موجة حر في أوروبا: حالتا وفاة في فرنسا وبرلين تلامس 40 درجة مئوية !    صادم: فيديو تحرش بفتاة في مكتب بريد بهذه الجهة..فتح تحقيق وايقاف المتهم..    تنسيقية 412 تدعو رئيس الدولة للتدخل لمطالبة البنوك التونسية بتطبيق القانون والحفاظ على السلم الاجتماعي    مصدران أميركيان: إيران أجرت استعدادات لتلغيم "مضيق هرمز"    زلزال بقوة 5.4 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    أكلات تونسية خفيفة وسريعة تناسب الصيف وتنجم تهزها معاك للخدمة    كأس السوبر: نحو اقامة مباراة فاصلة بين الملعب التونسي والاتحاد المنستيري يوم 27 جويلية بملعب الطيب المهيري بصفاقس    الإتحاد المنستيري: حقيقة خلاف فوزي البنزرتي والهيئة المديرة    معدل نسبة الفائدة في السوق النقدية يستقر في حدود 7.5 بالمائة خلال شهر جوان 2025    تذاكر توصل بمليون و 500 : مهرجان الحمامات ولاّ سوق سوداء؟    محاضرة بعنوان "حوار على ضوء القيم ... عندما يصبح التسامح ثقافة والسلام خيارا" بمقر الالكسو    3 حاجات لازم تخليهم سرّ عندك...مش كلّ شيء يتقال    علاش برشة جلطات قلبية تصير بالليل؟ الأسباب والنصائح اللي لازمك تعرفها    في تونس: الإدمان لم يعُد حكرا على المخدّرات...تفاصيل صادمة    نسكافيه الصباح: تنفعك ولا تضرّك؟    باش تمشي للبنك؟ هذا هو توقيت الصيف للتوانسة الكل!    سخانة غير عادية تستنى فينا ابتداء من النهار هذا    ترامب يشهر سلاح الترحيل بوجه ماسك    ماهي التيارات الساحبة وكيف نتعامل معها؟ خبير في المناخ يُوضّح..#خبر_عاجل    بلدية تونس تسلط 49 مخالفة صحية على محلات مفتوحة للعموم    عاجل/ انهاء مهام هذا المسؤول..    كأس العالم للأندية: برنامج الدور ربع النهائي    غوف تودع ويمبلدون من الدور الأول    الرابطة الأولى: الملعب التونسي يتعاقد مع 3 لاعبين    عاجل/ المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تحذر: توقعوا في المستقبل موجات حر "أسوأ"..    نحو شفافية أكبر في أسواق الجملة: توقيع اتفاقيتين لتركيز منظومة الفوترة الإلكترونية    ماهر الهمامي يدعو إلى إنقاذ الفنان التونسي من التهميش والتفقير    ما تعومش عكسو! تعرّف على التيار الساحب وكيف تنقّذ روحك    المرسى: 12 سنة سجناً وغرامة مالية ب20 ألف دينار لمروّج مخدرات داخل الملاهي الليلية    الأولى من نوعها ... تظاهرة مخصصة للكفاءات الطبية التونسية المقيمة بالخارج    البطولة الفرنسية : جيرو يوقع عقدا لمدة عام واحد مع ليل    إنتقالات: مهاجم المنتخب الوطني في طريقه لخوض تجربة إحترافية جديدة    كيفاش تستغل دارك والا محلك وتدخل منهم فلوس؟    أمطار غزيرة ورياح قوية تضرب المرتفعات...الرصد الجوي يُحذّر!    أسامة الرمضاني يكشف عن تعرضه للسحر: "علاه شعملتلكم؟!"    شنوة عامل في دارك و القباضة تقيّمها أغلى من جارك؟    عاجل : النادي الإفريقي يتعاقد مع هذا الحارس    رصد موجات تنبئ بتسونامي في المتوسط.. ما حقيقة الفيديو الذي أثار الرعب..؟!    