قليلة هي القضايا التي رفعتها حركة النهضة في حق وسائل الاعلام. بل نكاد نقول انه في أحلك المراحل التي عرفتها الحركة وخاصة في مرحلة الاغتيالات السياسية اكتفت قيادات النهضة بمجرد تهديدات للجوء الى القضاء بعد وصف رئيس الحركة "بالسفاح" على خلفية اغتيال كل من الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي. رغم الهجمة غير المسبوقة وقتها على قيادات الحركة وقياداتها فان الكلمة المفتاح وقتها هو امتصاص الغضب "وتهدئة الخواطر" وعدم اللجوء الى المحاكم. طوال فترة ادارتها لحكومة الترويكا اكتفت أجهزة الحركة وقياداتها بالقيام بضغوطات غير مباشرة حينا أو "شعبية" حين اخر على غرار اعتصام التلفزة الشهير من أجل تعديل المشهد الاعلامي لصالحها. سياسية الحركة الاتصالية في التعاطي مع وسائل الاعلام كانت في مجملها غير ذات جدوى و أدت لا فقط الى خسارة معركة الاعلام فحسب بل الى الخروج من السلطة تحت عنوان "التوافق الوطني" ومصلحة البلاد. مع مثول الزميلين توفيق العياشي ومعز الباي يوم الثلاثاء المقبل أمام المحاكمة على خلفية حوار صحفي عن "الجهاز السري" للنهضة والذي نشر في جريدة اخر خبر بتاريخ ليوم 18 فيفري 2014 اتضح ان الجهاز الاتصالي للحركة مازال يعيد أخطاء الماضي القريب. بات من الواضح أن الحركة تعاني مشكلا حقيقا في سياستها الاتصالية. لم يفهم هؤلاء ان السياسة القديمة والتي تؤدي الى تقديم الصحفيين للمحاكمات لا معنى لها بل ضررها على صورة الحركة أكثر من نفعها. ربما تجربة جريدة الفجر ورئيس تحريرها انذاك حمادي الجبالي ومثوله أمام القضاء ما قبل الثورة خير مثال على ذلك. من حيث الشكل، هناك هانة حقيقة في القضية المقدمة ضد جريدة اخر خبر وهو ان الامر يتعلق بحوار صحفي مع المدير السابق للمخابرات العسكرية وبالتالي فان تقديم شكوى قضائية - من المفترض على فرضية تقديمها - ان تتجه مباشرة الى صاحب التصريحات اي في قضية الحال السيد العميد موسى الخلفي. بكل وضوح قاما الصحفي ورئيس التحرير بدورهما في نشر حوار صحفي ولا يتحملان اي مسؤولية في ما قاله ضيفهما. أما من حيث المضمون فان الملف للنظر ان القضية والتي تتم بصفة استعجالية (موعد المحاكمة قبل يوم واحد من العطلة القضائية) تبعث على الارتياب حول مسألة ظلت الى سنوات محل جدل في الساحة السياسية وهي فرضية وجود الجهاز السري لحركة النهضة من عدمه. ولئن أكدت العديد من قيادات حركة النهضة (الشيخ عبد الفتاح مورو) في اكثر من مناسبة وجود مثل هذا الجهاز قبل الثورة وتسببه في المحنة التي عاشتها الحركة فيما بعد فان فرضية بقاء عمله بعد الثورة ظلت محل جدل سياسي واتهامات بين حركة النهضة وخصومها بدون أدلة ولا تأكيدات ملموسة في هذا الملف الاكثر حساسية وخطورة في تاريخ الحركة الاسلامية. أن يؤكد مدير سابق في المخابرات العسكرية بقاء هذا الجهاز وتحديد تسميته بالمكتب رقم 22 في مقر حركة النهضة بمونليزير واتهامه بكونه يستقطب عسكريين ورجال امن أمر مثير للانتباه ويتطلب ربما تكذيبا أو ردا قويا على هذه الاتهامات كما هو معمول فيه في كل الدول التي تحترم حرية الصحافة. صحيح ان الاعلاميين ليسوا فوق القانون وان المحاكم جعلت لتبت في كل من يمس من اعراض الناس او من سمعة الحركات والاحزاب غير ان ما ورد لم يكن تحليلا ولا مقال رأي بل حوار صحفي يتحمل فيه صاحب مدير المخابرات العسكرية مسؤوليته في ما نسب اليه. ما نشرته جريدة خبر هو من صميم عملها غير ان تقديم صحفييها الى المحاكمة من اجل اجراء حوار ينم على تشنج لا معنى فضلا عن كونه مثير للريبة وينم على قلة خبرة في التعامل مع وسائل الاعلام. كان على قيادات حركة النهضة واساسا جهازها الاتصالي ان يعتبروا من اخطائهم السابقة في تعاملهم مع وسائل الاعلام. لم يفهم البعض أن تقديم الصحفيين الى المحاكمات هو نتاج ثقافة قديمة وعقلية لم تنجح الى اليوم في التأقلم مع الوضعية الجديدة لحركة النهضة. كان هؤلاء الذين قدموا الصحفيين الى المحاكمة ان يفهموا حركتهم اصبحت تعمل في العلنية تحت الشمس ومن المفترض انها خرجت من عتمة الجهاز السري وألغازه التي لا يعلمها الا الله.. أو بدرجة أقل ثانية ما ادعاه المدير السابق للمخابرات العسكرية حول حقيقة وجود هذا الجهاز في اخر خبر.