إثر صدور مقال لي بجريدة «الشعب» لسان حال الاتحاد العام التونسي للشغل بتاريخ 18 أفريل 2009 تحت عنوان «ملاحظات حول التقييم الإشهادي ونقاط أخرى» توجّه إليّ عدد من الزّملاء الذين قرؤوه والتقيتهم ببعض الملاحظات والاستفسارات تخصّ بعض النّقاط الواردة فيه وتهمّ أساسا: موضوعات البيداغوجيا الفارقيّة والأسبوع المغلق، وإنّي إذ أشكر لهم اهتمامهم بما كتبت وما يكتب حول جوانب من الإصلاح التّربوي، فإنّي أعتقد أنّ الهدف الرّئيسي من المقال قد تحقق ألا وهو المساهمة في دفع الجدل حول عدد من المسائل الحيوية في منظومتنا التّربوية والتي لها بالتّأكيد انعكاسات جدّ مهمة على مستقبل ناشئتنا ووطننا. قضايا البيداغوجيا الفارقيّة لقد طرحت في مقالي السابق ضرورة التخلص من الارتقاء الآلي لما يحدثه من فادح الضّرر بمستويات أطفالنا ومدى قدرتهم على المواصلة، وضرورة الرّجوع الى المعدّلات، وهو ليس برأي ذاتيّ بل تجمع عليه الأغلبية السّاحقة من المعلمين على الأقل في جهتنا، وقلت «إنّ الذين تقع نقلتهم آليّا... سيقضي معهم المعلّم الوقت اللاّزم للتّدارك وهذا على حساب الممتازين أو المتوسّطين على حدّ السواء، أو يتركهم وتكون وقتها الكارثة أعظم...» إنّي لم أقصد إطلاقا مثلما ذهب الى ذلك البعض أو قد يذهبون إليه أنّ المعلّم يعتني بمجموعتة ويهمل بقيّة المجموعات!! إنّ اختلاف أنساق التّعلّم في أقسامنا ظاهرة موجودة ولا يمكن لأحد نكرانها، ونحن نتعامل معها بانتهاج تفريد التّعلم (الاعتناء بكلّ تلميذ على حدة قدر الإمكان طبعا كلّ حسب حاجياته وإمكانيّاته) وهي من تقنيات البيداغوجيا الفارقيّة. إنّ البيداغوجيا الفارقيّة هو مفهوم من تسميتها تراعي الفوارق بين التلاميذ إذ لا يمكن للمعلّم أن يعامل كل أطفال قسمه بنفس الدّرجة، إذ يعدّ تمارين خاصة لكلّ صنف من التّلاميذ حسب الصعوبات والأخطاء التي لاحظها لديهم أثناء التقييم إنّه كالطبيب بالضبط في مجال تخصّصه، فالذين يقصدونه لا يعانون من العلّة نفسها، وعليه لا يمكن له أن يصف له الدّواء نفسه. لقد تعوّد المعلّمون بداية كلّ سنة دراسيّة إنجاز تقييم قبليّ (أي قبل بداية الدّروس) في كلّ المواد الأساسية ثمّ تقييمات بعدية إثر إنجازهم لكلّ وحدة تعلّمية وتمتدّ على كامل فترات السّنة، يحدّدون الأخطاء ومصادرهم لكلّ تلميذ، يعدّون تمارين للعلاج لكلّ صنف وربما لكلّ تلميذ على حدة، كلّ التلاميذ يعملون في نفس الوقت، المعلم حريص على مواكبتهم ومتابعتهم، يمكن ان ينتقل تلميذ من مجموعة الى أخرى إذا هو استوعب ما طلب منه في مجموعته وتجاوزه. إنّ على المعلّم أن ينشّط كلّ هذه المجموعات ويراقبها في نفس الوقت أثناء حصص العلاج والدّعم وبالطّبع أثناء التّعلمات الجديدة أيضا!!! إنّ البيداغوجيا الفارقيّة عمليّة جدّ معقّدة، لا عدد التلاميذ في الأقسام التي يعاني العديد منها من الاكتظاظ يسمح بذلك، ولا القاعات كافية (مثلا المدرسة التي أدرّس بها اكتشفت في أفريل الماضي أي منذ سنة أنّ إحدى قاعاتها آيلة للسّقوط فأغلقت في ذلك الوقت ولكنّّها لم تعوّض الى حدّ الآن رغم حاجة مدرستنا الملحّة إليها!!) ولا الوقت ولا الوسائل التي شاخت في مدارسنا، فتعويضها وتجديدها أو حتّى إصلاحها إن كانت قابلة لذلك أمر ضروريّ ولكنّه غالبا مفقود (قد نجد في مدرسة ما أدوات هندسة واحدة تقوم بجولات مكّوكية بين عدّة أقسام فيضطرّ المعلم إلى تغيير مادة الهندسة بمادة أخرى انتظارا لزميله الذي يعمل بهذه الأدوات!!)