وفاة الفنان المصري أحمد عامر    وزارة الفلاحة تدعو شركات تجميع الحبوب إلى الحذر من أمطار محتملة واتخاذ الاحتياطات اللازمة    هجوم إلكتروني يكشف بيانات ملايين من ركاب شركة طيران أسترالية شهيرة    رئيس الجمهورية يشدد على ضرورة الإسراع بوضع نظام قانوني جديد يحفظ حقوق الأطبّاء والإطار شبه الطبّي والعُمّال    وزير السياحة يلتقي ممثلي الجامعة التونسية للمطاعم السياحية والجمعية التونسية لمهنيي فن الطبخ    موسم الحبوب: تجميع 8.325 مليون قنطار    بومهل البساتين.. الحرس الوطني يطيح بمروع المواطنين قرب "ازور سيتي"    بنزرت: وفاة عامل كهرباء بصعقة كهربائية    كيف تؤثر حرارة الصيف على مزاجنا وسلوكياتنا اليومية؟    تاريخ الخيانات السياسية (2)... قصّة أبي رُغال في هدم الكعبة    عاجل/ قريبا.. هذا موعد الإنتهاء من مشروع "جسر الطاقة" بين تونس وإيطاليا    إطلاق إستشارة عمومية حول مشروع كُرّاس الشروط المتعلق بممارسة نشاط خدمة شحن السيّارات الكهربائية    هدى بوسيف رئيسة جمعية تواصل بايطاليا: " نعمل على تعليم أطفال المهجر و علاج أطفال الداخل "    صبّ المال وهات"... أغنية جديدة للفنانة زازا "    "نغمات 3" في مدينة الثقافة:الدخول مجاني لسهرة الطرب و"الربوخ"    تنبيه لمستعملي هذه الطريق السيارة..#خبر_عاجل    مهرجان مالطا السينمائي لأفلام البحر المتوسط : الفيلم التونسي "وين ياخذنا الريح" لآمال القلاتي يفوز بجائزة النحلة الذهبية لأفضل فيلم طويل    أولا وأخيرا: «قرط» وتبن وقش    استبدال كسوة الكعبة مع بداية العام الهجري    مطرزا بالذهب والفضة والحرير.. السعودية تكسي الكعبة ثوبها السنوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد القادر بن الشيخ: الدّرس الصامت
نشر في حقائق أون لاين يوم 25 - 11 - 2014

لم أجلس على طاولة الدرس لمتابعة دروسه رغم فارق 20 سنة في السن بيننا و لم ينلن شرف التتلمذ عليه في الثانوي في معهد خزندار أو في الجامعة و لكني تعلّمت منه و معه الكثير إذ حظيت في مطلع الثمانينات منذ انتميت إلى أسرة معهد الصحافة و علوم الإخبار بزمالته ثم بصداقته. لن أتوقف عند الكثير من المسائل العلمية و النظريات و المناهج التي سمعته يناقشها و اكتشفتها في بيته لأوّل مرة، و لكنني سأتحدث عن درس صامت لم ينطق به قولا إلا بصفة عرضية و متقطعة و لكنه أفصح عنه بالممارسة و بأسلوب إدارته لعمله طوال عقدين تقريبا من عمر عشرتنا: كيف تكون أستاذا جامعيا يجمع بين التدريس و البحث و التفتح على المجتمع في بيئة يغلب عليها نموذج مؤدّب الصبيان.
زمالة سي عبد القادر هاجسها الأول الكتابة و هو يستكتبك و يفتكّ منك نصوصا يعدك بنشرها في موسوعة إعلامية قضّى العمر يحلم بها أو في مجلة يشرف عليها أو ندوة يخطط لها. فعندما لاحظ في مطلع الثمانينات أنني كثير التدخل في الاجتماعات عن أساليب تكوين الصحفيين طلب مني كتابة مقال لتعميق هذه المسالة و أجبته أنني اكتب بالفرنسية فالتزم بتعريب النص فكان من الذين دفعوني للكتابة باللغة العربية رغم تخرجي من قسم الآداب باللغة الفرنسية إضافة إلى زملاء و أصدقاء كانوا تطوعوا لتصحيح نصوصي قبل نشرها و اذكر بكل امتنان أستاذي عبد المجيد البدوي أستاذ الحضارة العربية و السيد الطيب فراد مدير مكتب جريدة الجزيرة السعودية الذي نشر لي أول المقالات باللغة العربية و كان يعيد تحريرها لتستقيم و تصبح "صالحة للنشر" و هي كلمة سحرية ضاع بريقها مع تعدد وسائل النشر و سهولته هذه الأيام.
