كرة اليد.. قيس الواد يحترف في الغرافة القطري    فاكهة بألف فائدة: لماذا يجب أن تجعل العنب جزء من غذائك اليومي؟    النجم الساحلي يكشف تعاقده رسميا مع ماهر بالصغير والسنغالي الحسن دياو    هكذا سيكون الطقس هذه الليلة    جرجيس: انتشال جثتين لطفلين غرقا بشاطئ حسي الجربي    سليانة: إعفاء الكاتب العام المكلف بتسيير بلدية مكثر من مهامه    المنستير: الإعداد لإحداث ماجستير مهني في مجال الإضاءة المستدامة والذكية بالمدرسة الوطنية للمهندسين بالمنستير    مقترح قانون لإحداث بنك بريدي: نحو تعزيز الشمول المالي وتوفير خدمات مصرفية للفئات المهمشة    طقس الليلة.. خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    صابر الرباعي على ركح مهرجان الحمامات الدولي: عرض يراوح بين القديم والجديد ويستجيب لانتظارات الجمهور    باجة: تجميع ربع الانتاج الوطنى من الحبوب وموسم الحصاد يقترب من نهايته    تنبيه للمواطنين: انقطاع واضطراب الماء بهذه المناطق..    عاجل : أحمد الجوادى يتألّق في سنغافورة: ذهبية ثانية في بطولة العالم للسباحة!    بوحجلة :استفادة 700 مواطن من القافلة الصحيّة بمدرسة 24 جانفي 1952    دورة بورتو البرتغالية للتنس: التونسي معز الشرقي يتوج باللقب    تعيين مثير للجدل: ترامب يسلّم منصباً قضائياً لإعلامية من أصول عربية    سيدي بوزيد: تضرر المحاصيل الزراعية بسبب تساقط البرد    اعادة انتخاب عارف بلخيرية رئيسا جديدا للجامعة التونسية للرقبي للمدة النيابية 2025-2028    ''السوبر تونسي اليوم: وقتاش و فين ؟''    عاجل : نادي الوحدات الاردني يُنهي تعاقده مع المدرب قيس اليعقوبي    منزل بوزلفة:عمال مصب النفايات بالرحمة يواصلون اعتصامهم لليوم الثالث    إيران: لم نطرد مفتشي الوكالة الدولية بل غادروا طوعاً    تواصل الحملة الأمنية المصرية على التيك توكرز.. القبض على بلوغر شهير يقدم نفسه كضابط سابق    بلاغ هام لوزارة التشغيل..#خبر_عاجل    عودة فنية مُفعمة بالحبّ والتصفيق: وليد التونسي يُلهب مسرح أوذنة الأثري بصوته وحنينه إلى جمهوره    بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة    برنامج متنوع للدورة ال32 للمهرجان الوطني لمصيف الكتاب بولاية سيدي بوزيد    فضيحة تعاطي كوكايين تهز ال BBC والهيئة تستعين بمكتب محاماة للتحقيق نيابة عنها    وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس    تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار    رفع الاعتصام الداعم لغزة أمام السفارة الأمريكية وتجديد الدعوة لسن قانون تجريم التطبيع    الإمضاء على اتفاقية تعاون بين وزارة الشؤون الدينية والجمعية التونسية للصحة الإنجابية    بلدية مدينة تونس تواصل حملات التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي    نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    الجيش الإسرائيلي: انتحار 16 جندياً منذ بداية 2025    عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    درجات حرارة تفوق المعدلات    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة «باطولوجية» أم طبيعية؟
انحباس النفس النقابي لدى الطلبة:
نشر في الشعب يوم 31 - 10 - 2009

لقد أجمع الرأي العام في بلادنا على أن الجامعة التونسية تمثل منذ تأسيسها، قلعة وطنية مضيئة وهرمًا معرفيا وعلميا وفكريا يحتضن طيلة أكثر من نصف قرن أجيالا لا متلاحقة من طلبة بلادنا، حيث ناهز عددهم هذه السنة حوالي 380 ألف طالب وطالبة...
وعلى غرار جميع الجامعات في العالم،، فإن جامعتنا التونسية ظلت باستمرار وقبل كل شيء آخر المنارة التي تشيع المعرفة والعلوم والتقنيات، وترتقي بالوعي الاجتماعي والنقابي والمعرفي، وتترعرع داخل رحابها الأفكار التنويرية ونظريات الانعتاق المتنوعة...