، هذه أدوات بسيطة وضرورية أمّا اذا تحدّثنا عن وسائل الإيقاظ العلمي من مواقد وأنابيب اختبار وسوائل كاشفة ومغانط ومحاليل كهربائية ومخابر... إلخ فنكون وقتها قد طلبنا التّرف!! إنّ الاختلاف في المستويات الذهنيّة أمر طبيعيّ لدى البشر إذ أنّ حاصل الذّكاء ودرجة الاستيعاب والظّروف الاجتماعية لدى التّلاميذ قد تفسّر جانبا من هذا التفاوت ولكنّ الامر يزداد حدّة بالارتقاء الآلي ونوعية البرامج الموجودة التي لم يشارك فيها المعلم ووقع بناؤها بطرق أحاديّة الجانب من طرف غير مباشرين للقسم (انظر كتاب الجغرافيا س 6 على سبيل المثال وليس الحصر جداول غير محيّنة وخرائط غير مدقّقة...) انظر أيضا كتاب التاريخ لنفس السّنة وما أدراك ما التّاريخ: حوادث مهمة من تاريخ بلادنا المنظّمات الوطنية ومن أهمّها الحركة النّقابية بقيادة الزّعماء من أمثال الحامّي وحشاد العظيمين، تبنّي الحزب الحرّ الدّستوري للكفاح المسلّح في 52 والاستقلالين الدّاخلي والتام والخلاف الذي حصل حولهما وما سيترتّب عن ذلك من استتباعات ستطبع تاريخ بلد بأكمله، كلّ هذه الاحداث المهمة يختزلها كتابنا المدرسي في عنوان واحد وهو «تكتّل القوى الوطنيّة...» أو مستوردة مثل برنامج الكفايات الذي جاءنا في التسعينيات من القرن الماضي وطوّرت تسميته اليوم الى «مقاربة بالكفايات» لا تراعي لا ظروفنا ولا حضارتنا ولا لغتنا ولا إمكانيّاتنا. إنّ المعلمين يعتبرون أنفسهم شريكا فاعلا يعرفون مواطن الخلل، يعرفون ما يفيد التّلميذ والمعلم والمدرسة التّونسية، ويمكنهم تقديم الاقتراحات والحلول والبدائل في التّصورات والبرامج والبيداغوجيا، والبنية التحتيّة من قاعات وورشات ووسائل، وظروف عمل المعلّم والزّمن المدرسي... الأسبوع المغلق: لقد تطرّقت لهذه النّقطة في مقالي السّابق بقي أن أوضّح شيئا، لقد استعرت هذه التّسمية من تجربة التّعليم الثانوي وبالطبّع يهمّني كمعلّم أن أدعو للإقتداء بماهو إيجابي في هذه التّجربة أي تخصيص أيّام لإنجاز الامتحان فقط يقيّم فيها المعلم تلاميذه ويصلح اختباراته ويعدّ علاجاته أمّا الوليّ والتلميذ فيستعدّان لهذا الامتحان كما يجب ماديا (إعداد الأوراق والأقلام وسائر الأدوات) وذهنيا ونفسيا، أمّا عدا ذلك من أسبوع مفتوح وأسبوع الإصلاح فلا نعتقد أنّهما يفيدان على الأقلّ تلميذ الابتدائي في شيء بل يضيّعان وقته! وما دام الحديث عن الزّمن المدرسيّ فإنّ للمعلم أيضا حقا يطالب به وهو يوم راحة أسبوعي مقرون بيوم الأحد ونحن نستند في ذلك إلى أنّ كلّ الموظفين في العالم لهم يوم راحة أسبوعيّ يسبقه يوم راحة آخر، في دول الخليج مثلا الخميس والجمعة، في أوروبا السّبت والأحد، وفي التّعليم الثانوي في تونس وهو قطاع لنا عديد القواسم المشتركة معه لا يعمل لا عشيّة الجمعة ولا عشيّة السبت إضافة الى يوم الأحد أمّا بقية الإدارات والبنوك فأغلبها تتمتّع براحة يومي السبت والأحد. محمد الحبيب بلحاج الكاتب العام للنقابة الأساسية