يلاحظ من يقوم بجولة قصيرة في العاصمة أننا أصبحنا في عصر السرعة، حركية مفرطة ونشاط كبير طوال اليوم الجميع يعتقد أن الحياة هنا تجري بنسق أسرع منه داخل المدن الصغرى الكل يجري ويهرول يسابق عقارب الساعة للإلتحاق بالدراسة أو العمل وللإلتحاق خاصة بوسائل النقل حتى لا يطول إنتظاره في حال تفويت موعد الحافلة الكل تبدو على ملامحه بوادر الضغط والانشغال بالامور الحياتية بالبحث عن العمل بمشاكل الأبناء وبالغصرات المادية والبعض تلاحظ عليهم علامات الذهول وعدم التركيز وخاصة النساء إذ تتشتت أذهانهم طوال اليوم بين متطلبات العمل وحاجيات الأبناء وشؤون المنزل. الوقت لم يتغير الضغط النفسي أو الستراس أصبح السمة المميزة للتونسي اليوم وكل من يعترضنا يقول أنه « stressé» قمنا بجولة في الشارع التونسي وسألنا عن سبب الضغط الذي يعيشه التونسي اليوم. الطاهر الجبالي أحد الذين إلتقيناهم كان مسرعا إسترقنا منه بعض الدقائق أجانبا عن السؤال بإيجاز «الوقت لم يتغير ولكن متطلبات الحياة أصبحت أكثر وما يقوله أسلافنا بأن فلان يجري على الخبزة ليس فيه مبالغة بل فعلا نحن نجري على الخبزة وأحيانا نرى أن 24 ساعة أو يوم لا تكفي لقضاء شؤوننا ويضيف محدثنا «في هذا العصر تفوق قطاع الخدمات على القطاعات الاخرى وهو قطاع يتطلب المنافسة والسرعة وهو ما إنعكس على حياتنا اليومية بشكل واضح». إيناس البوغانمي تقوم بتكوين في إختصاص المكتبية وجدناها قرب محطة الحافلة وقد بدت عليها علامات القلق فسألناها عن سبب قلقها فردت «كيف لا أقلق وقد أمضيت قرابة الساعة وأنا أنتظر الميترو وبعده الحافلة وقد فوّت موعد دراستي بسبب وسائل النقل إنها فعلا معاناة يومية تخلق الضغط النفسي فمواعيد وسائل النقل غير مضبوطة والتأخير دائما موجود وحتى وإن حالفك الحظ وأدركت موعد الحافلة تجدها مكتظة وتضطر لتحمل المشاكسات ولمسات الشبان والكهول فيها» وتسطرد محدثتنا «مشاكل المواطن كثيرة وأن يتعامل مع وسائل النقل يوميا يجعله في ضغط متواصل لأنه يجد نفسه تحت رحمة من لا يرحم». خروج المرأة للعمل السيد عبد القادر الديماسي متقاعد إبتسم عند سؤالنا عن الضغط النفسي وقال «خروج المرأة للعمل هو السبب الاول للضغط الذي تعيشه العائلات التونسية فالباحث في حياة آباؤنا وأمهاتنا يرى أن المرأة كانت في القديم منشغلة طوال اليوم بقضاء شؤون منزلها وزوجها وأبنائها ولكنها اليوم أصبحت منشغلة عنهم بعملها وحتى عندما تعود الى المنزل تكون منهكة ومتعبة وغالبا لا تنجح في التوفيق بين المنزل والعمل» ويضيف عبد القادر «الحياة صعبت وكل شيء أصبح مصنعا يباع في الفضاءات التجارية وأبناؤنا أصبحوا أكثر تطلبا وهذا يجعل العائلة تجابه مصاريف كبيرة أكثر من طاقتها وهو سبب من أسباب الضغط لديها». عائدة . ب شاطرته الرأي وهي موظفة بشركة أكدت بقولها «الماديات هي السبب الرئيسي للستراس لدينا فالجميع يجري على توفير لقمة العيش وينفق مرتبه على الكراء والمصاريف المختلفة وأحيانا لا يكفيه المرتب لتوفير كل الحاجيات وتختم عائدة «من تتوفر لديه الإمكانيات المادية الكافية لا يعاني من الضغط فهو يوفر السيارة والعمل ولا يفكر فيما إذا كان المرتب سيكفيه أم أنه سيضطر للتداين». ضغوطات الحياة الضغط النفسي المتواصل أو الستراس له مبرراته حسب الدكتور عادل العمراني أخصائي نفساني يقول «الستراس ناتج عن ضغوطات الحياة اليومية والمتطلبات المرتفعة إضافة الى غلاء المعيشة وإرتفاع سقف المصاريف فالعائلة هي أيضا ضحية الستراس والابناء ليسوا وحدهم ضحية النسق السريع للحياة فالوالدين أنفسهم يعتبرون ضحية فهم في سباق مع الحياة وهو ما يخلق لديهم حالة توتر دائمة خوفا من المستقبل والحاضر ويضيف الدكتور «ظروف العمل والإمكانيات المادية وتطور الطموح وكذلك تغير نمط العيش لدى العائلة التونسية الذي أصبح أكثر إنفتاحا على الخارج هو من بين عوامل الضغط فمفهوم العائلة اليوم تغير ومفهوم القيم كذلك والمرأة أصبحت لها سلطة إقتصادية لذلك فإن القضاء على الضغط يبقى رهين البحث عن إعادة بناء مجتمع بقيم مغايرة