... ومثل كل الجامعات في العالم التي تحتضن ملايين الطلبة، فإن جامعتنا التي أنجبت أجيالا متعاقبة من النخب المعرفية والعلمية والفكرية والثقافية من أساتذة ومهندسين وأطباء وخبراء ومحامين ورجال فكر وثقافة ووزراء وسفراء وغيرهم،، لم تتخلف أبدا عن إنجاب حركة طلابية نقابية متنورة ذات فاعلية نوعية أثرت إيجابا في مسيرة الاحداث، وساهمت لسنوات عديدة في صنع وصياغة البعض من الأحداث الاخرى،، وظلت على الدوام رغم المصاعب والنواقص والمحاصرة والاستنزاف فصيلا عضويا فاعلا من مكونات الحركة الاجتماعية العامة في بلادنا... كما انه من التجني المجاني على الحركة الطلابية تناسي مساهمتها الأساسية في تطعيم المنظمات النقابية والحقوقية والمهنية والأدبية ذات السيادة المستقلة، والتنظيمات والأحزاب الوطنية بأبرز مناضليها وقادتها وكوادرها الحاليين والسابقين...
... بل أكثر من ذلك، فإن أحد الوزراء الشبان الحاليين يعتبر من زاوية ما، من انتاج الحركة الطلابية التونسية،، حتى انه كان قد تقلّد في فترة ما مهام الامين العام للاتحاد العام لطلبة تونس...
1 الحركة الطلابية ليست حزبا سياسيا:
لقد ظلت الأجيال المتعاقبة من أبناء وبنات الحركة (قواعد ومناضلين وقادة) تردد طيلة عقود بأن الحركة الطلابية النقابية بفعل طبيعتها الذاتية وتركيبتها «المورفولوجية» ليس لها الا ان تكون حركة نقابية جماهيرية عريضة الأحضان ومفتوحة لجميع الطاقات الطلابية الشابة التي تناضل داخل الجامعة من اجل ضمان الحقوق الاساسية والحريات الحيوية التي يضمنها ويصونها الدستور التونسي لفائدة الطالب التونسي داخل الوطن وخارجه...
فالحركة الطلابية النقابية في طبيعتها الداخلية وتركيبتها السوسيولوجية وجذورها الطبقية لا يمكن ان تكون الا مشابهة الى حد ما للحركة العمالية النقابية،، دون «التطابق المطلق معها» بالنظر للخصوصيات الداخلية المختلفة بينهما...
كما ان النجاح التدريجي في وضع الحركة الطلابية على ذلك الدرب الطبيعي الملائم لها، يعتبر مكسبا حيويا لعموم الطلبة وإنجازا ضخما للمنظمة الطلابية نفسها، التي اصبحت اليوم مطالبة اكثر من اي وقت مضى بأن تبني أرضيتها الوطنية المناضلة والمستقلة، وتحالفاتها العامة وتوجهاتها ومناهج عملها وآليات تواصلها الفاعل مع عموم الطلبة وإتقان فنون التأطير والتعبئة، إستلهاما جدليا خلاّقا (وليس نسخا) من الارضية النقابية الوطنية وأساليب العمل وقنوات التواصل ومناهج تجميع الطاقات التي يسير على هديها منذ سنوات طويلة الاتحاد العام التونسي للشغل، دون الوصول بتاتا الى حدود التماثل المطلق او التطابق الكامل!!
... وأنا بكل تواضع على اعتقاد يلامس اليقين بأن غالبية القيادات والعقول المدبرة التي تعاقبت على رأس الاتحاد العام لطلبة تونس ومنذ مرحلة اعداد برنامج 73 الى حد هذا اليوم تعلم جيدا ان درجة الاشعاع والديناميكية والتأطير والتواصل والتعبئة داخل صفوف الطبقة العاملة التي حققها الاتحاد العام التونسي للشغل متأتية بدرجة اساسية من الاصرار المبدئي الثابت لقياداته المتعاقبة على النضال النقابي والوطني وفق أرضية نقابية وطنية خلاّقة فاعلة،، جعلت منه بفعل طبيعة الصراع الاجتماعي العام، قوة سياسية وطنية غير حزبية وقلعة مقاومة نقابية مستقلة شامخة، ممثلة للطبقة العاملة ومناضلة من اجل حقوق العمال وحرياتهم ومصالحهم المادية والمهنية!
