الكامل لامريكا حين أرادت سحب قواتها من الصومال... قدّمت مصر لأمريكا كلّ التّسهيلات للقيام بالعمليات العسكرية في البوسنة والهرسك. في سنة 1998 قدّمت مصر كلّ الدّعم لإجلاء الامريكيين من «نيروبي»و»دار السلام» اثر تفجير السفارتين الامريكيتين في ذاك الوقت.. مرور حاملات الطائرات والقوّات العسكرية من قناة السويس عوض أن تمرّ من المحيط الهادي أو القرن الافريقي للوصول الى منطقة الخليج العربي.. المساعدة الدائمة على تسويةالصراع العربي الصهيوني؟؟ ومصر هي التي شجعت حافظ الاسد، الرئيس السوري، على المشاركة في مؤتمر مدريد سنة 1991. كما أنّ مصر هي التي حثّت الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على توقيع اتفاقيات أوسلو سنة1993. ولولا مصر لما كانت مهمّة مدير المخابرات الامريكي «جورج تينيت» تنجح في التوسط في الصراع العربي الاسرائيلي. ونضيف الى ما ذكره «أدوارد ووكر» مواقف اخرى منها: تعطيل العمل العربي المشترك بتعويض «القمم العربية» بأخرى ثلاثية (مصر + السعودية + الاردن) أو رباعية.. الوقوف الدائم الى جانب الصفّ الامريكي وضدّ العرب...ويتذّكر المرء حصار العراق وموقف مصر منه، وكذلك الموقف المصري من حرب تمّوز / جويلية 2006 في جنوب لبنان، وما تمّ الإعلان عنه من إدانة للمقاومة، وبالتالي التأييد الكامل للكيان الاسرائيلي التعامل مع «العملاء» الذين نصّبهم الاحتلال الامريكي على العراق، وتعيين سفير لمصر في بغداد... تدجين جامعة الدول العربية وعرقلة العمل العربي المشترك والتعامل مع الامين العام للجامعة العربية كوزير للخارجية. بعد هذا الجرد السريع لموقف مصر من القضايا العربية، وبعد تصريحات الرئيس الفرنسي «ساركوزي» ووزيرة الخارجية الاسرائيلية بأنّ مصر تؤيّد العدوان على غزّة، وانّّها، أي مصر، لا تريد أن تخرج حماس منتصرة... وبعد التعطيل الظاهر لعقد قمّة عربية للنظرفي العدوان الصهيوني على غزّة، فهل بقي شكّ في موقف مصر؟ القمم والمصالحة العربية أربك العدوان الاسرائيلي بعض الدول العربية الموصوفة بالاعتدال خصوصا بعد ان تكاثرالهمس عليها، واتّهامها بالتورّط الخفيّ في جريمة العدوان الصهيوني على غزّة... لذلك نادى أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني بعقد مؤتمر للقمّة العربية منذ الايام الاولى للعدوان، لكنّ موافقة البعض لم تكن ثابتة، إذ تراجع البعض منهم.. فأعاد الكرّة ولمّا ازداد العنف في غزّة، واشتدّت قسوة العدوّ على الاشقاء واتفق مع الرّئيس السوري على عقد القمّة (بمنْ حضر)... وفعلا كانت (قمّة غزّة) في الدّوحة يوم 16 جانفي 2009 وحضرتها قيادات بارزة في العالميْن: العربي والاسلامي، مثل الرئيس الإيراني محمد أحمدي نجاد، ورئيس الحكومة التركية رجب الطيب اوردغان، والرئيس السوداني عمر البشير والرئيس السوري بشار الاسد، والجزائري عبد العزيز بوتفليقة... ولما شعر البعض، أنّ الاحداث تجاوزتهم انطلق السباق وتناسلت القمم قمة الدوحة، القمة الخليجية، وقمّة شرم الشيخ في مصر اضافة الى قمة الكويت لكنّ اللاّفت للنظر في هذه القمم باستثناء قمّة الدوحة، هو: لا حديث عن «تحرير فلسطين» ولا اعتراف ب»ببطولة وصمود المقاومة في غزّة» لم تكن قمّة الكويت ولا القمّة الخليجية «جمّدت الخطة العربية للسلام» والتي دفنها اريال