و عندما لاحظت تأخر صدور الموسوعة خاطبت سي عبد القادر في الأمر و لاحظ رغبتي في نشر المقال فقال لي انشره في المجلة التونسية لعلوم الاتصال التي بدأ المعهد يصدرها باللغة الفرنسية في مطلع الثمانينات، أما موسوعتنا فسننشرها باللغة العربية. و أحتفظ إلى اليوم بنسخة معرّبة لأن الموسوعة التي حلم بها طوال العمر سي عبد القادر لم تنجز.
و هكذا كان سي عبد القادر القاطرة التي جرّتني إلى الكتابة و النشر لأنه أدخلني في لعبة الحلم الذي يراود الإنسان و يدفعه دائما إلى الفعل و إذا تأخر الحلم فالسعي إليه نافع و مثمر و مجزي. هكذا عرفت سي عبد القادر يصنع الحلم و يورطنا معه نحن مجموعة أصدقائه و زملائه.
دخلت الجامعة سنة 1980 بعد أن مارست مهنة الصحافة في وكالة تونس إفريقيا للأنباء حيث كنا نعمل بنظام حصص مسترسلة ب 6 ساعات يوميا و مجموع 36 ساعة أسبوعيا. و في الجامعة كلفت بتدريس 6 ساعات أسبوعيا و احترت في ما تبقى من أيام الأسبوع: كيف أحصل على راتب و لا اذهب إلى مكان العمل؟ سؤال ساذج شغلني و لم تكن آنذاك نصوص الجامعة و لا تقاليدها تساعدني على تجاوز هذا المشكل الذي يبدو بسيطا و مضحكا و لكنه يحدّد طبيعة و أشكال انتمائك إلى المهنة. و لكن ما هي مهنتنا و ما هي مهامنا و أوجه شغلنا في الحقل الجامعي؟
أجابني سي عبد القادر صامتا و أخرجني من هذا المأزق الساذج و علّمني أن الدرس هو ما يظهر للعيان مثل حركات الممثل على الرّكح و لكن هناك أعمال عديدة سابقة و موازية و اكتشفت بممارساته و نظام حياته مهنة الأستاذ الباحث و بعد أن احترت في تأثيث أيام الأسبوع زيادة عن الست ساعات، اكتشفت مع سي عبد القادر أن أيام العمر كلها غير كافية.
طبعا هناك إعداد الدروس و إصلاح أعمال الطلبة خارج الست ساعات و الإشراف على الامتحانات و لكن هناك اجتماعات لمناقشة تطوير البرامج و أذكر أننا خصصنا في هيئة التدريس اجتماعات استرسلت لسنوات حول تحوير البرامج أجزم من غير مبالغة أنها تجاوزت الوقت الذي قضيناه مع الطلبة في الفصل خاصة و أن إضرابات الطلبة في مطلع الثمانينات تجاوزت أيام العمل.
كذلك تعلمت ما يحتاجه إعداد ندوة من اجتماعات و مناقشات تحضيرية إذ نبدأ التفكير فيها اليوم و تنجز بعد أشهر و هناك حضور في نشاطات مهنية في علاقة مع الإعلام و كم لجنة أو جلسة عمل مع مسؤولين و فاعلين مهنيين في حقل الإعلام و الصحافة شارك فيها الزملاء رغم التقصير الواضح في إنشاء علاقات تعاون بين الجامعة و الوسط المهني.
و هناك وقت ليس بالقليل لعلاقات اجتماعية مع أساتذة باحثين من الخارج تحتفي بهم و تجلس إليهم في فنادق إقامتهم و تساعدهم على قضاء وقت مريح في زيارة بلدنا و تتناقش عرضا معهم و تتبادل الوثائق و التجارب و تلتزم معهم لنشاطات مستقبلية.