... وفي هذا السياق تدقيقا، أفلا يكون من الشرعي للغاية ان يتساءل عموم الطلبة بأجيالهم السابقة والحالية واللاحقة وكذلك الرأي العام، عن حجم المكاسب الملموسة التي حققتها المنظمة الطلابية لفائدة الطالب التونسي، بالمقارنة مع حجم الانتصارات والانجازات والمكاسب النقابية والمهنية والمادية الهامة التي حققها الاتحاد العام التونسي للشغل للعامل التونسي وأبنائه وكرامته، بفضل رواده ورجاله ونسائه وبناته في جميع مستويات المسؤولية وفي كل القطاعات والجهات. العديد منهم كانوا قد نهلوا أبجديات النضال النقابي الجماهيري من منابع الحركة الطلابية نفسها حينما كانوا طلبة في الجامعة التونسية؟
2 الحركة أرهقت أبناءها؟... أم الأبناء أرهقوا الحركة؟!
لقد تشكّل خلال العشرية الاخيرة بالخصوص، شبه إجماع عام على ان واقع الحركة الطلابية اليوم ليس واقعها بالأمس، وأن طالب الامس ليس طالب اليوم،، وهي حالة شبيهة الى حد ما، بما يسميه رجال الأدب «شعراء الثمانينات» أو «شعراء السبعينات» وشعراء اليوم... وانطلاقا من الواقع الراهن للحركة، فلقد آن الأوان للتساءل الفردي والجماعي عن الأسباب الجذرية الحقيقية التي جعلت الحركة الطلابية التونسية تفقد اليوم الكثير من وحدتها وصلابتها وتماسكها وحيويتها واشعاعها،، وتفقد قدرا كبيرا من قدرتها على التواصل الخلاّق مع الجماهير الطلابية العريضة ومن طاقاتها وفنونها في مجال التعبئة النقابية والتأطير الفاعل للطالب التونسي داخل الجامعات والأجزاء الجامعية المتباعدة والمتناثرة في المدن!!
كما ان التساؤل حول نوعية طالب الأمس ونموذج طالب اليوم، يظل ايضا تساؤلا ضروريا وفي محله اكثر من أي وقت مضى!! فهل ان الحركة الطلابية بجميع خصائصها وآليات عملها هي التي أرّقت أبناءها الطلبة؟ أم ان الطلبة عموما (قواعد ومناضلين وقيادات متجمعين) هم الذين أرهقوا الحركة وأنهكوا قواها وأطفؤوا شعلتها وبريقها ونورها،، وحوّلوا وجهتها الى حيث لا تريد هي؟!
... وهل ان درجة إنحباس النفس النقابي في صفوف الطلبة، تمثل حالة «باطولوجية» موصوفة وجب تشخيص إفرازاتها الداخلية و «فيروساتها» الخارجية بدقة متناهية وبموضوعية عالية وبحزم شديد،، ووضع جميع النقاط على جميع الحروف، ثم الشروع الفوري في معالجة تلك الحالة بهدوء ورصانة ودون مركبات،، والانجاز الفوري للبديل النقابي الطلابي من داخل الجامعة ومن داخل الحركة نفسها (وليس إطلاقا من خارج أسوارها)، البديل الذي يكون ملائما اكثر من غيره للظروف الذاتية والموضوعية التي تعيشها حاليا الجامعة والحركة والاتحاد العام لطلبة تونس.
... ومن البديهيات غير القابلة للتفريط بأي حال من الأحوال،، ان يكون كل بديل نقابي جماهيري للوضع الراهن، أمينا تماما لتاريخ الحركة ووفيا تماما لمبادئها وجذورها وثوابتها (التمثيلية الاستقلالية الوحدة) التي ناضلت خمسة أو ستة أجيال من الطلبة والنقابيين والقادة من اجل الذود عنها والتمسك بها وصيانتها مهما طالت السنوات!!
كما أنه من الحيوي للغاية ان لا يكون ذلك البديل النقابي في خدمة أي طرف سياسي بعينه خارج الجامعة مهما كان وان لا يناضل الا من اجل مصالح وحقوق الطالب التونسي الذي يعيش اليوم معاناة مادية ودراسية ونفسية وعصبية،، وينظر الى الغد وللمستقبل بكآبة محبطة للعزائم وتشاؤم مدمّر يكبّل عقله ويخنق أنفاسه...
3 الطالب: أحد ضحايا سموم ثقافة العولمة:
إن أية دراسة «سوسيولوجية» جيّدة مرفوقة ببحث نفساني متماسك يبادر أحدهم بإنجازهما ضمن عيّنة ممثلة للحياة الاجتماعية العامة في بلادنا، قد تبوح امام الجميع بأن سموم ثقافة العولمة الامبريالية لم تستثن اية طبقة أو فئة أو مجموعة اجتماعية، الا رموزها المتمعشين منها وطابورهم الخامس، وأن الضحايا الأربع الأوائل لتلك الثقافة الوبائية الفتّاكة هم: العمال، الطلبة، المرأة، والأطفال...