شارون» في اليوم الثاني من الاعلان عنها وعوضا ان يبدي الكيان الصهيوني رأيه فيها عمد شارون وهو رئيس الحكومة الاسرائيلية ايامها الى دخول المسجد الاقصى بحذائه مدنّسا بذلك «أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين» وكان على العرب أن يلغوها إثر ذلك الصنيع.. لم يتمّ تشخيص الدّاء لتحديد الدّواء، لذلك بقي الخلاف بين القيادات العربية رغم مبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز وسخائه لاعمار عزّة... المعجم اللغوي المستعمل من طرف «دول الاعتدال» مثل: (الحرب في غزّة) وكأنّ جيشين لدولتين متحاربتين عوضا عن القول العدوان على غزّة. (القتلى) عوضا عن كلمة «الشهداء» (تهريب الاسلحة)، وعوضا ان يكون العرب هم الذين يساعدون المقاومة بمنح رجالها المال والسلام صار العرب يتعاونون مع الدول الاوروبية بالاضافة الى أمريكا واسرائيل وغير ذلك من الكلمات التي تساوي بين الجلاّد والضحيّة. المستقبل العربي وفلسطين مهما كانت المبادرات والمصالحات والضحكات امام الكاميرات والاضواء يبقى الخلاف عميقا بين العرب ونتيجة لذلك يكون الخلاف بين الفلسطينيين.. فالتقسيم حسب وسائل الاعلام يكون: دول الاعتدال، وهي الدول التي تراهن على «الحل السلمي وترى انّ الولاياتالمتحدةالامريكية هي «مفتاح الحلّ» ورغم المدّة التي مرّت على اتفاقية أوسلو سنة 1993 فإن الوعود والاتفاقيات الفرعية لم تطبّق... وفشل المشروع السياسي للحلّ.. دول الممانعة: وتمثّل الهلال الذي يتشكّل بدءا من حركة حماس في غزة مرورا بالمقاومة اللبنانية (حزب الله)وسوريا وانتهاء بايران وهذا الجناح يعتبر أنّ حلّ الصراع العربي الاسرائيلي لا يكون الاّ بالمقاومة وإثر العدوان على غزّة، برز وضع جديد، يتمثّل في : الصمود الذي أبدته المقاومة في غزّة والذي هزم اسرائيل حيث انها لم تتمكّن من تحقيق أهدافها والتي منها: دخول غزّة واحتلالها، والقبض على عدد من المقاومين، العثور على الانفاق وهدمها، الاستحواذ على صواريخ المقاومة، وتحرير الجندي الاسرائيلي جلعاد وهذا ما لم يتحقق. هناك تصريحات لبعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية وكذلك في بعض الدّول المصنّفة في «الاعتدال» تدين المقاومة اثناء العدوان الصهيوني على غزّة وهذا ما يترك اثارا لا تساعد على المصالحة بين الفرقاء... الشارع الفلسطيني في غزّة والضفّة الغربية ينادي بالوحدة الوطنية ويرفع شعار (لا عباس، لاهنية بدّنا وحدة وطنية). أمام هذا الواقع نرى منهجين مختلفين الحلّ التفاوضي للصراع العربي الاسرائيلي والمنهج المقاوم الذي يرى أنّ «ما أخذ بالقوّة لا يستردّ الاّ بالقوّة» لهذا يكون الحلّ بأحد هذه السيناريوات وهي: اتباع النهج المقاوم بعد النجاح الذي حققته المقاومة في غزّة، ولا يكون نجاح هذا النهج الا باقتناع مكونات الشعب كافة في الضفة والقطاع وتأييد غزة في المقاومة وبذلك يسحب البساط من تحت السلطة... استقالة كوادر فتح في رام الله وحماس في غزّة وتحمل جيل جديد للمسؤولية. هجوم أحد الطرفين على الاخر بالسلاح واخضاعه قسرا وبذلك تتوحّد فلسطين وأعتقد أنّ هذه الحلول صعبة وافضلها المقاومة من اجل تحريرالبلاد وهذا ما يوحّد الفلسطينيين وأخيرا نقول انّ الذين راهنوا على القضاء على المقاومة في غزّة قد أخطأوا في حساباتهم...