و هناك وثائق درس تسعى جاهدا لتطويرها و نشرها في شكل كتاب مدرسي، أو فريق بحث تحاول الارتباط به لنشر فصل في كتاب جماعي أو مجلة علمية و ان اخفق الفريق و هي تجارب متكررة و محبطة عليك أن تجد من داخلك الصبر و القوة لانجاز دراسات و بحوث تتعلم منها و تفيد بها الآخرين و تفتكّ بها الاحترام و الاعتراف...و القليل من المنح تكمّل بها ضعف الراتب آخر الشهر.و عديدة هي الأوجه الأخرى لمهنة الست ساعات أو هي هكذا بدت لي في خطواتي الأولى قبل أن يفرض علينا الأستاذ محمد المزالي رحمه الله و هو وزير التربية قبول الترفيع في الراتب مقابل الترفيع في "الإنتاجية" و عندهم اقتصرت إنتاجية الأستاذ على العمل داخل الفصل مع الطلبة.
و أذكر من باب الطرفة أن الأستاذ صالح الحمزاوي الباحث في علم الاجتماع و الكاتب العام لنقابة أساتذة التعليم العالي قدّم استقالته لأنه كان يرفض هذا الشرط معتبرا أن الأستاذ الجامعي لا تقاس إنتاجيته بساعات التدريس فقط و لكن أيضا بالبحث و النشر و تأطير الطلبة و بلورت النقابة مفهوم العمل في الحقل الجامعي مدرجة فيه مختلف النشاطات إضافة للتدريس و لكننا بقية زملائه في النقابة قبلنا بالشرط لأن التيار الغالب من الأساتذة اختار تحسين الراتب. و تكررت نفس التجربة مع وزير آخر بعد سنوات و أصبح الأستاذ المساعد يقوم بتدريس 9 ساعات و نصف أسبوعيا.
و لسي عبد القادر بن الشيخ هواجس و مغامرات أخرى اجهلها فقد خاض سنتي 1970 و 1971 تجربة انجاز فلم سينمائي بعنوان "و غدا " بتعاون مع المخرج إبراهيم باباي و نشر لاحقا في شكل رواية "و نصيبي من الأفق". و كم مرّة وجدته يكتب فقرات ثم ينقطع، لرواية ثانية لم تر النور و لكنها رافقته طول العمر...كما نشر عدة قصص للأطفال.
لم أتحدث عن أكثر الأنشطة خطورة سواء من ناحية تبعاته على عمل الأستاذ الباحث أو من ناحية الوقت اللاّزم لانجازه. و أنا انعم بمنحة التقاعد بعد 35 سنة من العمل في الحقل الجامعي ازداد أكثر اقتناع بأن هذه المهنة قوامها المطالعة. ما هذا الاكتشاف البديهي؟ كل المعلمين ينصحون بذلك في الابتدائي و لكن بين النصيحة و مدى الاقتناع و الالتزام بها طوال العمر مسافة ليست بالهينة.
لا اذكر أنني تحادثت مع سي عبد القادر و لم يذكر كتابا يطالعه أو كتابا يريد استعارته منك او كتابا يريدك أن تكتبه. و لا اذكر إني زرته في بيته الذي تحوّل إلى مكتب اجتماعات لأن الجامعة وقتها لا توفّر للأساتذة سوى قاعة مشتركة للاستراحة بين الدروس و للاجتماعات أما المكاتب الخاصة فلم تكن متوفرة، و لم أجد على الطاولة كتبا مفتوحة ووريقات عديدة بين الصفحات و على الطاولة وثّق فيها اقتباسا او لخّص فيها صفحة أو كتب تعليقا أو دوّن سؤالا أثارته فيه مطالعة سابقة.
تقلّ قيمة المطالعة و تنقص جدواها إذا لم يرافقها التدوين. و تتراكم هذه الوريقات لتشكّل نصا جديدا يولد من المطالعة و من التأمل الداخلي الذي ينشئ الجديد من القديم.كم ساعة مطالعة في الأسبوع لازمة لهضم ما ينشر في حقل معرفي؟ هكذا أصبحت الست ساعات غير كافية بل العمر كله غير كاف. و لو يطرح علي اليوم سؤال حول أهم نشاط يقوم به الأستاذ الباحث و أكثره استهلاكا للوقت أقول دون تردد: المطالعة.