فالطالب اليوم وهو تلميذ الأمس كان قد كرّس أطوار حياته للدراسة وحرص على النجاح فيها، وقد أرهق أنفاسه لسنوات طويلة وأرهق جيوب والديه وعائلته وأعصابهم وأنفاسهم في سبيل «الباكالوريا» والدخول للجامعة التي طالما حلم بها ومنّى النفس بالوصول اليها،، يحدوه أمل كبير في تحقيق بعض أمانيه وطموحاته والنهل من ينابيع العلم لفائدته ولفائدة بلاده بصفته طالب معرفة وصاحب علم (... وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟)...
... إلا ان الطالب، سرعان ما يتفطّن الى ان كل ذلك راح أدراج الرياح وأن تصوره للحياة الدراسية والطلابية والجامعية (حينما كان تلميذا) لم يكن ملائما لما إكتشفه يوم دخوله للجامعة لأول مرة...
ولعل أبرز المواصفات الناطقة التي تطغى على المشهد الطلابي والجامعي طيلة السنوات الاخيرة تتمثل في ما يلي:
التفكيك الهيكلي والتشرذم الجغرافي المتعمّد للجامعات والكليات والمعاهد العليا تحت يافطة المخاتلة الصفراء «اللامركزية».
السماح المتعمّد لأعداد كبيرة من المدرّسين غير الحاصلين على شهادة دكتورا دولة بالتدريس في العديد من الكليات تجنبا للانتدابات المناسبة المكلفة وعلى حساب القيمة العلمية والمعرفية للطلبة.
الموجة العارمة من الهلع النفسي الخانق في صفوف الطلبة، خوفا من الفشل في الدراسة وضياع المصير.. أو النجاح دون آفاق حقيقية للحصول على شغل مناسب وقار.
الأعداد الوافرة والمتزايدة كل سنة من المحرومين من العمل من أصحاب شهادات التعليم العالي في جميع الاختصاصات.
الانحدار الواعي وغير الواعي في صفوف الآلاف من الطلبة، نحو الانخراط الذهني والنفسي في شباك المنظومة الايديولوجية للعولمة الامبريالية، والتكيّف غير الارادي مع إفرازاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والاخلاقية الهدّامة، والمكبّلة للعزائم والطموحات، والزارعة للبؤس النفسي الذي يؤول مع استمراره الى اليأس والقنوط والاحباط والتشاؤم، والتفكير مباشرة في «قارب الى بالارمو»!!
الطغيان شبه العام لعقليّة التخاذل والانهزامية والخوف والرضا بالدّون، والتأقلم مع الحرمان والفراغ والتهميش.
التغاضي شبه الكامل عن الشأن العام وفعاليات المجتمع المدني الفاعل (الفكري والنقابي والثقافي والسياسي) والعيش على تماسه في ألم وضياع وحيرة...
تدحرج أعداد وافرة من الطلبة نحو مستنقعات القذارة الذهنية والانحطاط المدني والانهيار الاخلاقي (علب ليلية ونهارية دعارة خمور صفقات مشبوهة مشحونة بالاساءة للطلبة...)
طغيان مناخ شبه عام من التوجّس والرعب والهلع والمحاصرة البوليسيّة المتنوعة، (وخاصة في صفوف الطلبة حديثي العهد بالجامعة).
الغياب شبه التام لبرامج التوعية النوعية وحملات التأطير الميداني (من جانب اتحاد الطلبة وهياكله) الموجهة دوريا للطلبة.
التطويق الشديد الدائم الذي يتعرض له العمل النقابي القانوني، والمحاصرة الدائمة التي يتعرض لها مناضلو ومناضلات الاتحاد (بوليس جامعي ميليشيات موازية عمداء الكليات دوائر وزارة الاشراف...).
الاصرار السلبي وغير الطبيعي لبعض القوى السياسية على تعويض قيادات المنظمة الطلابية والعمل على تحويلها الى ما يشبه «العجلة الخامسة».
