اعتبر المؤرخ الجامعي والمحلّل السياسي عبد اللطيف الحناشي، أن أحداث العنف والسلوك الأخير الذي اعتمده النداء في اجتماع مكتبه التنفيذي بالحمامات، مؤسف جدا ولم تعرف الساحة الحزبية (القانونية) في تونس بعد الثورة مثل هذا السلوك العنيف لحل الخلافات والنزاعات داخل الحزب الواحد أو بين الأحزاب، ويشير هذا العنف الذي مورس من قبل أطراف صلب "تجمّع سياسي" واحد ضد أطراف أخرى من نفس "التجمّع"، إلى انسداد الأفق بين الطرفين. مرحلة العنف المادي أمر مفزع ومؤلم كما اعتبر عبد اللطيف الحناشي، أن هذا السلوك يعبّر عن عجز تلك "المجموعات" المتباينة عن التعايش السلمي في ما بينها وعدم قدرتها على حلّ خلافاتها بالحوار والنقاش الهادئ والرصين الأمر الذي أدى إلى انتقالها من مرحلة العنف اللفظي، من ذلك التراشق بالاتهامات الخطيرة من داخل نفس المجموعة، إلى مرحلة العنف المادي وهو أمر مفزع ومؤلم من قبل "تجمّع سياسي" تعرّض بنفسه للعنف من قبل مجموعات أخرى وأدان تلك الممارسات وجلب عطف الناس إليه باعتبار أنه كان ضحيّة العنف وكل الخشية أن يتحول العنف لوسيلة لحل الخلافات. وأضاف الحناشي، أن هذا التصرف قد يعبر أيضا عن محدودية التجربة السياسية والحزبية لدى بعض القيادات من ذاك "التجمع السياسي" ومحدودية ثقافتها السياسية إن لم نقل انعدامها باعتبار أنها دخلت مجال السياسة بعد الثورة ومازالت في مرحلة المراهقة السياسية دون عمق ثقافي وفكري. وعن تأثير هذا الخلاف على العملية السياسية في تونس، قال عبد اللطيف الحناشي: " لا شكّ أن التأثير سيكون على أداء الحكومة باعتبار وجود وزراء ينتمون إلى "نداء تونس"، وسيؤثر أيضا على أداء كتلة هذا "التجمّع" في مجلس الشعب وسيؤثر على علاقته ببقية الأحزاب الحليفة منها وغير الحليفة له، وكل ذلك سيؤثر على العملية السياسية وقد يعيد تشكيل المشهد السياسي بعناوين وأجندات جديدة إن كان على المستوى القريب أو البعيد. من جهة أخرى أفاد، عبد اللطيف الحناشي أن مسألة الانتخابات المبكّرة غير مطروحة على المدى القريب بإلحاح، فهناك أولا هامش ما لمعالجة هذا التصدّع من قبل بعض "حكماء النداء" على قلتهم، وثانيا فحتى وإن أدى الخلاف إلى انقسام كتلة النداء فإن ذلك لن يؤثر بعمق على سير العملية السياسية، معتبرا أن هناك "مخزون" أخر من النواب يمكن أن يصطفوا إلى جانب هذا الشق أو ذاك، الأمر الذي يساعد على وجود توازن سياسي أو أغلبية برلمانية قد لا تكون مريحة ولكنها ناجعة ومفيدة. استمرار الخلاف داخل النداء لن يخدم النهضة وبخصوص حركة النهضة، أوضح عبد اللطيف الحناشي، أن النهضة كغيرها من الأحزاب في الساحة السياسية والحزبية لها حساباتها، وباعتبار أنها الحزب الثاني في البلاد من حيث الانتشار و الجماهيرية والتمثيلية في البرلمان فإن ما يجري يهمها سواء تمدد الخلاف داخل نداء تونس وتوسع أو تقلّص أو توقّف. واعتبر محدثنا أن صمتها طبيعي ويمكن إدراجه تحت عنوان "عدم التدخل في شؤون الأحزاب الأخرى" ظاهريا على الأقل، وقد يكون الصمت علامة الرضا أيضا، قائلا: "وان كان هذا الذي يجري داخل نداء تونس يخدمها على مستوى جماهريتها ومصداقيتها وانضباطها وتماسكها، غير أن استمرار الخلاف داخل النداء وتطوره إلى مرحلة أعلى سوف لن يخدمها حاضرا وربما مستقبلا، ولا شك أن تجربتها في الحكم مع أطراف ذات مواصفات محدّدة قد أبان لها خصائص ومميزات الواقع الثقافي والسياسي للبلاد التونسية". يذكر أن اجتماع المكتب التنفيذي لنداء تونس، المنعقد أول أمس الأحد بالحمامات، شهد أعمال عنف شديد على إثر منع بعض منتسبي التنسيقيات الجهوية والمحلية للحزب من الدخول الى النزل وحضور الاجتماع، مما خلّف حالة من الاحتقان والغضب، فقرر على إثرها رئيس الحزب محمد الناصر إلغاء الاجتماع.