كان الأستاذ عبد القادر يدرّس المواد الأكاديمية التي تكمّل المواد المهنية المخصصة لتعلّم الممارسة الصحفية و لكنني اكتشفت أنه أكثر الأساتذة حرصا على العمل الميداني و على ربط علاقات تعاون مع الوسط المهني. اهتمّ في جزء كبير من وقته بموضوع الكتابة للأطفال و وسّع اهتمامه إلى الإنتاج الإعلامي الموجه إلى الطفل فكنت أجده شديد الحرص على الارتباط بمؤسسة الإذاعة و التلفزة و يتعاون لتنظيم ندوات و حوارات مع كل المشتغلين على تخطيط البرامج و إنتاجها. كذلك بادر بتعاون مع جريدة الحرية اليومية لنشر ملحق أطفال يتناول المادة الإخبارية. و هكذا جسّم سي عبد القادر نموذج الأكاديمي الذي يجمع بين أرقى المشاغل النظرية و الفكرية و بين الملاحظة الميدانية ليستفيد منها في دراساته و ليجرّ المهنيين في مال برامج الأطفال إلى تساؤلات حول مضامين البرامج و مدى استجابتها إلى احتياجات الطفولة في العالم العربي.
لا يكفي إن تكون جادا لتنجح في حقل جامعي تتحكّم في جزء من أنشطته موازين القوى السياسية.و هذه قضية في حد ذاتها تحتاج إلى الكثير من الشهادات و الجدل حول السياسة و الجامعة و كل الإشكاليات التي تطرحها هذه العلاقة المثرية و المسترابة في نفس الوقت، و من البديهي أن تلمس حضور السياسة و توجيهاتها في حقل تدريس الإعلام و خاصة اذا كنت حريصا على عدم الاكتفاء بإلقاء الدروس و أردت تكثيف نشاطك في مجال البحث و ما يتطلبه من تسهيلات مادية و من علاقات منتظمة مع الوسط المهني.
لم أعرف سي عبد القادر قبل الثمانينات و لكنه حدثني باقتضاب عن بعض مغامراته فاذكر انه انتمى إلى الحزب الشيوعي التونسي و قد ذكر ذلك الأستاذ عبد الجليل بوقرة في كتابه المرجع "فصول من تاريخ اليسار التونسي" كما انتمى إلى قيادة نقابة التعليم الثانوي و تعرّض إلى التوقيف عن العمل و حجب راتبه الشهري مدة سنة على خلفية تنظيم النقابة لإضراب ناجح و من الطريف حسب ما رواه لي سي عبد القادر عدة مرات ان يطلب منه الأستاذ محمود المسعدي وزير التربية آنذاك المشاركة في لجنة إعداد برنامج الفلسفة و كان النقابي الذي توقّف راتبه يدخل الوزارة ليشارك في أعمال هذه اللجنة. ما ارقي و ما أجمل هذا الجيل من المثقفين التونسيين بتناقضاتهم و صراعاتهم التي لا تنتهي و أحلامهم و أخطائهم...و الكثير من انجازاتهم و ابداعاتهم.
عندما عرفت سي عبد القادر كان انقطع عن الحزب الشيوعي بكثير من المرارة، و لكنه لم ينخرط في الحزب الدستوري الحاكم رغم حرصه على التعاون مع كل المسؤولين الذين يعيّنون على خلفية انتمائهم إلى الحزب الحاكم. و كان يقول لي دائما المشكلة ليست في النضال و لكن في ابتكار و اختيار أشكال النضال المناسبة مع موازين القوى و مع خصوصية الحقل الذي نتحرك فيه. و كأنني فهمت منه أنه هجر المعارضة و اجتماعات النقابة ليفتك من السلطة هامش تحرّك يسمح له بممارسة نشاطه العلمي و كأنه يتسلل إلى مناطق كان يمنع من الاقتراب منها.
نعم هجر سي عبد القادر الحزب الشيوعي الذي استقطب نخبة من الأساتذة و المثقفين و لكنه لم ينقطع على ما كان يعتبره اكبر ارث للفكر الماركسي و هو القدرة على النقد و توظيف المعرفة في تفكيك و فهم الواقع قصد تغييره و إن بصفة جزئية خلسة عن حرّاس المعبد. هكذا فهمت رسالته و الله أعلم.
كم كنت محظوظا سي عبد القادر برفقتك و أنا أخطو خطواتي الأولي في الجامعة.لم أجلس على مقعد الدرس أمامك لتلقي المحاضرات و لكني حظيت بهذا الدرس الصامت في كل مواقفك و أساليب عملك في الجامعة و المجتمع.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.