4 الحالة الراهنة لا تخدم لا الطلبة ولا الاتحاد ولا القوى السياسية... ما العمل؟
... ما من شك البتة ان الغيورين غيرة وطنية راسخة على تاريخ الحركة الطلابية ومجد الاتحاد العام لطلبة تونس وحاضره ومستقبله من كافة الاجيال الطلابية المتلاحقة (قواعد ومناضلين وقيادات)،، يتألمون اليوم من حالة الحركة وأوضاع الاتحاد،، بعدما يناهز نصف القرن من النضالات الطلابية الوطنية وكوابيس المناورات والمؤامرات والخيانات التي عاشها الاتحاد وقاومها بحزم وتصدّى لها بكل طاقاته المحدودة... فالغيرة الوطنية الوقّادة (وهي ملك مشترك للجميع) تحتّم اليوم أكثر من أي زمن مضى، مقاومة كل محاولات تدجين الاتحاد وتهميش الحركة وقضم دورها النقابي والوطني: فينبغي على الجميع ان لا ننسى ان الحركة الطلابية التونسية من أعرق الحركات الجماهيرية المناضلة في سبيل نصرة الحقوق والحريات في بلادنا وفي أرجاء الوطن العربي عموما، وان الاتحاد العام لطلبة تونس من أعرق المنظمات النقابية الجماهيرية وأشدها وطنية وقّادة، على غرار منظمة الخالد فرحات حشاد : الاتحاد العام التونسي للشغل...
... وقد تكون المبادرات الصادرة من هنا وهناك لحوار وطني شامل يضع قبل كل شيء آخر أزمة الحركة الطلابية وأزمة اتحاد الطلبة في اطارها الجذري الحقيقي بهدوء ودون مركبات ولا مجاملة ولا تحامل: فلا مجال لانتشال الحركة من واقعها الراهن، دون الحرص البنّاء والحازم على إنقاذ اتحاد الطلبة من أوضاعه الراهنة التي لا تخدم الا مناوئي الحركة والاتحاد في نفس الوقت...
وأعتقد ان الجميع يدركون جيدا ان التشخيص الدقيق والحازم لأية ازمة (مهما كانت) يقرّب الاهتداء الى المعالجة الملائمة لذلك التشخيص!!
إن رصد أوضاع الحركة ومصاعب الاتحاد طيلة العشرين سنة الأخيرة بالخصوص، قد قادني الى صياغة البدائل التالية:
1 الاقتداء (وليس التقيّد) بالخطوط العريضة العامة الايجابية للاستراتيجيا النقابية التي سلكتها منظمة اتحاد الشغل، دون الانحدار الى بعض المتاهات والتحالفات غير الملائمة التي طبعت بعض اطوار مسيرة تلك المنظمة النقابية الوطنية المستقلة.
2 التدرّب على الاقتناع الفاعل بأن مصاعب الحركة الطلابية ومصاعب اتحاد الطلبة تمثلان معا وجهان لأزمة واحد، فأزمة الاتحاد هي انعكاس لأزمة الحركة، وأزمة الحركة هي مرآة لأزمة الاتحاد.
3 اعفاء النضال النقابي الجماهيري داخل الحركة من كل طابع حزبي ضيّق، والعمل تدريجيا على تخليصه من ذلك الأفق الضيّق الخانق نحو توسيع دائرة اشعاعه، قصد الوصول فعلا الى قواعد طلابية عريضة ومتنوعة،، ضرورية لأية حركة جماهيرية.
4 التدرّب على استيعاب وفهم ان اشاعة أبجديات العمل النقابي في صفوف الجماهير العريضة من الطلبة يمثل انتصارا أساسيا للحركة ومكسبا مشتركا هاما لجميع التيارات السياسية الوطنية داخل الجامعة.
5 تطويق الحملات التشويهيّة والتشهيريّة ومقاومة الحرب النفسيّة وثقافة الهزيمة واليأس والمذلّة التي تروجها بعض الأبواق الرسمية وشبه الرسمية وبعض دوائر الاعلام الأصفر المنهزم، التي لا تناصر لا الحركة الطلابية ولا الاتحاد.
6 اعتبار عتبة ما يقارب الخمسة آلاف انخراط طلابي التي بلغتها الهياكل النقابية للاتحاد، انجازا ميدانيا هاما، لكنه محدود الفاعلية كمًا ونوعًا بالنسبة لأية منظمة جماهيرية،، وهي نسبة غير قابلة للمقارنة بمستوى الانخراط العمّالي في صفوف اتحاد الشغل (ولو أن لكل منظمة خصوصياتها ومناخها وآلياتها الداخلية).
7 التعامل باحتراز وتحفّظ مع مقترح وزارة التعليم العالي المتعلق ببعث «لجنة محايدة» لتوزيع الانخراطات في صفوف الاتحاد أمام الطلبة، متكونة من بعض أساتذة الجامعة!! فهل يجوز ان يكون اول المتسبّبين في أزمة الحركة وأزمة الاتحاد (منذ انقلاب قربة 1971، على وزن وعد بلفوز 1917) وأبرز النافخين في نارها، طرفا في الحل؟! فضلا على ان «الحياد» اسطوانة قديمة للمخاتلة لا غير،، فلم يعد أحد محايدا في هذا العصر:
والحياد للأموات في قبورهم فقط!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.